باسم برهوم - النجاح الإخباري - لشخص مثلي أمضى حياته كلها في النضال مع الحركة الوطنية الفلسطينية وتشغل القضية الفلسطينية كل وقته وعقله أشعر اليوم بأسى وألم شديدين لما آلت إليه الأوضاع الداخلية الفلسطينية، من دون شك أن شعبنا الفلسطيني يعيش لحظات صعبة، وهناك مخاطر جدية على مصير القضية الفلسطينية، وعلى مستقبل شعبنا، وأولى خطوات العلاج هي الاعتراف بأن هناك مأزقا، ومعرفة أسبابه ومن ثم معالجته بطريقة تعطي قضيتنا دفعة إلى الأمام، وتغلق الطرق امام محاولات تصفيتها.

هذا الكلام موجه لنا جميعا، لأننا في نهاية المطاف شعب واحد، ولأن خطر الانزلاق إلى دوامة عنف داخلية، وجرنا نحو الفتنة، أصبح أمرا محتملا، وإذا ما حصل ذلك سيكون كل الشعب الفلسطيني خاسرا، وإسرائيل هي الرابح الكبير...!!

علينا أن ننتبه أن الساحة الفلسطينية مكشوفة للجميع، والمتدخلون في شؤونها هم أكثر مما نعتقد، وإذا ما عمت الفوضى سيكون النموذج السوري او الليبي هينا لما قد يحصل عندنا، خصوصا أن هدف إسرائيل بتهجير شعبنا لا يزال ماثلا، وبدلا من أن نعزز وجودنا وصمودنا على أرضنا، من الخطيئة اليوم أن نسهم نحن بأيدينا في تنفيذ الهدف الإسرائيلي لا سمح الله.

إن ما أريد قوله أن نعمل على إيجاد الحلول وبسرعة قبل فوات الأوان، وأن المسؤولية هنا هي أكثر على حركة فتح التي صاغت المشروع الوطني، وهي المعنية أكثر من غيرها بحمايته، وفي هذا السياق جاء بيان اللجنة المركزية لفتح هادئا متوازنا، وأن المطلوب ترجمته لفعل متوازن وهادئ وحكيم في هذه المرحلة المصيرية، وأن الترجمة الاولى هي الدفع بأن يكون التحقيق محايدا وشفافا وسريعا في مسألة مقتل المواطن نزار بنات، فالذي تم هو خطأ جسيم لا يجب أن يمر من دون أن يأخذ القضاء مجراه وبشكل صارم مع من ارتكب هذا الخطأ، وبموازاة ذلك على "فتح" أن تبادر إلى إجراء حوار مع المعارضة بهدف معالجة الأسباب الأعمق لهذه الأزمة، وإيجاد الحلول المناسبة التي من شأنها إعادة توحيد الشعب الفلسطيني وتحصين مناعته الداخلية، والحفاظ على أن تبقى البوصلة الموجهة ضد العدو الرئيسي دولة الاحتلال ونظام الابارتهايد.

علينا جميعا سلطة ومعارضة بأن لا نسمح بتعميق الشرخ الداخلي وخلق مزيد من الانقسامات الجديدة، ألا يكفي شعبنا الانقسام الذي أدمانا منذ أكثر من 14 عاما؟ وفي هذا المجال على السلطة مسؤولية أكبر لاستيعاب الأمور عبر اتخاذ الخطوات الصحيحة المطلوبة منها على صعيد قضية الضحية نزار بنات.

لقد قرأت في اليومين الماضيين لكتاب وأصحاب رأي يحاولون عقلنة الامور ووضعها على سكة الحلول، لا تعميم الانفعال وأخذ الحالة نحو الانفجار الشامل. قرأت ما كتبه د.سعيد زيداني على صفحته على الفيس بوك، وزيداني كان قد شغل في وقت سابق مدير عام الهيئة المستقلة لحقوق المواطن، والذي دعا بهدف الخروج من المأزق الى إجراء تحقيق محايد وشفاف، ومحاسبة كل من ارتكب خطأ وتقديمه للعدالة. فالواقع الفلسطيني مختلف، وعندما أقول ذلك لا يعني أبدا إسكات صوت المعارضة تحت حجة التخويف من التداعيات التي قد تحصل، إسكات صوت المعارضة خطأ، وحرية الرأي والتعبير هي أمر مقدس لكل إنسان فما بالك لشخص مثلي يمتهن كتابة الرأي، وفي الحالة الفلسطينية فإن حرية الرأي أمر مطلوب أكثر من أي مكان آخر، ومع ذلك فإن التصرف بعقلانية من قبل الجميع من شأنه أن يقلل الخسائر ويصون القضية الفلسطينية.

إن الحوار هو الأمر المطلوب والملح، وان العودة للمسار الديموقراطي وإجراء الاننخابات هو أمر ضروري بعد الخروج من الأزمة المباشرة الراهنة.

إن الخيار الديموقراطي هو الخيار الأنسب للجميع، فلا أريد أن أرى حالنا كحال تلك الدول العربية التي تفككت، إن التغير مسألة ضرورية، تغير السياسات تغير البرامج، كل هذه الأمور نتفق عليها وتوافقنا عليها سابقا كل ما نحتاجه اليوم هو تنفيذ ذلك والعودة للمسار الديموقراطي لأنه الوحيد الذي يخرجنا من المأزق، ولا نريد أن يأتي أحد ويمليه علينا من الخارج.

قليل من الهدوء والتروي والعقلانية المسألة ليست غالبا ومغلوبا او معركة كسر عظم في نهاية الأمر نحن شعب واحد والتغير بات مطلوبا ولكن دون أن ندمر أنفسنا وندمر كل فرص التغير والإنقاذ الحقيقيين.

نعم للحوار.. نعم للجنة التحقيق لتقف على حقيقة ما حدث، وتنفذ توصياتها، نعم للعودة للمسار الديموقراطي وأعتقد أن "فتح" قد أعلنت في بيان لجنتها المركزية كل ذلك، ولكن لا للذهاب إلى خيار الفوضى الانتحاري.

 

عن الحياة الجديدة