حنان باكير - النجاح الإخباري - كتبت تغريدة ثم محوتها. لأني لا أحب الكتابة في لحظات الإنفعال الشديد، حتى لا تكون صراخا. الآن وبعد أن هدأت قليلا، أخذت الأمر المبكي بسخرية مضحكة، ألسنا أمة ضحكت من جهلها الأمم! وهذا الرأي منقول عن شاعر عربيّ كبير، فأرجو المعذرة.

حملة سعار يقودها اشباه مثقفين عرب، ضد الشعب الفلسطيني، وفي خط مواز لها، حملة هذيان تلهج وتُسبّح بحمد الدولة المغتصبة لأرضنا. ألا نقول في أمثالنا "الغني كل الناس بتغنيلو" أي تغني له. يتحدث بعض مثقفي وإعلاميي هذا الزمن، برزانة الحكماء، وحصافة المفكرين، عارضين أفكارهم "السامية".. فأحدهم كتب، بأن سبب تأخر الأمة وتخلفها مردّه الى التزامها، أي الأمة، بالقضية الفلسطينية، ولا مجال للتقدم، واللحاق بركب الحضارة، إلا بفك الإرتباط بها! لهذا المفكر وأتباعه، حرية التعبير عن آرائهم، بكل صراحة.. ولي أيضا حق القول: أن مردّ تخلف الأمة، هو في القوانين السائدة، والتي تعود لحقبة ما قبل التاريخ، ولم تعد تتناسب مع عصرنا، ومع التسارع الضوئي في التكنولوجيا، والاكتشافات العلمية والطبية. فما علاقة القضية الفلسطينية، في التعامل مع المرأة، كعورة من قمة رأسها الى أخمص قدميها، وفي عدم بناء ثقافة طفل وثقافة إنسانية، في المجتمعات العربية، وفي بناء دولة المواطنة! ولمَ لا تكمن أسباب التخلف، في الفقر والجوع الذي يضرب الأمة! أطنان الطعام تلقى في مستوعبات القمامة، في وقت يموت فيه الآلاف من الأطفال جوعا وعطشا. ثم نثور ونغضب اذا ما قُتل مسلم في آخر المعمورة، ولا يهزّنا موت آلاف المسلمين جوعا ومرضا! وما علاقة القضية الفلسطينية، بنشوء الفكر الداعشي، الذي يفخر معتنقوه، بالتعامل مع "اسرائيل"، يتعالجون في مستشفياتها، ويقومون بحرق العلم الفلسطيني مهللين ومكبرين!

حتى زمن غير بعيد، اعتدنا أن نلقي باللوم دوما على الإستعمار والإمبريالية، التي تقف حائلا بيننا وبين التطور والتحضر والتوحد، والآن صارت القضية الفلسطينية، هي السبب.. و" الحق الذي كان عالطليان، صار الحق عالفلسطيني". لذا وجب إيجاد حل يزيح عن كاهل هذه الأمة الجهل والتخلف، لتنعم الأمة بالسلام والوئام، وتسود المحبة وروح التسامح، وذلك عبر إخراج الفلسطيني من التاريخ ومن الجغرافية. اقترح أحدهم، بناء جزيرة اصطناعية في وسط البحر، تكون موطنا لهم، على أن يكون أقرب يابسة لتلك الجزيرة آلاف الأميال البحرية. والحل الأكثر رأفة وحنانا، يكون بإقامة "فلسطين" جديدة على أرض سيناء!

ومن الأفكار الغريبة التي يطرحها بعض اشباه المثقفين هؤلاء، أن لليهود حق الهي في أرض فلسطين! ومصدر الغرابة، يكمن في تبني الوعد الوارد في التوراة، في وقت "يعتقدون" أن هذه التوراة محرفة، ولا تمت بصلة للتوراة التي أنزلت على النبي موسى. وأنه لم يكن في التاريخ يوما، شعب فلسطيني ولا دولة فلسطينية. أتمنى على هؤلاء الاشباه قراءة التوراة، والتمعن بها، وعندئذ سيعلمون كم مرة ورد ذكر اسم الشعب الفلسطيني، وأرض الفلسطينيين، وكيف خاطب الرب الشعب العبري، بالغرباء في أرض الفلسطينيين، وطلب منهم التغرب في أرضهم، وأنها أرض غربتهم.. وسيعلمون أن أول بناء حجري، كان في أريحا، وسيعلمون أن الفلسطينيين أول من استعمل المركبات الحديدية في الحروب، وهي ما يشبه الدبابات أو المدرعات في يومنا هذا.. وسوف يكتشفون في التوراة، المدى الذي بلغته حضارة الفلسطينيين.

منذ عقد ونيّف من الزمان، بدأت حملة تجنيد الأقلام تشتد وتستعر. والآن بلغت ذروتها، المايسترو يحمل عصاه، وجيوش الأقلام بانتظار إشارة البدء، واتجاه البوصلة، لتعزف ألحانها المدفوعة الأجر.

ومن باب الشيء بالشيء يذكر، أورد مقارنة سريعة، بين مثقفي الغرب الذين، قادوا ثورات فكرية، مهّدت لثورات تحررية من الظلم والطغيان والفساد، بدأت أوروباعلى أثرها، في بناء مجتمع حديث، وإقامة دولة المواطنة، وبين بعض مثقفي بلادنا العربية الذين يضعون أقلامهم برسم البيع أو الإيجار.. ففي النرويج ما زال المجتمع، يدين بالروح الوطنية والمشاعر القومية لكتّابه وشعرائه من أمثال هنريك إبسن وفيرجلاند.. وليس لزعمائهم السياسيين.

يا أيها المتثاقفون، نحن لسنا شعبا زائدا، تغصّ به الكرة الأرضية، نحن شعب، لنا جذورنا التي ستتابع النمو في تراب ارضنا الطيبة. أما أنتم فلا أقول لكم الا "الله يهنّي سْعيد بسْعيدة"..