منال الزعبي - النجاح الإخباري - على أنغام أغنية عيون القلب لقيثارة الشرق نجاة الصغيرة، تفتح السيدة منية الأشقر عيون قلبك على مكان حافل بالجمال والذكريات والأصالة، كافيه "خانم" في قلب البلدة القديمة في مدينة نابلس، مكان ينبض بالتراث وحكايا الأجداد وبقايا تذكارية ترسم ملامح حياتهم.

هي ابنة البلدة القديمة، تلك البلدة العريقة التي تستقر بقلوب ساكنيها، استثمرت 47 ربيعًا من عمرها في التدريس وغرس العلم والقيم في الأجيال، حيث عملت مدرسة  للغة العربية، ولمَّا بلغت سن التقاعد أرادت السيدة منية للحياة أن تستمر، وأن تحوّل نهاية مشوارها المهني إلى بداية جديدة في مشوار الحياة، حيث خشيت أن تنزوي في ركن من أركان بيتها، وهي التي اعتادت اللقاءات والحوارات، فقرَّرت أن تخلق نواة تواصل مع مجتمعها، وأن تبقي الباب مفتوحًا لكل من يريد زيارتها.

الطابق الأول من بيتها مكان مليء بالردم والركام، عمره  125 عامًا، لكنَّها رأت فيه فسحة أمل، مسحت عن وجهه الغبار خلال أربعة شهور من العمل الحثيث، حتى أبصر الركام وولد كافيه خانم.

سألناها عن سبب التَّسمية، فقالت للنجاح: "الخانم كلمة تركية تعني سيدة المكان وهو ما كان، حيث سعيت لخلق بيئة أنثوية رائعة ومميزة".

منية لم يشأ لها القدر أن تتزوج وتنجب الأطفال، إلا أنَّها اعتبرت عمر الستين انطلاقة جديدة وميلاد جديد، وقد اعتادت على العطاء حيث كرّست حياتها لأبناء إخوتها وأخواتها، وكان حضنها وما زال حضن أم لكل الأطفال في محيطها.

تدخل المكان فيبتسم لك كل ما فيه، ويفتح لك طاقة على التاريخ، فكل قطعة تتكلم عن ماضٍ عريق عاشه أجدادها، تلك "محلوانية" من عرس أخيها في ثمانينات القرن الماضي، وتلك متكة عمرها يزيد عن 120 عامًا، ثم غربال يطل مغبَّرًا ببقايا قمحه، وشمعدان أهدي إليها من طلابها منذ سنين طوال، لا زالت تنير شموعه فتبكي معها، وفي الزاوية "هاون" أو "مصحان" أو مِدق نحاسي، سمّه ما شئت، فهو عتيق عريق بلغ من العمر عتيًّا حتى بهت لونه، تقف بجانبه "طاسة الرعبة" النحاسية تعدّد المخاوف التي تصدَّت لها منذ سنين، وتطل عليك مصابيح تحمل أرقامها نيشان شرف، زجاجيات وراديو بجحم التلفاز قد نال حفاوة ذلك الزمان، شهد حروبًا شحذ همّة أهلها، وأعلن شهداء، وردّد أغنيات الزمن الجميل، ثمَّ هاتف بقرص دائري وصل أحبّة تناثروا بالأقطار، سَمِع وأسمع الأخبار،  أمَّا أجمل ما يلفتك بهذا المكان فهو مصحف الختمة، المتربع بصدر الدار محفوظًا بثوب أبيض مطرز، يشهد ختمة صاحبه ونيله درجة تمامًا كالشهادات اليوم لكنَّه أسمى و أروع.

في غرفة مجاورة انبطحت ألعاب تعبت من أيدي الأجداد ومجاذبات فائز وخاسر، لكنَّها لا زالت تسلي كلَّ قاصد لـ "كافيه خانم"، طاولة الزهر السلم والحيَّة، وغيرها بجانب زاوية الكتب المتناثرة بعناوين بارزة تجعل المكان يعج بالتراث فكل قطعة فيه تروي تاريخًا عريقًا يصعب تلخيصه.

أغرب ما رأينا نافذة صغيرة أو طاقة تربط الطابق الأول بالثاني، تستخدمها منية في صعود وهبوط الأطباق الشهيّة وكأنَّها صمّام يربط بين أذين وبطين قلب واحد.

فسحة تمنح النساء الخصوصية وتوفر لهن متنفسا يعبرن عن أنفسهن ويؤدين مناسباتهن، ويحظين بما لذ وطاب من المأكولات الشعبية وكل ما يخطر في بالهن، فقبل مقهى الخانم كانت منية تمنح أطباقها من خلال مطبخها الذي أسمته مطبخ بيت جدتي، تستقبل تواصي زبائنها المتذوقين لما تجود يديها الفاضلة.

في مقهى خانم المتفرّد قالت منية إنَّ في القلوب حكايات طي الكتمان، نسترجعها و نتناول تفاصيلها عن طريق الحنين، ما بين تنهيدة و غصة أو دمعة و بسمة، بين ذكرى جميلة أو خاطرة مرَّة، أو قصة مبتورة الفصول، كلها تطرح على طالولات مقهاي ثمَّ تمضي مع صاحباتها.