رجب أبو سرية - النجاح الإخباري - لا يكاد يصل القادة العرب، مقر اجتماعات القمة العربية، حتى يلقوا كلماتهم، ثم يستمعون للبيان الختامي، الذي _ بالطبع _ يكون معدا سلفا، ثم يغادرون، ورغم أن القمة الثامنة والعشرين، التي عقدت أول من أمس في مركز الحسين للمؤتمرات في البحر الميت، قد اعتبرت أفضل من سابقاتها، نظرا إلى مشاركة معظم القادة العرب، باستثناء من حالت ظروفهم الصحية دون ذلك_ رئيس الجزائر، سلطان عمان، رئيس الأمارات _ حيث باستثناء اعتذار الملك المغربي، الذي لم يحضر على أي حال أية قمة عربية منذ عام 2005، لم يتخلف أي رأس دولة عربية عن حضور هذه القمة، ما أوحى بان العلاقات العربية _ العربية بحال جيد أو حسن، كذلك أن القادة العرب مهتمون بالتوصل لموقف عربي موحد، من جملة القضايا والمواقف السياسية التي تعصف بالواقع العربي منذ سنين.
وقد ضاعف من الاهتمام بهذه القمة حضور رجالات دولية، مثل أمين عام الأمم المتحدة، وممثلين عن الاتحاد الأوروبي، الاتحاد الروسي والولايات المتحدة، لكن ورغم كل ذلك، ورغم أن المواطن العربي فاقد للثقة بمؤتمرات القمة العربية منذ سنوات، إلا انه لا يمكن القول بأن العرب قد انتقلوا إلى الأمام خطوة عملية واحدة .
لسنا هنا بصدد تعداد الخلافات الداخلية، فحتى وحدة الموقف الرسمي العربي، لا تعتبر كافية لحل مشاكل الوطن العربي، ذلك أن داخل معظم الدول العربية هناك اصطفاف داخلي، إن لم يكن اقتتالا أو تآكلا داخليا، كذلك فان القمة التي تعتبر مناسبة للمجاملات السياسية، لم تخف كل ما يوجد هناك من خلافات بينية، لعل انسحاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عقب القائه كلمته، حتى لا يستمع لكلمة أمير قطر الشيخ تميم، التي ألقاها عقب إلقاء الرئيس المصري لكلمته مباشرة، خير دليل على أن مجرد انعقاد القمة ومشاركة المتخاصمين السياسيين فيها لا يعني أنها وضعت حدا لتك الخصومات، كما هو الحال أيضا بين الجزائر والمغرب، الجارتين اللتين تعيشان علاقة إخوة محفوفة بالمخاطر، بسبب الافتراق حول الموقف من الصحراء.
المهم، أن القمة العربية، التي انعقدت في موعدها، كقمة عادية، تم ضبط إيقاعها على النغمة الأميركية الجديدة، بعد تنصيب الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، حيث أن إيحاءات الرجل بطيّ صفحة الربيع العربي، التي فتحها سلفه الديمقراطي باراك اوباما، كذلك مراجعة الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني، قد شجعت العرب / الرسميين، لأن « يوحدوا « خطابهم، وكأن يدا خفيه في البيت الأبيض قالت لهم :اجتمعوا، وحددوا موقفهم، ثم تعالوا لتقابلوا الرئيس ترامب !
لا يبدو إذن أن الموقف العربي قد استشعر خطورة الحال والواقع العربي، بحيث أن قادته تداعوا ليفكروا في كيفية رسم الخطط وإعداد العدة، لمواجهة ما تتعرض له بلادهم وما يحيق بوطنهم العربي من مخاطر ومخططات ومؤامرات، فهم لم يتخذوا قرارا واحدا واجب التنفيذ بهم، لم يقوموا مثلا، حتى في مواجهة إيران، بتحديد موقفهم بمعزل عن الآخرين _ خاصة الولايات المتحدة _ والأهم أنهم لم يقوموا بتشكيل قوة عسكرية مشتركة، حتى لو كانت كقوة فصل أو فض اشتباك بين الأخوة الأعداء، تفرض الحل السياسي،  إن كان في ليبيا، سورية أو حتى اليمن.
لم يتخذوا قرارا بتوحيد العملة مثلا، أو فتح الحدود (تشنجن عربي)، أيضا على سبيل المثال، لم يتخذوا قرارا بتشكيل ميزانية إعمار أو حتى تنمية في معظم الدول العربية التي بحاجة ماسة للتمنية، من مصر إلى جيبوتي وما بينهما، أو مواجهة ما يهدد اليمن من مجاعة أو ما تتعرض له الموصل من تطهير عرقي، أو مواجهة دفع الشعوب العربية، في العراق، وسورية واليمن إلى الاحتراب الداخلي على أساس طائفي.
عمليا اجتماع القادة العرب، يظل هكذا بروتوكوليا، فالقرارات والبيان الختامي وكل شيء يتم إعداده في اجتماع وزراء الخارجية الذي يسبق القمة، والقمة فقط تمنح ما يسبقها «البركة» والاهتمام السياسي والإعلامي، كذلك فان اجتماعات القمة العادية، السنوية، عمليا تبرر بقاء جامعة الدول العربية، التي لم تنجح منذ تأسيسها عام 1945، في تحقيق أي هدف كانت قد أنشئت من اجله!
المهم في الأمر، أن القمة قد أعلنت موقفا ليس جديدا، بل ربما هي أكدت على موقفها تجاه الملف الفلسطيني ببنوده الرئيسية، فهي أكدت على رفض نقل أية سفارة لأية دولة ( الإشارة للولايات المتحدة ) في إسرائيل من تل أبيب للقدس ولم تهدد بموقف تجاه من يقوم بنقل السفارة، كذلك أكدت على حل الدولتين _ ولم تصر على أن الدولة الفلسطينية، يجب أن تقوم على حدود الرابع من حزيران 1967، كذلك ورغم إثارة الرئيس الفلسطيني إلى مناسبة وعد بلفور المئوية، إلا أن موقفا عربيا تجاه بريطانيا لم يتخذ.
أخطر ثابت في السياسة العربية الرسمية _ بتقديرنا، هو أن تبقي المراهنة على الولايات المتحدة، واستمرار الوهم بان موقفا عربيا موحدا كافيا لمواجهة الانحياز الأميركي إلى جانب إسرائيل، حيث اعتقد القادة العرب أنهم بوحدة موقفهم في البحر الميت سينجحون في منع التراجع في الموقف الأميركي نفسه، ولم يفكر العرب _ مثلا _ بموازنة الموقف الأميركي بالروسي والأوروبي، والأهم باعتماد خطة مقاومة شعبية / سلمية، اجتماعية وكفاحية واقتصادية للشعب الفلسطيني، لإجبار أميركا وحتى إسرائيل على تغيير موقفهما، بما يجعل من « حل الدولتين « أمرا ممكنا، لا أن يتم البحث ومع العرب عن حلول أخرى، لحل مشكلة احتلال إسرائيل لأرض دولة فلسطين، ذلك الاحتلال الذي بقدر ما هو مؤذٍ للشعب الفلسطيني، فانه مزعج أولا وأخيراً، طال الزمان أم قصر لإسرائيل، والأسوأ من كل ذلك أن يتم التعامل مع الملف الفلسطيني على أساس إمكانية مقايضته بملف آخر من نمط الملف الإيراني !