اياد عبادلة - النجاح الإخباري - أقدم الاحتلال الإسرائيلي على اغتيال أحد قيادات حركة حماس، وحلقة الوصل في جناحها العسكري بين الضفة الغربية وقطاع غزة، بطريقة مركبة ومعقدة، دون أن يترك خلفه سوى بضع "فوارغ" رصاصات استخدمت في جريمة الإغتيال، الحادثة بحد ذاتها طرحت عدة أسئلة حول الطريقة الجديدة القديمة التي استخدمها الإحتلال في الإغتيال ضد رموز وقادة العمل الوطني في غزة بمسدس كاتم للصوت، على غير العادة حيث استخدم في جرائمه السابقة الاستهداف بالطيران مرارًا، طريقة الوصول إلى الهدف واغتياله وآلية الانسحاب من مكان الحادثة تركت عدة أسئلة تدور في أذهان الأمن الفلسطيني، وقادة وعناصر المقاومة، إضافة إلى كل أبناء الشعب الفلسطيني.

المتهم الرئيسي

وحول توقعات المحللين و المختصين في الشأن العسكري والأمني، إضافة إلى الخبراء في شؤون الحركات الإسلامية، أجمعوا على أن الإحتلال الإسرائيلي هو المسؤول الأول عن تنفيذ المهمة المعقدة والمركبة بحسب كل المعطيات والتصريحات الإسرائيلية التي تداولتها الصحف العبرية، فضًلا عن تصريحات قادة الاحتلال، فيما توقع الخبير الأمني اللواء واصف عريقات أن تكون عملية الإغتيال قد تمت من قبل أحد العملاء أو قوات "المستعربين" التابعين للإحتلال من خلال دخولهم إلى غزة، مشيرًا إلى أنها تمت بمسدس كاتم للصوت، وأن الإحتلال صاحب تجربة في هذا السياق، فيما أكّد الخبير في شؤون الحركات الإسلامية "د. ناصر اليافاوي"، على أن العملاء جبناء ولن يستطيعوا تنفيذ مثل هذه المهمة، فضلًا عن أن أيديهم ترتجف قبل أن تضغط على الزناد، موضحًا أنّ مهمتهم تنحصر في الإرشاد عن الشخص المطلوب للاحتلال، ولن يجرؤا على تنفيذ مهمات معقدة ومركبة مثل الذي تمت في اغتيال الشهيد مازن فقهاء.

وأوضح اليافاوي أنّ العملية تمت بطريقة مهنية عالية جدًا دون أن تترك أثرًا واضحًا يمكن أن يسمح بتعقب من قام على تنفيذها، مبينًا أنّ المعطيات تشير إلى أنهم أفراد موساد متخصصين في العمليات النوعية ومدربين على أحدث التقنيات والمواجهة والمقاومة، فضلًا عن أنهم يمتلكون بنية جسدية قوية، مستندًا في ذلك على أن الشهيد كان يتمتع بقوة عالية، إضافة إلى أنه مسلح، وأن عنصر المواجهة قد يكون متوقعًا في كل الأحوال.

أدلة تدين الإحتلال

وأفاد مصدر خاص من الداخلية لـ"النجاح الإخباري" :أنّ الشهيد كان متابعًا منذ أيام قبل اغتياله، ونقلًا عن زوجته التي أفادت بأنهم لاحظوا طائرات الاستطلاع تراقبهم لفترات طويلة أثناء خروجهم، فضلًا عن التوقف المفاجئ لإرسال هاتف الزوجة المحمول التي كانت تستخدمه، موضحًا أنّ الشهيد لم يكن يستخدم هاتف سوى جهاز "Ibad", للتواصل عبر الإنترنت، وأشار إلى أن الزوجة أوضحت أن صديقاتها أخبروها بانهم خلال الاتصال بها في كثير من الأحيان ترد الأسطوانة بأن الهاتف مغلق، دون أن يتم اغلاقه من قبلها.

المصدر أكّد أنّ الشهيد فقهاء لاحظ في الآونة الأخيرة خلال خروجه بصحبة العائلة أنه خلال استخدامه للإنترنت تزيد السرعة بنسب عالية، لافتًا إلى أنّ ذلك الأمر أخبر به زوجته، واعتبره في السياق العادي أو أرجح السبب للمكان الذي كان يجلس فيه، مشيرًا إلى أن ّالتحليلات الأمنية أكدت على أن جهازه الشخصي الذي كان يستخدمه في عملية الإتصال كان مُتَّبعًا من قبل الجانب الإسرائيلي.

