مجدي الخالدي - النجاح الإخباري - أذكر ذلك اليوم جيدا، فقد شعرت كما شعر أبناء شعبنا الفلسطيني في كل مكان  بالفخر والاعتزاز، يوم أن رُفع العلم الفلسطيني على مقرات الأمم المتحدة في نيويورك في 30 أيلول/سبتمبر 2015، ومنذ ذلك التاريخ وإلى الأبد، سيبقى علم فلسطين ذو الألوان الأربعة، مرفوعاً خفاقاً في جميع مقرات الأمم المتحدة حول العالم.
وقد شعر شعبنا الفلسطيني، وأنا واحد منهم، بشعور مماثل يوم نجاح التصويت على ميلاد دولة فلسطين في الأمم المتحدة، كعضو مراقب، في 29 تشرين الثاني/نوفمبر2012، وكان ذلك بفضل العمل الحثيث للرئيس محمود عباس لتحقيق هذا الهدف.
ومنذ ذلك الحين أصبحت دولة فلسطين عضواً أصيلاً في النظام الدولي، وانضمت للعشرات من المنظمات والمعاهدات الدولية ومنها اليونسكو والمحكمة الجنائية الدولية (ميثاق روما)، والتي سمحت لدولتنا ولشعبنا المشاركة بفعالية في صناعة قرارات الشرعية الدولية في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والتنمية  المستدامة، وتوجت بترؤس دولة فلسطين لمجموعة ال 77 والصين التي تضم 134 دولة.
في كل مرة تعترف فيها إحدى دول العالم بدولة فلسطين، والتي وصلت إلى 140 دولة، أشعر بالشعور نفسه وهو شعور الانتماء للوطن والهوية والأمل والمستقبل.
جميعنا يذكر ذلك اليوم التاريخي الذي قرر فيه البابا فرانسيس إعلان ابنتي فلسطين الراحلتين مريم بواردي، وماري غطاس قديستين، يومها غطت أعلام فلسطين، التي كان يحملها بنات وأبناء فلسطين من المسيحيين والمسلمين من جميع أنحاء العالم، ساحة الفاتيكان المعروفة بساحة سانت بطرس.
أذكر إحدى الراهبات التي حملت مقتنيات القديستين (التي تعرف باسم الذخائر) ووضعتها أمام قداسة البابا وسط الساحة، لقد أبت إلا أن تظهر فلسطينيتها من خلال رفع علم فلسطين الذي أخرجته من ثوبها.
الأمثلة على هذه اللحظات التي لم تنقطع منذ أكثر من قرن من الزمان، كثيرة، وصولاً إلى إعلان منظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً ووحيداً لشعبنا الفلسطيني، وخطاب الرئيس ياسر عرفات في الأمم المتحدة في العام 1977، وإعلان الاستقلال في الجزائر في العام 1988، وعودة القيادة الفلسطينية وأكثر من نصف مليون لاجئ فلسطيني إلى أرض الوطن بعد توقيع اتفاق اوسلو منذ عام ١٩٩٣ حتى اليوم.
في جميع هذه المناسبات، رُفع العلم الفلسطيني تعبيراً عن الفرحة والتلويح براية الانتماء ووحدة الشعب والمصير المشترك. وهناك رموز أخرى لشعبنا نعتز بها إلى جانب العلم الفلسطيني، فهناك الكوفية وشجرة الزيتون من تراثنا الوطني وهناك الاقصى وقبة الصخرة وكنيستي القيامة والمهد من رموزنا الدينية وغيرها، وجميعها توحدنا، ولكن العلم أيضا حاضراً في قلوبنا وعقولنا حتى أنه وصل إلى تشيلي كشعار لنادي كرة القدم "بالستينو" لجاليتنا هناك التي نعتز بها، كما نعتز بجالياتنا الفلسطينية في الأميركتين، وأوروبا وجميع دول العالم.
ولا أخفي عليكم، أن دموع الفرحة والأمل المكبوت تظهر أحياناً بعد كل إنجاز أو خطوة نخطوها على طريق الاعتراف بهويتنا وحقنا في تقرير المصير وحقنا في الحرية والاستقلال والسيادة على ترابنا الوطني الفلسطيني الذي ضحى من أجله الآلاف من الشهداء والأسرى والجرحى، ولا زال يعاني من أجله أكثر من ستة ملايين لاجئ  ينتظرون حقهم في عودتهم وحل قضيتهم وفق الشرعية الدولية.
