سامي أبو سالم - النجاح الإخباري - ربما تختلف الوقائع والجغرافيا وأيضا التوقيت، لكن المدرسة هي ذاتها، تبرئة الاحتلال من اتهامات- بل إدانات- على أكثر من مستوى؛ فلسطينيا واقليميا ودوليا، ولا يهم من المتهم بعد ذلك، وحبذا لو كان نقيض إسرائيل، المهم هو تبرئة اسرائيل وتهيئة الأجواء لما هو قادم من صفقات وتشكيلات "سياسية" جديدة.
صكوك براءة مجانية تُمنح لإسرائيل على أكثر من صعيد وليس بآخرها ما رأيناه، ونراه، فيما يتعلق بقضية تأجيل الانتخابات الفلسطينية. ففيما يتعلق باللغط حول صواب أو عدم صواب قرار القيادة الفلسطينية بتأجيل (وليس إلغاء) الانتخابات بسبب منع الاحتلال اجرائها في القدس غض مهاجمو القيادة الطرف عن الاحتلال وفتحوا فوهات مدافعهم الاعلامية ضد الرئيس عباس وقراره بالتأجيل، ونسوا/ تناسوا أم العقبات (الاحتلال).
فوفقا للبند الثاني من البيان الختامي لاجتماع الفصائل (فبراير 2021)  "التأكيد على إجرائها في مدينة القدس والضفة الغربية وقطاع غزة دون استثناء"  تمسكت القيادة الفلسطينية بهذا البند، بيد أن أن الجوقة المتواطئة مع "صفقة القرن" انكشفت سوأتها. ولم يخف عازفوها موافقة اجراء الانتخابات التشريعية حتى بدون القدس، لكنهم غلفوها بغلاف "لا لتأجيل الانتخابات"، وذلك في جحود سافر للمدينة التي يتغنون بها في خطابات يخدعون بها جماهيرهم، كيف لا وقد وافق جزء منهم (حماس) على إنتخابات 2006 حتى لو جرت بدون القدس. 
فمن جانب رفضوا الانتخابات بدون القدس لكنهم ضد قرار الرئيس بالتأجيل بسبب منع الاحتلال اجرائها في القدس، مثل تصريح رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، الذي رفض انتخابات بدون القدس وأيضا رفض التأجيل. والأهم في هذه الحملة هو اغفال أم العقبات (الاحتلال).
وتستعر الحملة الموبّخة والمخوٍّنة للقيادة الفلسطينية، بعبارات نذكرها إبان تمترس الرئيس ياسر عرفات قبل اغتياله، مثل "قيادة جديدة" و"آليات تغيير الواقع" و"إزاحة الرئيس" وما إلى ذلك، واقتربنا من مصطلح "خّرْفَن" ويرافق ذلك دعوات للتحشيد والتجييش، لماذا؟ للوقوف مع أهلنا في الشيخ جراح؟ للضغط على الاحتلال وانتزاع حق تنظيم الانتخابات؟ البتة، بل تجييش ضد القيادة الفلسطينية.
***
الجوقة نفسها المروّجة للرواية الاسرائيلية باتت وكأنها تعمل في سلك الدبلوماسية العامة أو المكتب الاعلامي الحكومي (GPO) لدولة الاحتلال، سبقَ وأن صبّت- ولا تزال- جام غضبها على القيادة الفلسطينية "المتكلسة" لأنها، وفق رؤيتهم العوراء، سبب عرقلة وجمود في "عملية السلام"، وأن حل القضية الفلسطينية "دفع عملية السلام في الشرق الأوسط" يتحقق بإيجاد "قيادة جديدة"، وهو نفس السيناريو الذي مورس ضد الرئيس ياسر عرفات قبل تصفيته، وتلخص في تصريح الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش (يونيو 2002) حين نادى باستبدال عرفات وأن تحقيق السلام يلزمه قيادة فلسطينية "جديدة".
وبلغ التساوق آنذاك ذروته مع تصريحات البيت الأبيض إبان ورشة البحيرين الاقتصادية (يونيو 2019)، أبرزها ما صرح به لقناة الجزيرة في أغسطس الماضي جاريد كوشنير، مستشار الرئيس الأمريكي (آنذاك) دونالد ترمب، حينما خاطب الشعب الفلسطيني قائلا: "إن العالم يريد لكم حياة أفضل، لكن لا بد أن تكون لديكم قيادة قادرة على ذلك"، وكرر ذلك في لقاء على قناة سي بي أس حينما قال "إن الفلسطينيين رهائن لقيادة سيئة".
