نابلس - خاص - منال الزعبي - النجاح الإخباري - في مشهد يجسد التكاثف الفلسطيني في وجه الاحتلال الإسرائيلي، أطلق أهالي مدينة نابلس حملة بعنوان "نابلس عزها بناسها" بالتعاون مع مؤسسات محافظة نابلس لجمع أكبر قدر من التبرعات المالية بغية إعادة إعمار المنازل التي هدمها الاحتلال، وتعويض أهاليهم.

وحول تفاصيل الحملة فإنَّ أهالي نابلس وبالتعاون مع مؤسسات وفعاليات مدينة نابلس ارتأوا إطلاق حملة للتآزر مع أهالي المقاومين الذين تدمرت بيوتهم في البلدة القديمة، بمشاركة مختلف شرائح المجتمع النابلسي، من مؤسسات ونقابات وأفراد، بالإضافة إلى فلسطينيين من خارج المدينة والوطن.

وأعلن الناطق الإعلامي باسم مؤسسات وفعاليات نابلس، غسان حمدان في مؤتمر صحفي عن نتائج الحملة التي استمرت لأسبوع كامل، والتي تهدف إلى شراء شقتين لعائلتين فقدتا بيتيهما بسبب هدم قوات الاحتلال لها. وقال حمدان إن الحملة تمكنت من جمع 370 ألف و652 شيكلاً، ما يكفي لشراء شقة واحدة، وأنه سيستمر في جمع التبرعات حتى يجمع ثمن الشقة الثانية".

وأشاد حمدان في حديث لـ "النجاح" بالجهود التي بذلت في الحملة، والتي شارك فيها أكثر من جهة ومؤسسة، منها نقابة المهندسين والنقابات المعنية، التي جمعت 32 ألف و416 شيكلاً في يوم واحد. كما شكر حمدان المواطنين الذين قدموا تبرعات حسب قدراتهم وإمكانياتهم الاقتصادية، من ذهب وخواتم وأوراق نقدية. وخص بالشكر أسر الشهداء والأسرى الذين قدموا مبالغ من قوت أسرهم للحملة.

وأبرز حمدان بعض التبرعات المبهرة التي تلقتها الحملة، منها تبرع الطفلة سيلا والطفل أيوب بما جمعاه في حصالتيهما من المصروف، كما تبرع رجل أعمال بصناعة كنب للشقتين، وتبرع مواطن من أراضي الداخل المحتل بألف شيكل، وتبرع فلسطيني من الجزائر بألف دولار.

وقال منسق الحملة مازن دنبق، في مؤتمر صحفي، إنَّ هذا الفعل الوطني حمل عنوان "الاحتلال يهدم ونحن نبني، نابلس ستقف بجانب العائلات المتضررة".

وأضاف أنَّ أسامة الطويل وكمال جوري هم ليسوا أبناء عائلاتهم فقط، بل أبناء الوطن أجمع، بقوله: "نحن مع من ضحوا بأبنائهم، مع من رسموا لنا خارطة الطريق، نابلس اليوم تقف مجتمعة بمؤسساتها وشبابها مع هؤلاء الأبطال، ومع من هدم الاحتلال منازلهم، هي جبل النار التي عودتنا دائما ألا تترك أبطالها وحدهم".

وأقيمت الحملة بحضور والدي الأسيرين الطويل وجوري اللذين هدم الاحتلال منازل أسرتيهما في يونيو/ حزيران الماضي.

وقال هاني جوري والد الأسيرين كمال ومحمد جوري: مهما هدم الاحتلال الإسرائيلي من بيوت سنبني عوضًا عنها، ولن تكسر عزيمة شعب مقاوم."

ويتبنى الاحتلال الإسرائيلي سياسة هدم المنازل كعقاب جماعي بهدف التنكيل بأسر المقاومين والتضييق على المقاومة ويرد الفلسطينيون بإطلاق حملات لمساندة أهالي الأسرى والشهداء.

وحول الأثر الاجتماعي والأهمية لهذه الحملات والفعل الجمعي قال رئيس قسم علم الاجتماع في جامعة النجاح الوطنية د. أسعد تفال لـ "النجاح الإخباري": "إن هذه الظواهر ليست جديدة على المجتمع الفلسطيني، فهو مجتمع مقاوم وصامد وقادر على التكيف مع الظروف الصعبة التي يفرضها عليه الاحتلال. ويستهدف تدمير هوية المجتمع وثقافته وإرادته. لكن المجتمع الفلسطيني استطاع أن يحافظ على قوته وروحه وإبداعه، وأن يظهر تضامنًا كبيرًا بين أفراده وجماعاته.

وأضاف د. تفال:" أود القول إن هذه الظواهر تعكس أيضًا الفجوة بين السياسة والمجتمع في فلسطين. فالسياسة تعاني من الانقسام والتشرذم بينما المجتمع يعاني من القهر والظلم والحرمان والفقر والبطالة. لذلك، يلجأ المجتمع إلى مبادرات شعبية ومدنية لمواجهة التحديات التي تواجهه؛ لتعويض النقص الذي يعاني منه في الخدمات والموارد. هذه المبادرات تشكل ما يسمى بالتنمية من أسفل إلى أعلى، أو التنمية المدفوعة باعتبارات المجتمعات المحلية، وهي تستند إلى مشاركة الناس في تحديد احتياجاتهم وأولوياتهم وحلولهم.

ولفت إلى أنَّ هذه الأفعال تظهر أيضًا القدرة الإبداعية والابتكارية للمجتمع الفلسطيني، فهو يستخدم الوسائل كافة المتاحة لديه لإعادة إعمار بيوته وحياته. فنجد أن هناك استخدامًا للتكنولوجيا والإعلام والفن والثقافة في نشر رسائل التضامن والتحفيز والتوعية. كما نجد أن هناك دورًا كبيرًا للشباب والنساء في هذه الحملات، فهم يشكلون قوة حية وفاعلة في المجتمع.

يُشار إلى أنَّ هذا التكاتف ليس جديدًا على الشعب الفلسطيني ففي عام 2021 جمع أهالي مخيم شعفاط 100 ألف شيكل، ما يعادل (26) ألف دولار، عقب هدم الاحتلال منزل الشهيد إبراهيم عكاري، وفي عام 2016 جمعت حملة تبرعات أكثر من 60 ألف دولار لإعادة بناء منزل الشهيد مهند الحلبي "مفجر انتفاضة القدس"، وفي نابلس جمع مبلغ مليون شيكل (250 ألف دولار ) لإعادة بناء منازل منفذي هجوم "ايتمار".

يذكر أن حملة "عزها بناسها" هي حملة شعبية تعبيرية عن التضامن والانتماء للبلد والوطن، وعن التربية والقيم والأخلاق التي يتميز بها الشعب الفلسطيني. وتهدف الحملة إلى إعادة إعمار بيوت البلدة القديمة في نابلس، التي تعرضت للتدمير المتكرر من قبل قوات الاحتلال، والتي تحمل ذاكرة تاريخية وثقافية وحضارية للمدينة.