لقد عقدنا العديد من الاتفاقيات الدولية، وحشدنا الدعم الدولي لقضيتنا وساندتنا في ذلك أمتنا العربية والاسلامية وغالبية دول وشعوب العالم، وأنجزنا الكثير من الدعم الدولي لقضيتنا وشعبنا، ولكن المحتل الاسرائيلي الغاشم  بالقوة العسكرية مازال يحتل أرض دولة فلسطين بعاصمتها القدس الشريف بمقدساتها الاسلامية والمسيحية، ويحاصر قطاع غزة وكل شبر من أرضنا في الضفة الغربية، ويواصل ممارساته العدوانية بمزيد من الاستيطان ومخططات الضم، وكل ذلك بدعم من الإدارة الأميركية في مخالفة للقانون الدولي.
وبالرغم من ذلك، التزمنا بالقانون الدولي، وأبدينا الاستعداد للذهاب للمفاوضات على أساس الشرعية الدولية، ووفق حل الدولتين، لإنهاء الاحتلال الاسرائيلي عن أرض دولة فلسطين على حدود 1967،  بعاصمتها الشرقية،  وقد طلب الرئيس محمود عباس في كلمته أمام الأمم المتحدة في الدورة الحالية من الأمين العام للأمم المتحدة للتنسيق مع اللجنة الرباعية الدولية وأعضاء مجلس الأمن عقد مؤتمر دولي للسلام في مطلع العام 2021.
في يوم العلم الفلسطيني، أود التذكير، بأن شعب فلسطين يتميز بالإبداع والمثابرة والاجتهاد، فقد بنى مؤسسات دولته الحديثة على أساس سيادة القانون، وتمكين المرأة والشباب، شعب له تاريخ حافل بالإنجازات الحضارية والإنسانية على أرضه وفِي أي مكان يعيش فيه، شعب قدم التضحيات وعاش النكبات والمآسي، لكنه صامد على أرضه وأرض أجداده.
وأنا أتساءل، أليس من حق الطفل الفلسطيني أن يعيش في أمان كباقي أطفال العالم. أليس من حق شابات وشباب فلسطين أن يحققوا أحلامهم وإبداعاتهم وحياتهم في بناء مدنهم الذكية وإنجاز أبحاثهم في جامعاتهم المتقدمة وفرص عملهم في مجالات السياحة والزراعة والصناعة في دولتهم المستقلة ذات السيادة بعيداً عن الاحتلال، أليس من حق شعبنا في الشتات وأماكن اللجوء ان يعيشوا بكرامة وعزة وشموخ.
سيواصل شعبنا الفلسطيني، بكل مكوناته موحدًا وصامداً على أرضه، نضاله من أجل نيل حريته واستقلاله، ولكن خلاصه من الاحتلال الإسرائيلي، أطول احتلال في العصر الحديث، يحتاج لوقفة صادقة من الدول والشعوب التي تؤمن بالحق والعدل. ونقدر جميع الدول والشعوب التي وقفت إلى جانبنا سياسيا واقتصادياً، ولن ننسى من مد لنا يد العون في أحلك الظروف.
لقد حان الوقت للوقوف إلى جانب قضية فلسطين، فقفوا مع فلسطين لتحقيق العدالة، وطهروا ضمائركم وأرواحكم بالوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني، أقدم شعوب الأرض، لينال حقه في تقرير مصيره وحريته واستقلاله وبذلك يتحقق السلام والعدل في المنطقة. 
وإنهي بالقول إن أمام المجتمع الدولي خيارين لا ثالث لهما، إما تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني وتجسيد اعترافه بحقه في تقرير المصير وإنجاز استقلاله الوطني في دولته المستقلة وفق الشرعية الدولية على حدود 1967، بعاصمتها القدس الشرقية، أو القبول بدولة الضم والأبارتهايد التي ستجلبها لنا الخطة الأميركية الاسرائيلية، وهذا ما يرفضه شعبنا الفلسطيني وسيعمل على إفشاله كما أفشل عشرات المشاريع التصفوية لحقوقه على مر التاريخ. فأحد شروط تحقيق السلام العادل والدائم وتحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة هو بتطبيق القانون الدولي. وإن هزيمة المشروع الاستعماري هو بدعم القوى الدولية والعربية، لأننا نريد العيش بسلام وأمن مثل باقي شعوب الأرض.
لقد سجل شعبنا وقيادته الانجازات والانتصارات بالنقاط وليس بالضربة القاضية، وراكمها بصموده طويل الأمد منذ آلاف السنين على أرضه التاريخية، وسيبقى  صامدا ومتجذرا فيها حتى تحقيق الحرية والاستقلال.
 

نقلا عن الحياة الجديدة