تنفيذ الجريمة

وحول إمكانيات وعناصر تنفيذ الجريمة، أوضح اللواء عريقات أنّ ميزانية الإحتلال الأمنية تُعتبر من أعلى الميزانيات في العالم إذا ما قورنت بالنسبة والتناسب, مشيرًا إلى أن عملية الاختراق للعناصر المحلية وإغرائها بالمال ليست مستبعدة، فيما رأى "د. ناصر اليافاوي" أن ّهناك عدّة طرق من الممكن أن يستخدمها الإحتلال، مثل عمليات جدعون الذي استخدمها في سبعينيات القرن الماضي، وأشار إلى أن هناك عدّة خيارات أمام الإحتلال للدخول إلى غزة أبرزها عبر تسللهم مع الوفود الأجنبية القادمة إلى غزة ومكثوا فيها لفترة طويلة، وقد يكونوا غادروا عبر الساحل، أو الجهة الشمالية الشرقية الواقعة على الفاصل، ويبرز الخيار الأخير في أنّه من الممكن أنّ المجموعة التي شاركت في القتال لاتزال تقيم في فنادق غزة ضمن الوفود الأجنبية، فيما كشف مصدر في داخلية غزة أنّ عامل التوفيق فاق الساعة والنصف بين وقوع عملية الاغتيال ووصول الأمن إلى مكان الحادثة، الأمر الذي يعطي فرضية أنّ المجرم تمتع بفرصة كافية للهرب سواء من البحر أو عبر الحدود الشرقية أو ضمن العودة إلى موقع آمن يحتمي فيه.

رسائل الإحتلال

وعن رسائل الإحتلال وهدفه من اغتيال "فقهاء"، دون غيره، أشار إلى أنّ الإحتلال زعم أن ّفقهاء يقف خلف العديد من العمليات في الآونة الأخيرة في الضفة الغربية، إضافة إلى إعادة تشكيل خلايا نشطة لحركة حماس وأنّ له بصماتٌ واضحة في عمليات موجعة ضد الإحتلال، مشيرًا إلى أنّ إسرائيل أرادت أن توصل رسائل له و لغيره بأن تصفية الحسابات قائمة وأنه لا مجال للتسامح حتى لو أخلي سبيله في صفقة التبادل التي تمت، مبيِّنًا أنّ اسرائيل اختارت اغتيال فقهاء طبقًا للتاريخ النضالي الذي يتمتع به فضلًا عن قدراته في عمليات الربط والتواصل بين الضفة وغزة، فيما اتفق اليافاوي مع سابقه على أنها رسالة إلى من تم تحريرهم في صفقة وفاء الأحرار، ورسالة إلى قائد حماس الجديد في غزة، بأن الوصول إليه سهلًا، ومطالبة الإحتلال له بأن يعيد حساباته القديمة، في التعامل مع الإحتلال خصوصًا بعد تأكيده على دعم المقاومة في أول تصريح له بعد تولي مهمته الجديدة.

تصدير أزمة

وبالنظر إلى اختيار توقيت العملية أوضح المحلل السياسي المختص في الشأن الإسرائيلي "د. فريد قديح" أنّ الحكومة الإسرائيلية وتحديدًا رئيس وزرائها "بنيامين نتنياهو" هو من يقف خلف العملية مباشرة لسببين أبرزهما استعداد الشرطة الاسرائيلية لتقديم لائحة اتهام جديدة ضده، مشيرًا إلى أنّ اللائحة الجديدة من الممكن أن تقوده إلى السجن كما حدث مع ليبرمان سابقًا، والثاني هو تطلعات الرئيس الأميركي الجديد "ترامب" واقتناعه بعمل تسوية مع الفلسطينيين، الأمر الذي يرفضه نتنياهو، خصوصًا بعد تصريحه الأخير المقتضب حيال ما حدث في سورية حيث اكتفى بالقول "من حق اسرائيل أن تدافع عن نفسها" فقط، دون ابراز أي تعاطف أكبر كما الرؤساء السابقين لأميركا تجاه دولة الإحتلال، مشيرًا إلى أنّ اغتيال فقهاء كانت وسيلة لنتنياهو من أجل تصدير أزمته الداخلية بالمراهنة على عامل الوقت للتخلص من لوائح الاتهام بحقه.

يُشار إلى أنّ مازن فقهاء أُغتيل داخل سيارته بعد دخوله المرآب، بـأربع رصاصات، ليلة الجمعة الماضية (23آذار/مارس), وتشير الوقائع إلى أنّ القاتل كان ينتظره بالداخل ونفذّ عملية الاغتيال فورًا دون انتظار، ودون وقوع أي اشتباكات، وتشير المصادر إلى أنّه "بعد مرور ما يزيد عن ساعة ونصف من الزمن، وجد أحد سكان البرج لدى دخوله المرآب، فقهاء مقتولًا داخل سيارته، واستدعى الأمن فورًا الذين أحاطوا المكان وبدأوا بالإجراءات المُتّبعة لملاحقة القتلة، وجمعوا صورًا من كاميرات تتبع لمحال وسكان في المنطقة لمعرفة هوية المنفذين أو أي معلومات تتعلق بالحادثة.

-