وكالة أنباء العالم العربي - النجاح الإخباري - تثير جرائم القتل في المجتمع العربي بإسرائيل، والتي تجاوز عددها 100 جريمة منذ بداية هذا العام، حالة من الغضب لدى الجماهير العربية، التي تتهم السلطات الإسرائيلية بالتقاعس عن ردع الجريمة والسماح بانتشار الأسلحة والعصابات المنظمة.

 

وتشهد مدن وبلدات عربية فعاليات رافضة لجرائم القتل، التي كان آخرها مقتل خمسة أشخاص في بلدة يافا الناصرة الأسبوع الماضي ضمن صراع مستمر بين عائلتين.

 

وبينما قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منح صلاحيات لجهاز الأمن العام (الشاباك) لمساندة الشرطة في ملاحقة مرتكبي الجرائم في إسرائيل، يرفض العرب هذا التدخل ويعتبرون الشاباك جهازا أمنيا يحاول أن يستغل هذا الظرف للتضييق على المجتمع العربي وإقحام السياسة في الواقع المحلي.

 

ويطالب العرب بدور أكبر للشرطة ووجود مراكز شرطية في كافة البلدات والقرى العربية داخل إسرائيل.

 

 اتهامات بالعنصرية

 

وعن أسباب ازدياد جرائم القتل في الوسط العربي، يتهم أحمد الطيبي، النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي، الشرطة بالتعامل بعداء مع المواطنين العرب، ويقول "منذ عام 2000، تأكّد بشكل رسمي أن الشرطة تتعامل مع الوسط العربي على أنهم أعداء... العرب يقتلون العرب؛ وهذا لا يهم شرطة إسرائيل ولا المؤسسة الرسمية".

 

أضاف الطيبي في حديث لوكالة أنباء العالم العربي "لو أن يهوديا قُتل في هذه الجرائم أو أصيب، لتدخلت الشرطة والمؤسسة الإسرائيلية فورا". واعتبر أن وجود وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير في الحكومة الإسرائيلية سبب لزيادة جرائم القتل داخل البلدات العربية، متهما إياه بأنه "لا يفقه بهذه الأمور وعنصري".

 

ونقل الطيبي عن المفوض العام للشرطة كوبي شبتاي قوله إن جرائم القتل "تؤكد طبيعة العرب، وهذه عقليتهم"، معتبرا هذا "كلاما عنصريا من الشرطي الأول في إسرائيل، والذي من المفترض أن يكون مسؤولا عن محاربة الجريمة، ولذلك هذا يفسر عدم بذل جهد حقيقي بمكافحة منظمات الإجرام".

 

وقال النائب العربي في الكنيست إن المواطن العادي لا يستطيع محاربة الجريمة ولا حتى رئيس سلطة محلية ولا نائب برلمان، مؤكدا أن هذه مسؤولية الشرطة والدولة.

 

وحول إشراك جهاز الشاباك في مكافحة الجريمة، قال الطيبي إن هذا الجهاز "موجود منذ عشرات السنين في كل بلدة عربية"؛ لكنه اتهمه بتشغيل بعض قادة المنظمات الإجرامية ومنح "الحصانة" لهم وطالبه برفع يده عن هؤلاء.

 

وبينما تقول الكاتبة الإسرائيلية نحاما دوك في أحد مقالاتها إن معظم سكان إسرائيل اليهود يعتقدون أن زيادة معدلات الجريمة في المجتمعات العربية هي مشكلة العرب أنفسهم، فإنها ترى أنه "مخطيء من يظن أن هذه المشكلة والعنف لن يؤثران على اليهود".

 

وتعتقد الكاتبة، التي ذكرت أن عدد جرائم القتل في المجتمع اليهودي وصلت إلى 34 ضحية في العام الماضي، أن الحل يتطلب "قيادة تعترف بالعنف في المجتمع العربي كمشكلة وطنية ملحة، من رئيس الوزراء إلى آخر رؤساء بلديات المدن".

 

من جانبه، اعتبر مائير ترجمان، الكاتب في صحيفة (يديعوت أحرونوت) الإسرائيلية، أن سبب الفشل في محاربة الجريمة في الوسط العربي هو تغيير الخطط لكل وزير يحل مكان من سبقه بدلا من الاستثمار في الخطط الموضوعة.

 

 اهتمام من النواب العرب

 

وأكد الطيبي أن زيادة الجرائم في المجتمعات العربية أكثر موضوع يهتم به النواب العرب في الكنيست، وعلى رأس جدول أعمالهم، مشيرا إلى وجود احتجاج شعبي ومظاهرات للحد من الجرائم في البلدات العربية داخل إسرائيل.

 

وذكر الطيبي أن نوابا من الجبهة العربية للتغيير اجتمعوا مع نتنياهو من أجل بحث مكافحة هذه الجرائم، على الرغم مما قالوا إنه عدم شعورهم بالثقة فيه. لكنه أردف قائلا "لو نتج عن هذا الاجتماع 1% نتيجة، فهذا تحرك".

 

غير أنه أكد أن نتنياهو تعهد لهم بمكافحة الجريمة وقال "هذه المنظمات الإجرامية تضخمت وكبرت وأنا رئيس الوزراء ومسؤول عن محاربتها".

