الدكتورة اماني القِرِم - النجاح الإخباري - فاطمة هي حكاية امرأة فلسطينية تعيش في أحد مخيمات اللاجئين المنتشرة في قطاع غزة .. هي حكاية ذات نكهة تخصنا وحدنا. أتعرفون مزيج الحلم والقهر؟ هو نكهة حكاياتنا.. فكل بقعة يوجد بها مخيم.. توجد فاطمة.

كانت مقاتلة لا تحمل بندقية ولا رشاشاً، بل حملت أحلاما بسيطة: أن تعيش في بيت كباقي النساء، وأن ترى ولدها الذي انتظرته طويلا موظفاً، وأن تحج.

ماتت فاطمة وهي تحلم ... هدّتها الأحلام.

تعرفت على فاطمة منذ سنوات طويلة أثناء عملي، وربطتني بها علاقة روحانية رغم اختلاف أفكارنا وتوجهاتنا، كانت تأتي دوما الى منزلي، فعشت معها أحلامها البسيطة. انجبت الصبي بعد البنات وكبر الحلم كلما كبر الصبي. ولكن اليد قصيرة والعين بصيرة، حيث نشأ الولد في سنوات عجاف سمّتها فاطمة حسماً في البداية وسميتها أنا انقلاباً. وبعد وقت قصير لم يعد المسمّى مهماً، بل بتنا نتحاشى ذكره، فالنتيجة لكلتينا أصبحت واحدة.. وكم من مرات جمعنا فيها فرح الفرج القريب بالمصالحة..

ماتت فاطمة مقهورة. قهرتها الحياة كونها امرأة فُرض عليها أن تتلحف بأقمشة سوداء تسمى "النقاب" هي وبناتها. وكثيراً ما كنت ألومها وألح عليها السؤال حول سبب التزامها بهذا الزي المقيت ولماذا لم تكتف بالحجاب؟ وكانت تجادل طويل،اً وفي النهاية تستسلم وتبرر الأمر بالخوف على البنات من الأعين بسبب ضيق المكان الذي انعكس على العقول حولها.

ماتت فاطمة مقهورة. قهرتها السياسة كونها فلسطينية لاجئة قضت حياتها في الانتظار .. انتظار ان يأتي الولد بعد البنات! وفي انتظار الكوبونة آخر الشهر.. وفي انتظار أن يأتي الدور عليها لتصلح الأونروا الغرفة التي تنام فيها مع عائلتها، والتي يرشح منها المطر في الشتاء وتملؤها الحشرات في الصيف.. وفي انتظار أن تحلّ الأمور كما كانت تقول.

تراودني أسئلة منذ موت فاطمة: لماذا اختارت أن تولد في غزة؟ وأن تحلم وتمرض وتموت في غزة ؟ لو سمح لها بالخروج للعلاج هل كانت ستعيش؟ ما الذي كان يؤلمها أكثر قبل موتها؟ التقرحات التي تفشت في جسدها النحيل منذ أن خرّت صريعة الفراش وعدم الكلام؟ أم إصرار ولدها على الهجرة من البلد بعد أن ضاقت السبل وازداد الخنق؟؟

ترى كم فاطمة تموت كل يوم بين جدران المخيم السوداء وعلى أرضه البائسة؟!

[email protected]

عن القدس الفلسطينية