وشكل ذلك صك براءة لإسرائيل من تعثر في تنفيذ الاحتلال لالتزاماته. فلا العازفون ولا المايسترو العربي ذو الشعر الناعم الراقد في الخارجية الأمريكية، تطرقوا لاسرائيل و لا لرفضها لتنفيذ التزاماتها بل كان الهم الأكبر لهم إلقاء اللوم على القيادات الفلسطينية التي "تضيع الفرص".
***
دوليا، تنشغل المكنة الاعلامية الإسرا- أمريكية بالترويج لرؤاها اوعلى رأسها تبرئة الاحتلال من تهمة تصدّر أسباب الزعزعة واللااستقرار، فتروّج أن الخطر في "الشرق الأوسط" مصدره إيران، ولولاها لعاش الشرق الأوسط في استقرار وازدهار...، وتتجنب الحديث عن الاحتلال الاسرائيلي! 
صحف ومواقع وفضائيات، انضم معهم أمراء، تفتح فضاءها لمحللين (من الفعل جعله حلالا) للسباحة مع الرواية الاسرائيلية التي جسدها وزير الخارجية الاسرئيلي غابي أشكينازي (الثلاثاء 20 أبريل المنصرم) فقال: "إيران تقوض الاستقرار في الشرق الأوسط بأكمله والمجتمع الدولي". إنه فعلا لأمر مضحك مبكي؛ وزير خارجية دولة احتلال تزعزع الاستقرار في المنطقة منذ سبعين عاما يتهم دولة أخرى، ذات جذور ضاربة في التاريخ،أنها تقوض الاستقرار.
هذه المكنة ليست حكرا على الساسة والاعلاميين، بل أيضا انخرط فيها العسكر لتعزيز من سبق ذكرهم، فهم على افتراض أنهم أصحاب تقدير مواقف ميدانية أكثر واقعية، فعلى سبيل المثال لا الحصر قال قائد القيادة الأميركية الوسطى الجنرال كينيث ماكينزي في ندوة في فبراير الماضي بواشنطن إن إيران والتنظيمات الإرهابية "لا تزالان الخطر الأساسي في المنطقة".
ما يزيد الطين بلة أن أتباع التاج الانجليزي ذهبوا أبعد من ذلك بمحاولات ساذجة للتسليم بأن إسرائيل خارج معادلة اللوم وأن الخطر يكمن في  السعودية  وإيران كما قال عزام التميمي في احدى لقاءاته المتلفزة: "اليوم أكبر خطر على الأمة العربية السعودية وليس إيران"، تصريح لا يخلو من اللعب على وتر الطائفية.
والأدهى، هو استخدام ورقة "أطماع إيران" وإحتمال إمتلاك إيران لتكنولوجيا تصنيع قنبلة نووية. في حين غض الطرف عن الترسانة النووية الإسرائيلية التي لم تنفها إسرائيل البتة. فهل هناك دولة على وجه البسيطة بلا أطماع؟ وماذا بخصوص الأطماع الاسرائيلية؟ وهل القنبلة النووية الايرانية المفترضة أكثر خطرا من الترسانة النووية الاسرائيلية؟!.
هذه الترسانة الاعلامية، ووكلائها، باتوا أشبه بمطبعة صكوك براءة للاحتلال من تهمته كتهديد أول لاستقرار المنطقة؛ الاحتلال بتفاصيله من قتل وسرقة الأرض الفلسطينية وتهويد القدس والعبث بأمن دول عربية، لا تأتي في اطار اختلاف في الرأي أو في التوجه السياسي الطبيعي، ولا كانتقاد لأداء للقيادة، بل يبدو أنها جزء من سياسات اعلامية مدروسة، لتطهير إسرائيل في أعين الجماهير العربية عموما، والتشكيك في أهلية القيادات الفلسطينية (أبو مازن وعرفات وغيرهم بل وأمين الحسيني من قبلهم)، كتهيئة أجواء لقبول الجمهور العربي والفلسطيني بخيارات اسرائيلية تحت مسمى "حلول"، كصفقة القرن أو ما هو أدنى، ولقبول استبدال منظمة التحرير الفلسطينية ذات الهوية الوطنية بتشكيلات وقيادات "جريئة وجديدة" فاقدة الهوية والبوصلة الوطنية.