مصطفى السعيد - النجاح الإخباري - بعد ساعات قليلة من تفكيك كوريا الشمالية موقع التجارب النووية كبادرة على حسن النية في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة، قرر الرئيس الأمريكي ترامب إلغاء اللقاء المرتقب مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون. وكانت المبررات الأمريكية لإلغاء اللقاء واهية للغاية، واستندت إلى تصريح وزير الخارجية الكوري الشمالي انتقد فيه نائب الرئيس الأمريكي الذي قال إن أمام الرئيس الكوري أحد طريقين، إما نزع السلاح النووي تماما، وتغيير سياساته، وإما أن يلقي مصير الرئيس الليبي معمر القذافي..

هكذا يبدو أن الرئيس ترامب كان قد وضع يده على زر تفجير المفاوضات مع الزعيم الكوري الشمالي قبل أن تبدأ، ربما لأنه اكتشف أن المفاوضات ستقوده إلى طريق لا يريده، وستؤدي إلى إحراج الولايات المتحدة أمام اليابان وكوريا الجنوبية، بعد أن تبين أن بيونج يانج جادة في نزع السلاح النووي، لكن مقابل أن تسحب الولايات المتحدة قواتها من كوريا الجنوبية، وتخفض وجودها العسكري في جنوب شرق آسيا، وهو ما اتضح خلال اللقاء التمهيدي بين وزير الخارجية الأمريكي مايكل بومبيو مع الزعيم الكوري الشمالي قبل أسبوعين، ووجد ترامب أن من شأن المضي في هذه المفاوضات أن تهدأ جبهة بحر الصين، وأنه لن يستطيع بيع أسلحته لكوريا الجنوبية واليابان، ولن يحصل منهما بالتالي على مقابل نقدي أو باتفاقيات تجارية مربحة، لهذا وجد أن الصفقة غير مجدية، وأن الصين ستكون الرابح الأكبر من المفاوضات مع كوريا الشمالية، وستنفرد بالساحة في المنطقة، بعد أن تخفض الولايات المتحدة قواتها.

فالهدف الرئيسي من إشعال الخلافات إلى حد التهديد بضربات نووية مع كوريا الشمالية كان تكثيف الوجود العسكري الأمريكي في جنوب شرق آسيا، والتضييق على شرايين الصين التجارية بتكثيف أساطيلها في الخطوط البحرية، ولهذا كانت الصين الأكثر حماسا للمفاوضات، وهي من حثت بيونج يانج على إبداء حسن النية بإطلاق ثلاثة أمريكيين محبوسين بتهمة التجسس وتفكيك موقع تجارب القنابل النووية، لكن وضع ترامب كوريا الشمالية أمام خيارين، إما الرضوخ الكامل للمطالب الأمريكية دون مقابل يستحق، وإما العودة إلى أجواء التوتر، وجاء تصريح نائبه مايكل بنس الأسبوع الماضي وتهديده الزعيم الكوري الشمالي بمصير القذافي ليسمم أجواء المفاوضات.

السيناريو مع إيران لا يقل خطورة، فقد أعلن وزير الخارجية الأمريكي عن 12 شرطا لعودة واشنطن إلى الاتفاق النووي، من أهمها الغاء التخصيب تماما، وإخضاع مواقعها العسكرية للتفتيش، وتفكيك برنامج تطوير الصواريخ، وتغيير سياساتها، وهي باختصار شروط إذعان لا يمكن أن تقبل بها دولة مهزومة في حرب حاسمة، وبالطبع وصفتها إيران بأنها بلهاء وسخيفة، لكن الخطوة الأهم للرئيس الأمريكي ألا تمضي دول الاتحاد الأوروبي في مفاوضات ناجحة مع إيران للإبقاء على الاتفاق النووي، وإلا لن تحقق الهدف من وراء الخروج من الاتفاق النووي، لهذا لابد أن تنصاع أوروبا، وتمضي في الطريق الذي حددته واشنطن بفرض العقوبات على إيران، وهو ما أكدته الولايات المتحدة بمعاقبة أي شركة تتعامل مع طهران، وخيرت الولايات المتحدة الشركات الأوروبية بين مصالحها مع واشنطن أو طهران، وهو ما يربك دول الاتحاد الأوروبي التي تريد أن تظهر الاستقلال النسبي عن سياسة ترامب المستفزة وبين مصالح شركاتها، بينما تضغط إيران بشروطها السبعة على أوروبا، لضمان التزامها الكامل بالاتفاق النووي، وأهمها أن ترفض إجبار شركاتها على فرض العقوبات التي تقررها واشنطن، وضمان تصدير البترول، وعدم التطرق إلى برنامجها الصاروخي أو العسكري أو سياساتها، بل طلبت إدانة دولية لخروج واشنطن من الاتفاق النووي، ويبدو أن أوروبا لا يمكنها تحقيق ما تريده طهران، ولا تستطيع أن تضحي بعلاقتها مع الولايات المتحدة، وهو ما يحقق في النهاية ما يريده الرئيس الأمريكي بخروج بريطانيا وألمانيا وفرنسا من الاتفاق النووي، وتعود إيران إلى تخصيب اليورانيوم، ربما بوتيرة أسرع من السابق، لتتأزم الأوضاع في المنطقة، وتحشد الولايات المتحدة وإسرائيل الحلفاء لمواجهة القنبلة النووية الإيرانية المفترضة، لتحاول تكرار السيناريو العراقي.

ورغم أن واشنطن قد تنجح في إلغاء الاتفاق النووي مع إيران، فإن الشكوك تحوم حول قدرتها على حشد تأييد دولي قادر على حصار وضرب إيران، فالأوضاع مختلفة كثيرا عن ظروف حصار واجتياح العراق، فلم يكن لروسيا هذا الحضور القوي في المنطقة، ولم تكن بين موسكو وطهران تلك الروابط القوية القوية للغاية، ولم تكن الصين مستنفرة تجاه السياسات الأمريكية، وفي حالة شن حرب على إيران ستكون الخسائر أفدح بكثير عن حرب العراق، وغالبا ما ستتسع الحرب لتشمل المنطقة، ولهذا فإن النجاح الذي يمكن أن يحققه ترامب بإشعال الأزمات مع إيران وكوريا الشمالية لا يبدو أنه سيقود إلى مخرج آمن، سواء للولايات المتحدة أو حلفائها، وإنما سلسلة من الفوضى والأزمات.