النجاح الإخباري - كتب غازي مرتجى

لم يكن بوارد المحللين والمراقبين على حد سواء أن تصل حالة العداء مع قطر إلى ما وصلت له خلال 48 ساعة من بيانات الفجر الشهيرة . ولم يكن ببال قطر نفسها أن تصل إلى هذا الحائط الغليظ مع جيرانها وهي مكون أساسي من مكونات مجلس التعاون الذي لم تمّل دول الخليج من اعتباره الأقوى عربيًا وكان موازيًا وأكثر قوة من جامعة الدول التي تجتمع وتنفّض دون أي جديد .

نحن كفلسطينيين نُزّج بإرادتنا أو دونها في أي خلافات اقليمية بل ويصل الحال أحيانًا إلى تحميلنا المسؤولية دون أن ندري أو قد نكون ! , في هذه الأزمة التي ترتكز بالأساس على خلافات خليجية تاريخية وتمتد إلى أطماع سياسية واقتصادية هائلة لو خُيّر للفلسطينيين أعشار منها لكانوا اليوم يعيشون في دولتهم دون حاجة لصفقات قرن قادمة لا شك . صرّح وزير خارجية السعودية بأن أهم المشاكل التي يعاني منها الخليج في السلوك القطري هو دعمها للاخوان وحماس وما لبث أن خرج وزير الخارجية الاماراتي ليتحدث في السياق ذاته ثم الناطق باسم قوات حفتر في ليبيا ليعرض ما أطلق عليها وثائق تثبت تورط حماس في القتال هناك ولن تنفّك تلك التصريحات وستستمر بل ستتصاعد كما يبدو في الأيام القادمة . نُسجّل هنا الصمت الرسمي للسلطة وفتح  وعدم استغلال هذا الهجوم على حماس لصالح أجندات حزبية رغم ما وصل به الخلاف بين التنظيمين في الآونة الأخيرة .

حماس التي عُرض عليها الابتعاد عن كل هذا المسرح -الذي لن تخرج به أي من الدول منتصرة- لكنها لا تزال في عنادها بل تتخطى ذلك بانها لن تتنازل وستحمي حركتها بالانضمام لتحالفات أخرى (تصريحات أحمد يوسف عبر وكالة معا) . هذه الحالة من التغاضي عن المصالحة الداخلية والهرولة نحو تحالفات تم تجريبها سابقًا يؤكد أن الإصرار الغريب على عدم التعامل مع الوضع الداخلي بذات الليونة التي يتم التعامل بها مع التحالفات في المنطقة سيودي بحماس إلى طريق مجهول وبالتالي كل قطاع غزة سيذهب بذات الطريق .

لا يوجد أمام حماس خيارات ولا مجال لتأبّط نظرية حرق الوقت ولا إمكانية لاستمرار الوقوف في الخط الرمادي فكل الخيارات القادمة سوداء إلا المصالحة أحلاها . لو كنت مكان حماس لأعلنت فورًا الجنوح للمصالحة الداخلية ولم لا تقوم حماس بـ"إحراج" فتح بخطوات تؤكد أنها ستكون شريكًا لا مُسيطرًا على القطاع ؟ خيارات حماس الضيقة ستجعل من كل الأطروحات السابقة في مهب الريح حتى اتفاق القاهرة الذي يُعتبر الأكثر توازنًا بين التنظيمين سيصبح من الماضي في حال حشرت حماس أنفها في تحالفات المنطقة التي تنتظر الشرارة ليقفز بركان اللهب إلى الواجهة عمليًا . لقد سئم المواطن الفلسطيني في كل مكان يتواجد فيه الاتهامات التي تُلقى عليه وتحمله مسؤولية أي خراب وملّ بالتأكيد من المعايير الظالمة التي يُحشر فيها ولم يكن ببال المواطن أن يكون هو آخر من يتم التفكير به في سلم الأولويات المرسوم .

بالعودة إلى الخلاف الخليجي الذي يجب أن ننأى به عن أنفسنا كفلسطينيين بكل الطرق والإمكانيات المُتاحة فإنه من الواضح أن المعادلة هذه المرة لن تكون كسابقاتها وأقل الخسائر هو طرد قطر من مجلس التعاون واستمرار الحصار عليها من جيرانها لتتعامل الأخيرة مع دول أخرى لتتمكن من سد حاجاتها . هذا إن لم يصل الخلاف إلى تحريك قوات درع الجزيرة مدعومة بقوات مصرية لإسقاط الأمير الشاب بالقوة وهو الأمر الذي مهدّت له السي ان ان بقولها ان الجيش القطري وُضع في حالة تأهب قصوى كما أقرّت تركيا نشر قوات كبيرة من جيشها في قطر في إشارة إلى حمايتها لنظام الأمير تميم حتى لو استلزم الأمر القوة . العنفوان الشبابي الذي يحكم المنطقة الخليجية بدءًا من أمير قطر الشاب وصولاً لشيخ الامارات محمد بن راشد وولي ولي عهد المملكة محمد بن سلمان سيؤدي في المحصلة إلى استمرار العناد الى أن يقضي الله أمرًا خُطط له كما يبدو في الرياض ذاتها !.