 

 عام الجريمة

 

ومن بين جرائم القتل التي شهدها الوسط العربي في إسرائيل منذ بداية هذا العام 62 جريمة إطلاق نار. ويزيد عدد هذه الجرائم عن مثليّ ما جرى تسجيله من جرائم خلال الفترة ذاتها من عام 2022، حيث قتل 33 فلسطينيا فقط.

 

وأكد كامل ريان، مدير مركز أمان للمجتمع العربي في إسرائيل، الذي قُتل ابنه عام 2009 في قرية كفر برعم، أن جرائم القتل بدأت تزداد منذ عام 2000، مشيراً إلى أنه ما بين عامي 1998 و2000 كان معدل الجريمة في المجتمع العربي أقل من خمسة في المئة، على الرغم من أن نسبة المواطنين العرب 21%.

 

وقال في تصريحات لوكالة أنباء العالم العربي "منذ عام 2000 في انتفاضة الأقصى لغاية الآن، بدأت الجريمة تأخذ حيزا آخر، وبدأت بالارتفاع التدريجي"، مشيرا إلى أن هذا العام شهد ارتفاع معدلات الجريمة إلى مستوى ذروة.

 

أضاف "نسبة الجريمة الآن في المجتمع العربي مشابهة تقريبا للأعداد الموجودة في أميركا الجنوبية"، مشيراً إلى أن عدد الذين قُتلوا منذ بداية العام في هذه الجرائم بلغ 103 حتى الآن.

 

وحذر ريان من أن إدخال الشاباك في المجتمعات العربية للحد من الجريمة سيشكّل معضلة كبيرة جدا، قائلا إن دخول الشاباك في المجتمع العربي يعني إعادة صياغة بنية هذا المجتمع تجاه الحكم العسكري.

 

وتابع "الشاباك يستخدم أدوات ولوائح قانونية كانت تستخدم في الحكم العسكري في المجتمع العربي قبل عام 1966، وكما هو الحال في الأراضي في الضفة الغربية وقطاع غزة".

 

أضاف "حتى الشاباك لا يستطيع أن يسيطر على عصابات الإجرام، لأنه تم إهمالها لعشرات السنين، وقد تغلغت وتأطّرت داخل مفاصل المجتمع العربي". وقدّر المدة التي يحتاجها الشاباك لاستئصال هذه الجرائم بنحو عشر سنوات.

 

ويعتزم مسؤولو الشاباك وضع شروط للموافقة على المشاركة في مكافحة الجريمة في المجتمع العربي، بما يضمن لهم الحصول على غطاء قانوني لعمليات الجهاز في هذا الإطار، وعدم الكشف عن أدواته وقدراته حتى أمام الهيئات القضائية ذات الصلة.

 

 تصاعد الجريمة

 

وحذّرت سماح سلايمة، الناشطة النسوية ومديرة جمعية (نعم نساء عربيات في المركز)، من إمكانية تصاعد الجريمة في المجتمع العربي داخل إسرائيل أكثر مما هي عليه الآن.

 

وقالت في حوار مع وكالة أنباء العالم العربي إن ما سمّتها "المحاولات الإسرائيلية المستمرة... لتفتيت هذا المجتمع تتطلب توحيد الحالة العربية في مواجهة إسرائيل ومخططاتها الرامية إلى تفتيت المجتمع".

 

أضافت "إسرائيل تسعى إلى تحقيق أهداف سياسية، أهمها تدمير النسيج الاجتماعي لدى المجتمع العربي وحرف بوصلته عن القضايا الوطنية الكبرى ومنها القدس والمسجد الأقصى".

 

حذرت سلايمة أيضا مما قالت إنها حالة من "الفقر واليأس" تهيمن على فئة واسعة من الشباب في الوسط العربي، وتجعل شريحة كبيرة منهم عرضة لعمليات ابتزاز من منظمات الإجرام. وقالت إن انخراط هؤلاء الشباب في عالم الجريمة سهل جدا بسبب توفر السلاح وإمكانية شرائه وامتلاكه.

 

عوامل متعددة

 

في السياق ذاته، يرى المحامي رضا جابر، مدير المركز العربي لمجتمع آمن، أن هناك عوامل متعددة لزيادة معدلات الجريمة في الوسط العربي بإسرائيل تتفاعل مع بعضها البعض. وقال في حوار مع وكالة أنباء العالم العربي "بدون أي محاولة لتفكيك الأسباب العميقة للجريمة تعقدت هذه الحالة بهذا الشكل".

 

ووفقا لجابر، فإن هناك الكثير من القضايا الاجتماعية داخل المجتمع العربي منذ سنوات لم تجر معالجتها، معتبرا أن الجوانب الاقتصادية والفقر على علاقة مباشرة بتلك الجرائم.

 

أضاف "سفك الدماء، وأعمال العنف والجريمة المنظمة، لم تعد مشهدا عاديا في البلدات والقرى العربية في الوسط العربي... في العقد الأخير، ارتفعت نسبة الجريمة بشكل كبير، في ظل فوضى حيازة السلاح، وغياب الوازع الديني والأخلاقي، الذي من المفترض أن تدعمه المؤسسات المدنية والدينية، فضلا عن تسهيل الشرطة الإسرائيلية مهام الجريمة المنظمة في الإفلات من العقاب، والتهميش المنظم من قبل حكومة الاحتلال الأسرائيلي للمجتمع العربي، واحتياجات الشباب، ودفعهم نحو القتل كحل أول وأخير للخلافات الداخلية".