نابلس - عبد الله عبيد - النجاح الإخباري - بين الحين والآخر تزعم وسائل إعلام عبرية عن تقديم حكومة الاحتلال الإسرائيلي تسهيلات اقتصادية إلى السلطة الفلسطينية، في ظل ما تعانيه من أزمة مالية منذ سنوات، بسبب اقتطاع الاحتلال جزء من أموال الضرائب "المقاصة"، اعتراضاً على ما تدفعه السلطة لأسر المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال وعائلات الشهداء.

وكانت صحيفة "إسرائيل اليوم"، زعمت اليوم الأحد، أن "تل أبيب" بدأت بتقديم تسهيلات اقتصادية كبيرة للسلطة الفلسطينية، لمنع انهيارها.

ووفقاً للصحيفة العبرية فإن "تل أبيب خفضت مؤخراً بنسبة 50% الضريبة على الوقود، الذي تجمعها من السلطة الفلسطينية، إذ أصبحت 1.5%، بدلاً من 3%"، موضحةً أن هذا "التخفيض سيؤدي إلى توفير 80 مليون شيكل (21 مليون دولار) سنوياً في موازنة السلطة الفلسطينية".

وبحسب الصحيفة، فإن الامتيازات الاقتصادية الإضافية التي قدمتها "إسرائيل" منذ بداية عام 2023 تصل إلى 270 مليون شيكل (71 مليون دولار)، وهو ما يمثل زيادة في مدفوعات الضرائب للسلطة الفلسطينية إلى 730 مليون شيكل شهريا (97.4 مليون دولار) في المتوسط، مقارنة إلى حوالي نصف مليون شيكل (131 ألف دولار) قبل ثلاث سنوات.

وأشارت إلى أن "تل أبيب تعمل على زيادة مخصصات مدفوعات الضرائب التي من المفترض أن تجمعها للسلطة الفلسطينية".

وادعت الصحيفة أن "إدارة بايدن، تضغط على إسرائيل لتحسين الوضع الاقتصادي في السلطة الفلسطينية، بدعوى أن السلطة الفلسطينية على وشك الانهيار الاقتصادي".

إساءة للسلطة

من جهته، يرى وزير الاقتصاد الوطني الفلسطيني خالد العسيلي، أن الهدف من إعلان الاحتلال تقديم تسهيلات للسلطة الفلسطينية بين الحين والآخر هو الإساءة لها وليس لمساعدتها.

وقال العسيلي في حديثه لـ "النجاح الاخباري"، "من الأفضل للإسرائيليين ألا يتحدثون عن تسهيلات اقتصادية، لأنهم يتحدثون اليوم ولم ينفذوا شيء في الغد"، لافتاً إلى أن الأرقام التي يتحدثون عنها أرقام متواضعة جداً.

وأضاف أن إسرائيل تسرق شهرياً من السلطة الفلسطينية حوالي 260 مليون شيقل، وهي الأموال التي تقرصنها من أموال المقاصة الفلسطينية، وذلك بذرائع وحجج واهية.

وبحسب الوزير العسيلي، فإن المبلغ الذين يتحدثون عنه بشأن تخفيض الضريبة على الوقود من 3% إلى 1.5% كانت بالأصل موجوداً منذ توقيع الاتفاقيات الاقتصادية الملحقة لاتفاق أوسلو، منوهاً إلى أن إسرائيل تأخذ من السلطة فوق الـ 100 مليون دولار في العام، وتعطيها 20 مليون فقط بدون وجه حق. وفقاً لتعبيره.

وتابع "المشكلة أن إسرائيل تقول بأنها ستقدم تسهيلات لكن لم تنفذ أي منها، بالتالي هم يتحدثون عن عملية قضايا سياسية تسيء للسلطة ولن تساعدها".

وفي أغسطس الماضي، زعمت وسائل إعلام عبرية، أن جهاز الأمن الإسرائيلي "الشاباك" حذر المستوى السياسي من تسارع الانهيار الاقتصادي للسلطة الفلسطينية.

وذكرت القناة الـ13 العبرية، أن "الشاباك" حذر من أن استمرار دفع إجراءات تشريع قانون يقضي بخصم مبالغ مالية كبيرة من أموال السلطة الفلسطينية المحتجزة لدى إسرائيل، بادعاء دفع "تعويضات" لمصابين أو عائلات قتلى في عمليات مسلحة فلسطينية، من شأنه أن يفرغ الخزينة الفلسطينية ويسرع انهيارها الاقتصادي.

