عمر حلمي الغول - النجاح الإخباري -  قبل 72 عاما حلت على فلسطين وشعبها نكبة أدت إلى نتائج كارثية. جاءت عملية الهدم المقصودة والمخطط لها للوطن والهوية الفلسطينية كأحد استحقاقات الحرب العالمية الثانية 1939/1945، التي تشابكت مع عوامل محلية وعربية ودولية، والتي مهد لها منذ نهاية القرن التاسع عشر مع انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل بسويسرا 1897. وتوجت بإقامة دولة إسرائيل الإستعمارية في أيار/ مايو 1948.

ويمكن الجزم أن المشروع الصهيوني وقاعدته المادية إسرائيل بلغ الذروة مع تربع اليمين الصهيوني المتطرف خلال العقد الآخير من القرن العشرين الماضي ومطلع الألفية الثالثة، وتلازم مؤخرا مع صعود الترامبية الأفنجليكانية مطلع 2017، التي تماهت مع أهداف وطموحات الصهيونية العالمية، وباتت شريكا كاملا في الحرب على الحقوق والمصالح الوطنية الفلسطينية. بيد ان كلا اليمينين الأميركي والصهيوني أخذا بالتراجع في خط بياني هابط نتيجة الأزمات، التي عصفت، ومازالت تعصف بهما.

ومن يتابع المشهد الإسرائيلي يستطيع تلمس الأزمة البنيوية العميقة، التي تعيشها الدولة الصهيونية، وهي ازمة اقتصادية واجتماعية وقانونية وأخلاقية وقيمية ودينية وحزبية، والأزمة لا تتعلق ولا تنحصر بشخص نتنياهو فقط، بل هي أعمق من ذلك. مع أن وجود رئيس حكومة تسيير الأعمال الفاسد ساهم بشكل كبير في تعظيم الأزمة، وأضفى عليها البعد الشخصي.

وعليه فإن تلازم أزمة الرأسمالية العالمية مع أزمة المشروع الصهيوني، الذي هو الابن الشرعي للغرب الرأسمالي العالمي سيكون له تداعيات مباشرة على مستقبل إسرائيل، وبذات القدر على مستقبل الشعب الفلسطيني. وبالتالي ما يؤصل له تفشي فايروس الكورونا، كجزء من حرب تقاسم النفوذ في العالم، وما حمله من أخطار حقيقية على النظام العالمي القائم، وما سيفضي إليه المستقبل غير البعيد من تحولات دراماتيكية في عملية الهدم الجارية، وإعادة البناء للنظام العالمي الجديد، الذي لم تتبلور حتى الآن ملامحه. لكن بعض مؤشراته باتت مقروءة من خلال الاستشراف بتراجع مكانة الولايات المتحدة الأميركية، وتفكك المنظومة الأوروبية، التي دفعتها أزمة الكورونا إلى السطح. الأمر الذي يسمح بالاستنتاج العلمي الواقعي، والبعيد عن الإسقاط الرغبوي، بحدوث تحولات جذرية في المشهد الإقليمي، والذي لن يكون في مصلحة إسرائيل الاستعمارية نهائيا، رغم انها تسعى لتثبيت وجودها في النظام القادم.

وارتباطا بما تقدم، ومن خلال القراءات السابقة لي حول أزمة الكورونا كذروة للأزمة العالمية، التي فاقت في نتائجها الكارثية أزمة 1929/ 1930، والتي مهدت الطريق للحرب العالمية 1939، فإن المشروع الوطني الفلسطيني قد يكون من بين المستفيدين من التحولات العالمية الإستراتيجية، لأكثر من اعتبار، منها: أولا تمكن الشعب والقيادة الفلسطينية خلال الأعوام الـ55 الماضية من استعادة الهوية الوطنية؛ ثانيا المرونة السياسية الذكية لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وانسجامها مع قرارات الشرعية الدولية؛ ثالثا تمسكها بالثوابت الوطنية، ومحافظتها على الكيانية الفلسطينية الممثلة بالسلطة الوطنية، ومواصلة العمل في بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية؛ رابعا عدم سقوطها في متاهة ردود الأفعال السلبية؛ خامسا تعزيز علاقاتها الإقليمية والدولية، خاصة مع الأقطاب الدولية، التي قد تحظى بمكانة مركزية في السياسة الدولية مع تشكل النظام العالمي الجديد، ومنها الصين وروسيا والهند واليابان، وحتى دول أوروبا الغربية والقوى المحبة للسلام في أميركا نفسها؛ سادسا تمسكها بالشرعية الدولية ومرجعياتها لعملية السلام، وتعزيز حضورها في المشهد الأممي من خلال توسيع إنضمامها للمنظمات والهيئات الأممية ومعاهداتها ومواثيقها.. إلخ.

غير أنا لا بد وأن نعمل على إنهاء صفحة الانقلاب الحمساوي، وترميم الجسور مع كل القوى بما يحمي ويعزز المكانة الفلسطينية عربيا وإقليميا ودوليا. وتشكيل فريق عمل متخصص للبحث واستقراء التحولات الجارية من حولنا في العالم، ووضع الخطط العملية الكفيلة بترسيخ وتجذير الحضور الفلسطيني، للاستعداد للتعامل مع التحولات القادمة في العالم بما يخدم المصالح والأهداف الوطنية الثابتة. وحتى لا نؤخذ على حين غرة. سيناريوهات المستقبل أعتقد انها مفتوحة على أفق الأمل وبما يخدم الأهداف الفلسطينية.

 

 

نقلا عن صحيفة الحياة