وكالة أنباء العالم العربي - النجاح الإخباري - "أكلنا كلّ شيء، الخبيّزة والأشواك؛ لم يبق شيء إلا أكلناه، ولا نعرف ماذا سنأكل بعد ذلك".. بهذه الكلمات وصفت السبعينية الفلسطينية آمنة قاسم الوضع في قطاع غزة مع النقص الشديد في المساعدات الغذائيّة التي يُسمح بوصولها إلى سكان القطاع في ظل انتشار القوات الإسرائيلية في مناطق متفرقة منه.

وبحسب آمنة فإن الخبيزة، وهي عشبة خضراء تُجمع من الأرض وتُطهى على النار بعد تقطيعها، هي في الأساس أكلة شعبيّة فلسطينية كانت معتادة في موسم الشتاء؛ لكنّها قالت إنها ونباتات بريّة أخرى أصبحت طعاما إجباريا في ظل نقص الغذاء بمناطق شمال قطاع غزة، التي نزح الكثير من سكانها صوب الجنوب.

الشاب عديّ الفارس قال بدوره "هناك، في شمال قطاع غزّة، أكلنا نبات القريص، وهو نبات شوكي؛ أيّ شيء أخضر نجده في الأرض نأكله؛ وصلنا إلى مرحلة مرعبة، أرواح الناس هنا ترسم لوحة قاتمة، تشقّ طريقها بين جحيم الحرب وأوجاع الحصار في سبيل البقاء".

وكان فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، قد قال في أواخر فبراير شباط الماضي إن من الممكن تجنّب خطر المجاعة في شمال قطاع غزة إذا توفرت إرادة سياسية حقيقية لإيصال المساعدات وتوفير الحماية اللازمة؛ لكنه أوضح أن دعوات الوكالة وتحذيراتها لم تلق أي استجابة.

وقال منسق الإغاثة بالأمم المتحدة مارتن غريفيث يوم الجمعة الماضي في بيان على منصة (إكس) إن أكثر من نصف مليون شخص في غزة على شفا المجاعة، مؤكدا وقوع حالات وفاة بسبب الجوع. وكانت وزارة الصحة في غزة قد أعلنت أنّ نحو 20 شخصا توفوا بسبب سوء التغذية والجفاف في مستشفيات كمال عدوان والشفاء في الشمال، معظمهم من الأطفال.

* الجوع يفتك بغزة

في شمال القطاع المحاصر بأرتال الدبابات والحرمان من المساعدات الغذائية، تحدث أحمد شاكر، وهو شاب في مقتبل العمر، عن مرارة الحصار التي ذاقها ولحظات الرعب التي لا تنتهي في رحلة البحث عن الطعام.

وقال أحمد في حوار أجرته معه وكالة أنباء العالم العربي إنه أصبح يعيش كل يوم "معركة جديدة للبقاء والصمود، مرة للنجاة من النيران ومرة أخرى للنجاة من الموت جوعا" منذ أن وصلت الحرب إلى الحيّ الذي كان يعيش فيه.

يتذكر أحمد كيف كان يبحث مع أسرته في الأراضي التي تتلقفها أفواه الدبابات عمّا يُمكِن أن يأكلوه، وكيف كانوا يعتمدون على تلك النباتات البريّة أملا في البقاء والابتعاد قليلا عن هموم الجوع.

يقول أحمد "عايشت ما حدث على دوار النابلسي... كان مشهدا مرعبا، دماء العشرات اختلطت بالدقيق (الطحين) الذي كنّا ننتظر وصوله، وأصبح ترقب شحنات المساعدات كأنه ترقب للموت القادم".

وكان المتحدث باسم وزارة الصحة في قطاع غزة أشرف القدرة أعلن مقتل 118 شخصا وإصابة المئات في نهاية فبراير شباط الماضي جراء ما وصفه بالاستهداف الإسرائيلي لفلسطينيين كانوا ينتظرون شاحنات مساعدات في غرب مدينة غزة.

لكنّ الجانب الإسرائيلي قال إن ما حدث كان نتيجة "تزاحم وتدافع"، وإن تحقيقا مبدئيا للجيش خلص إلى أن قواته "تسببت في نحو عشرة من الإصابات والوفيات" فقط بعدما بدأت مجموعة صغيرة من الفلسطينيين بالتحرك نحوها، فما كان من الجنود إلا أن أطلقوا أعيرة تحذيرية في الهواء وعلى أرجل من اقتربوا منهم.

وفي وقت سابق من اليوم السبت، أفاد المركز الفلسطيني للإعلام بسقوط قتلى وجرحى في ما قال إنه استهداف إسرائيلي لمواطنين كانوا ينتظرون مساعدات في محيط دواري النابلسي والكويت؛ وذكرت وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية أن 20 شخصا على الأقل قُتِلوا في هذا الاستهداف.

ويوم الخميس الماضي، أفاد تلفزيون (الأقصى) الفلسطيني بمقتل شخص وإصابة آخرين في إطلاق قوات إسرائيلية النار على فلسطينيين كانوا ينتظرون شاحنات مساعدات قرب دوار النابلسي أيضا.

* خطر المساعدات 

وتسمح إسرائيل في أوقات متفاوتة بدخول بعض شاحنات المساعدات إلى شمال قطاع غزة، الّذي تفصله تماما عن جنوبه، وهو ما أثّر على قدرة أهالي الشمال الذين لم ينزحوا جنوبا في توفير غذائهم اليومي.

وقال الفلسطيني سعيد سليمان إن قسوة الواقع تتكشف بوضوح في شمال القطاع، حيث تتقطع السبل أمام المساعدَات التي لا تصل إلى هناك إلا في ظروف استثنائية، بحسب وصفه.

أضاف "حتى عند وصولها، تصبح (تلك المساعدات) مصدرا للخطر والموت. حيث يتحوّل الطلب على الغذاء إلى مخاطرة بحياة الباحثين عنه، فتتلاشى آمالهم في النجاة وتتفشى الأزمات الإنسانية بشكل لا يُطاق".

وتابع "هنا يتحوّل الإنسان إلى مُقاتل من أجل البقاء، في ظل هذا الصراع اليومي مع الموت؛ حتّى الأعشاب البرية التي ظهرت كملاذ مؤقت نفدت أو تكاد تنفد".

ولجأت عدة دول إلى إلقاء مساعدات لأهالي قطاع غزة من الجو؛ وشارك في تلك العمليّات كلٌ من الولايات المتّحدة والأردن ومصر وفرنسا وبلجيكا وهولندا، وفق ما أعلَنه الجيش الأردني أمس الجمعة.

أيضا، تُحاول الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اختبار جسر بحري وإقامة ميناء عائم لإيصال المساعدات إلى قطاع غزة بحرا، بحسب ما أعلنه الرئيس الأميركي جو بايدن في وقت سابق.