خفض سقف التوقعات

في ذات السياق، قال الباحث في الشأن الإسرائيلي عصمت منصور، إن الحديث عن التسهيلات الاقتصادية الإسرائيلية المقدمة للسلطة الفلسطينية، أصبحت من أكثر الأمور التي تشعره بالإهانة.

وأضاف في حديثه لـ "النجاح الاخباري"، أن هذه التسهيلات لا تمر بسهولة إسرائيليًا في ظل معارضتها من أقطاب اليمين المتطرف في حكومة بنيامين نتنياهو، كما أنها تفرغ من مضمونها، ومن ثم ترهن بشروط ومتطلبات سياسية وعلى الفلسطينيين تنفيذها، مثل أن نتوقف عن التوجه للمنظمات الدولية، ووقف التحريض، وتغيير المناهج، ومحاربة الإرهاب (المقاومة الفلسطينية).

ومن وجهة نظر الباحث منصور، فإن الأمر أصبح أعمق من تسهيلات اقتصادية، إنها جزء من مسار طويل نجح الاحتلال في خفض سقف توقعات ومطالب القيادة الفلسطينية.

ومضى قائلاً إن "إسرائيل نجحت في تحويل جوهر المطالب الفلسطينية العادلة بالحرية إلى أحاديث عن تسهيلات وأمور حياتية وقضايا تصب في جيب السلطة ذاتها، وتضمن بقائها واستمرارها، أما المواطن الفلسطيني فهو لن يشعر بهذه التسهيلات ولا تعنيه كثيرا".

وشدد منصور على أن هذه التسهيلات هي بالأصل حقوق فلسطينية مسلوبة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، لافتاً إلى اقتطاعه أموال المقاصة شهرياً من السلطة الفلسطينية بالحجج التي يتحدثون عنها.

وتمارس حكومة الاحتلال الإسرائيلي سياسة قرصنة الأموال الفلسطينية، وتقوم باقتطاعات شهرية متكررة ومتواصلة لأموال المقاصة، بحجة دفعها لأهالي الشهداء والأسرى.

وذكرت تقارير فلسطينية، أنه خلال عام 2021، بلغ متوسط أموال المقاصة بعد الخصومات الإسرائيلية، 700 مليون شيكل (220.8 مليون دولار)، شهريًّا.

تقييد السلطة

من جانبه، أوضح الخبير في الشأن الاقتصادي، د. نائل موسى أستاذ علوم الاقتصاد في جامعة النجاح الوطنية، أن الاحتلال الإسرائيلي يحاول تقييد السلطة الفلسطينية، لكي تبقى متأزمة طوال الوقت.

وقال موسى لـ "النجاح الإخباري"، إن "إسرائيل تريد أن تواجه السلطة أزمة مالية اقتصادية كل ما ضاقت هذه الأزمة عليها، توفّر بعص من التسهيلات من أجل إخراجها منها على مبدأ قوت ولا تموت".

وشدد على أن التسهيلات الاقتصادية التي يتحدث الاحتلال عنها بالأصل حقوق فلسطينية مسلوبة منه، لافتاً في ذات السياق إلى أن هذه التسهيلات ليست لصالح الاقتصاد الفلسطيني بل لصالح الاقتصاد الإسرائيلي ولتخفيف الاحتقان نوعاً في الجانب الفلسطيني، وفق تعبيره.

الجدير ذكره، أن أموال المقاصة تمثل قرابة 63% من الدخل الشهري للحكومة الفلسطينية، في الوقت الذي وصل فيه إجمالي اقتطاعات دولة الاحتلال من مخصصات الشهداء والأسرى إلى ملياري شيكل منذ عام 2019.

والمقاصة هي عبارة عن أموال الضرائب والجمارك على السلع الفلسطينية المستوردة، تقوم إسرائيل بجبايتها، وتحويلها شهريًّا إلى السلطة الفلسطينية، بعد خصم جزء منها، بدل ديون الكهرباء والمستشفيات والغرامات، ومخصصات أخرى تصرفها الحكومة الفلسطينية والشهداء والأسرى.