باسم برهوم - النجاح الإخباري - قد يكون الرئيس المصري والقائد القومي العربي جمال عبد الناصر قد ارتكب العديد من الاخطاء، لكن هناك شبه اجماع، بأنه هو من اعطى الامة العربية روحها وعزتها وكرامتها. اهمية هذا الشعور انه جاء بعد النكبة وهزيمة الجيوش العربية في فلسطين عام 1948, وبعد قرون طويلة من الانحطاط وحكم الغير للامة العربية. واهمية عبد الناصر انه رفض واقع التجزئة الذي فرضه الاستعمار على العرب، وخلق وعيا جماعيا باهمية الوحدة، واستعادتها لمواجهة التحديات.

وادرك عبد الناصر مبكرا ان القضية الفلسطينية هي قضية جامعة تجمع العرب وتوحدهم، لذلك يعود له الفضل بجعلها القضية المركزية للامة العربية. ولم يكن هذا الادراك عفويا او عاطفيا، بل جاء من نظرة عميقة بأن المخطط الاستعماري قد اوجد اسرائيل في قلب الامة بهدف منع وحدتها ونهضتها، فلا حديث جدي ممكن عن نهضة حقيقية نضع العرب في مكانة متميزة في العالم من دون تحرير فلسطين.

كما لم يكن عبد الناصر زعيما محليا او اقليميا، فقد كان احد مؤسسي حركة عدم الانحياز، الى جانب زعماء كبار، آمنوا بفكرة الحياد الايجابي بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي في ذلك الوقت، ومن ابرز هؤلاء الزعماء الرئيس الهندي نهرو، واليوغسلافي تيتو، والاندونيسي سوكارنو. لقد كان عبد الناصر صانع سياسات على الساحة الدولية، ورقما يحسب له حساب في الغرب كما كانت له مكانة خاصة لدى حلفائه في المنظومة الاشتراكية.

هذا المقال ليس الهدف منه تقييم التجربة الناصرية في ذكرى رحيل هذا القائد، لما لها، وما عليها، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه اين الامة اليوم من تلك الروح وتلك العزة والكرامة..؟؟  اين الامة اليوم من فكرة الوحدة ومن قضية فلسطين..؟؟ من يعتقد اليوم انه يساير العصر والمتغيرات عبر اقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل انما يخدع نفسه ويحاول تناسي الهدف من وجود هذا الكيان في قلب الامة العربية. وبغض النظر عن الطريقة التي يسوق اصحاب فكرة العلاقة مع إسرائيل انفسهم، ولكنهم في اعماق انفسهم يدركون انه استسلام، ورغبة واهمة في الحفاظ على البقاء، من دون شك ان عبد الناصر تحدث في سنواته الاخيرة عن السلام مع إسرائيل، ولكن كان يحضر للحرب ويخوض حرب استنزاف ليخلق نوعا من التوازن يحقق له سلاما بكرامة، وليس استسلاما او سلاما دون ثمن. كما لم يكن هذا الزعيم ليقبل باقامة سلام مع اسرائيل من دون اعادة فلسطين على الخارطة ولو على جزء من ارض فلسطين التاريخية، ومن دون انسحاب اسرائيلي كامل من الأراضي العربية التي احتلتها في حرب عام 1967 فهو صاحب الشعار التاريخي الكبير  "ما اخذ بالقوة لا يمكن الا ان يسترد بالقوة" او بضغط القوة.

قد يقال إن المرحلة قد اختلفت والعالم قد تغير كثيرا، هذا صحيح ولكن كل ذلك يجب ان لا يفقد الامة روحها وعزتها وكرامتها، خصوصا اننا بعد العولمة نرى ان الامم قد عادت تتحصن خلف روايتها التاريخية الخاصة بها... فأين رواية الامة اليوم؟

 

نقلا عن الحياة