باسم برهوم - النجاح الإخباري - ان يقتل انسان انطلاقاً من مواقفه وآرائه، هو أمر مرفوض، ولا يمكن القبول به، فما بالك إذا تعلق الأمر بالصحفي. هذا المبدأ ضروري كمدخل عند معالجة قضية الصحفي السعودي المختفي جمال خاشقجي، وفهم تداعياتها وانعكاساتها على مجمل الأوضاع في الشرق الأوسط وربما العالم.

لا اريد هنا الحديث عن القضية بحد ذاتها، فالمسألة لا تزال قيد البحث والتحقيق، ولا أحد يمكنه الجزم في مصير هذا الصحفي، في غياب موقف رسمي تركي وسعودي بهذا الشأن، ولكن من حقنا أن نتحدث ونتناول التداعيات التي نشأت على هامش هذا الضجيج الاعلامي والسياسي الكبير الذي صاحب ويصاحب القضية، والذي حولها الى القضية رقم واحد عالميا، هذا بحد ذاته يطرح علامة سؤال كبيرة... لماذا؟

الهامش الاول، ان القضية تحولت لابتزاز السعودية سياسياً ومالياً، وربما ابتزازها على الدور، وهذا ما يقوم به الكبار، والمقصود ادارة ترامب، والدول الغربية، والابتزاز الأهم ليس ابتزاز المال، بالرغم من اهميته، وإنما حول القرار المتحكم بسوق البترول وأسعاره، باعتباره أكبر مصدر للنفط.

الهامش الثاني، علينا ان نضع القضية في إطارها وحجمها الطبيعي، وان لا نتحول عبر مبالغات وسياسات معدة سلفاً إلى خطة لتمزيق بلد عربي شقيق، كما تم تمزيق دول عربية أخرى بغض النظر عن مدى اقترابنا أو ابتعادنا من مواقف وسياسة هذا البلد، فالسعودية دولة عربية رئيسية ومهمة، وأنها مستهدفة منذ زمن وليس فقط بسبب قضية الخاشقجي.

الهامش الثالث، أبرزت القضية، وكيفية استخدامها، مخاطر وجود محاور عربية عربية. وعربية اقليمية متصارعة، فالدروس والعبر التي استخلصناها من تجربة الربيع العربي وتداعياتها ان ليس هناك رابح من كل هذه الصراعات سوى اسرائيل، التي قطفت وتقطف ثمار تمزق الأمة العربية.

الهامش الرابع، ملاحظة الكيفية التي تعمل خلالها الماكنات الإعلامية ودورها في تأجيج الصراعات. ويذكرنا ذلك بدورها في ثورات الربيع العربي وكيف لعبت دورا في ادخال دول عربية في حروب اهلية، مثل العراق، سوريا، ليبيا واليمن، وتمزيق الشعب الفلسطيني بانقسام بغيض.

واليوم نلاحظ ان هذه الماكنات المتصارعة فيما بينها تزيد من المأزق الذي تعيشه الأمة العربية وتعمق الفراق بينها، كما لاحظنا كيف تدير هذه الماكنات عملها وتحرك إلى جانبها وتجند مراكز أبحاث ومجموعات ضغط والمدير الكبير لكل ذلك هو واشنطن صاحبة فكرة الفوضى الخلاقة.

الهامش الخامس، ضرورة ان لا ينجر الفرد وراء هذا الكم من المعلومات والاشاعات التي تتدفق عبر هذه الماكنات الإعلامية التقليدية منها والالكترونية. لقد كشفت قضية الخاشقجي مرة أخرى دور الاشاعة والاشاعة المضادة في صناعة مواقف هي بالأساس لا تستند لاي حقيقة، كما من الضروري الحذر من المخططات التي تقف وراء هذا الضجيج الاعلامي، ورؤية أهدافه البعيدة.

الهامش السادس والأخير، علينا ان نراقب بدقة الصفقات التي تتم أو ستتم خلف هذا الضجيج الاعلامي والسياسي، والتي من شأنها ان تغير طبيعة التحالفات والادوار في المنطقة، كل ذلك يجري قبل ان نعرف الحقيقة ونتائج التحقيق، فهذه النتائج قد تكون جزءا من صفقة كبيرة، اكبر بكثير من قصة او قضية صحفي اختفي او قد قتل.

عن الحياة الجديدة