النجاح الإخباري - مع مرور 200 يوم على بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وتواصل قصف جوي ومدفعي لا يستثني بقعة من القطاع، بالتزامن مع استمرار النزوح هربا من الموت وبحثا عن النجاة، تتزايد المخاوف في مدينة رفح بأقصى جنوب القطاع من اقتراب عملية برية يلوّح بها رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو منذ أشهر.

ويزداد الواقع صعوبة وتعقيدا مع وجود أكثر من مليون و400 ألف نازح من مختلف مناطق القطاع في رفح، إضافة لسكان المدينة الذين يتراوح عددهم بين 250 و300 ألف نسمة. ويجد المواطنون أنفسهم أمام سؤال حائر لا يجدون عليه جوابا: "إلى أين نذهب؟".

يقول إيهاب أبو العراش، أحد سكان رفح: "لم يعد هناك أحد من الشمال وغزة والمحافظة الوسطى إلا وتوجه إلى رفح بعد تهجيرهم قسرا. فإذا تم اجتياح رفح، أين تذهب هذه الأعداد الكبيرة من المواطنين والنازحين، سنشهد مجازر جديدة ولن يبقى أحد منا حيا".

"نريد مكانا آمنا. أين نذهب؟ حتى رفح التي قيل لنا إنها منطقة آمنة، تشهد قصفا بشكل يومي".

ومع الأعداد الكبيرة من السكان والنازحين، يعرب أيضا محمد عدوان عن تخوفه من الأخبار المتداولة عن اجتياح رفح. وكرر نفس السؤال "إذا تم اجتياح رفح، فأين نذهب؟ لدينا أكثر من مليون نازح إضافة للسكان الأصليين للمدينة. قيل للجميع رفح آمنة، والآن يهددون باجتياحها. أين نذهب؟".

ولم تختلف مخاوف سعد الذي يعيش في رفح أيضا، وتساءل "أين يذهب السكان والنازحون؟ نحن ننتظر المجهول ونأمل ألا يتم اجتياح رفح".

وتابع "لا مكان نذهب إليه في حال اجتياح رفح ومواصي خان يونس"، وأشار إلى أن رفح تفتقر للخدمات ولأماكن السكن وللمراكز الصحية، وقال "رفح لا توجد فيها خدمات طبية بمستوى حجم الكارثة".

وعبّرت الطفلة بسمة محمد عن شدة خوفها من اجتياح رفح وعن أمنيتها أن تنتهي الحرب. 

وقالت "الحرب حطمت كل أحلامنا. لم نعد ندرس. أفتقد مدرستي وصديقاتي. فقدنا كل شيء، وخاصة المدرسة أفتقدها بشكل كبير".

أما أبو علاء، وهو أيضا من سكان رفح، فقال: "لا مجال للنزوح. عانينا كثيرا من الحرب، ورأينا الموت مرارا. واقعنا صعب على المستويات كافة من طعام وشراب".

وواصل حديثه لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) قائلا "لو تم تنفيذ عملية برية في رفح، أين نذهب؟ لا مكان آخر لنذهب إليه. رفح كانت المحطة الأخيرة في هذه الحرب والتي قيل إنها الآمنة. لا يمكننا الخروج من غزة ولا مكان آخر لننزح إليه. إما نموت جميعا أو نعيش جميعا".

* "الملاذ الأخير"

آلاف النازحين في رفح نزحوا أربع أو خمس مرات هربا من القصف والقتل والدمار وبحثا عن الأمان. وحين وصلوها وصفوها بالملاذ الأخير بعد أن دُمرت منازلهم في غزة والشمال والمحافظة الوسطى.

ويؤكد محللون سياسيون أن عملية رفح ستكون مختلفة وبإشراف أمني وعسكري إسرائيلي، وستقام حواجز لإخضاع النازحين للفحص الأمني. ويقولون إن إسرائيل تسعى لإعلان أنها تمكنت من اعتقال مسلحين في رفح، مشيرين إلى أنها فعلت الشيء نفسه في الشمال والوسط واستهدفت مدنيين. 

ولن تكون أي عملية برية في رفح عملية سهلة من حيث القرار الإسرائيلي السياسي أو التنفيذ في رأي المحلل السياسي سليمان بشارات الذي قال "إسرائيل لا تزال تستخدم اجتياح رفح ورقة سياسية لإطالة أمد الحرب وورقة ضغط على أطراف إقليمية ودولية، وكذلك لتوحيد الشارع الإسرائيلي".

وأردف قائلا لوكالة أنباء العالم العربي "هذا لا يعني استبعاد القيام بعملية برية في رفح، لكن متى وكيف وما شكل هذه العملية؟..  ما زال مرهونا بمعطيات سياسية وميدانية".

وأضاف "تتحدث إسرائيل عن محاولة إيجاد أماكن لاستيعاب النازحين تحت إشرافها، وربما تحاول تحقيق بعض الأهداف دون الذهاب لعملية عسكرية واسعة".

وتابع "خلال عملية إجلاء النازحين من رفح سيكون هناك نوع من الاصطياد لبعض الأهداف، وهذا أحد السيناريوهات. كذلك ربما تضغط إسرائيل لمحاولة السيطرة على محور فيلادلفيا أو معبر رفح للتلويح بالأمر على أنه إنجار دون تنفيذ عملية واسعة إدراكا منها بأن تنفيذ عملية واسعة سينهي ذرائعها للاستمرار بالحرب".

ويتوقع بشارات أن تلجأ إسرائيل لوضع حواجز "لغربلة المواطنين" في رفح كما فعلت عند عملية النزوح من الشمال حين اعتقلت البعض وأعدمت البعض. 

وأضاف "ربما تلجأ إسرائيل لهذا الأمر في رفح لتقول إنها اعتقلت مطلوبين".

وواصل حديثه قائلا "التقارير الاستخباراتية الأميركية الأخيرة أكدت أن عملية تفريغ رفح ستكون معقدة وتحتاج أسابيع وربما شهورا لإخلائها من النازحين. وربما تدَّعي إسرائيل أنها أخذت الإجراءات اللازمة لإخلاء النازحين، وهم لم يخرجوا، لتبرر العملية العسكرية لتخلي مسؤوليتها".

وقال: "أميركا توفر الجو العام لإعطاء شرعية لإسرائيل من أجل الدخول لرفح بريا، وهناك اتفاق وتنسيق على أعلى المستويات بين إسرائيل والإدارة الأميركية لهذه العملية، وهي من ستبرر لإسرائيل في حال تنفيذ العملية العسكرية برفح".

* "معركة ليست سهلة"

ذكرت هيئة البث الإسرائيلية أمس الإثنين أن إسرائيل تستعد لعملية برية في رفح وتعتزم توسيع "المنطقة الإنسانية" لاستيعاب مليون نازح. 

ونقلت الهيئة عن مصادر قولها إن "المنطقة الإنسانية في غزة ستكون أوسع بكثير من تلك الموجودة في مواصي خان يونس".

وبحسب الهيئة فإن المنطقة الإنسانية ستمتد من المواصي جنوبا على طول الشريط الساحلي حتى أطراف منطقة النصيرات، وستصل القدرة الاستيعابية للنازحين في هذه المنطقة إلى مليون نازح.

ويرى المحلل السياسي أيمن يوسف أن اجتياح رفح مسألة وقت فقط، وأن إسرائيل تستعد لها وتعتبرها المعركة الأخيرة في قطاع غزة، وقال: "هي تستعد لإدارة عملية إجلاء النازحين من ناحية أمنية، وستقوم بتوجيههم لمنطقة المواصي غرب رفح وخان يونس".

وتوقع في حديثه لوكالة أنباء العالم العربي أن تكون عملية رفح "مختلفة"، قائلا إنه لن يكون هناك اجتياح لكل حارة وزقاق وكل شارع بقدر ما سيكون التركيز على المناطق التي تعتقد إسرائيل أن فيها أنفاقا وبعض القواعد العسكرية لحماس. وقال: "المعركة ليست سهلة، وإسرائيل تدرك ذلك".

وأردف "من خلال الحواجز العسكرية، سيخضع النازحون عند خروجهم لفحص أمني كما حدث بالنزوح من الشمال؛ وإسرائيل ستروج لأن كل من بقي في رفح من مقاتلي حماس لتبرر عمليات القتل والقصف، وهدفها هو فقط الاستمرار بالحرب وتهجير المواطنين وتفريغ رفح في معاقبة جماعية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة".

ويرى يوسف عدة مؤشرات تؤكد أن اجتياح رفح بات وشيكا منها "انسداد المسار التفاوضي، وعدم التوصل لصفقة مما يجعل البديل خيارا عسكريا ميدانيا". 

وأضاف "كما أن هناك موافقة أميركية على العملية، وإدارة بايدن استطاعت إقناع نتنياهو بعدم الرد على إيران مقابل السماح له باجتياح رفح؛ كما أن إسرائيل انتهت من منطقة وسط القطاع وأصبحت متفرغة لعملية رفح".

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز أمس الاثنين عن مسؤولين أميركيين قولهم إن إسرائيل لم تضع خطة لإجلاء المدنيين من رفح وإن هذا "سيزيد عدد القتلى في غزة أكثر". ورأى المسؤولون أن السبيل الوحيد لحمل إسرائيل على وقف عملية رفح هو صفقة لإطلاق سراح المحتجزين.