راسم عبيدات - النجاح الإخباري - من الواضح بان نفس السيناريوهات والذرائع التي استخدمت لغزو العراق وغيره من قبل القوات الأميركية والإطلسية الغربية...امتلاك أسلحة نووية وكيماوية ...سيحاول ممثل الكارتيل الريعي الإحتكاري المتصهين ترامب تطبيقه مع ايران، ومؤشرات إنسحابه من الإتفاق النووي مع ايران الموقع عليه دولياً ظهرت من خلال العرض البهلواني والمسرحي لنتنياهو حول البرنامج النووي الإيراني، وبأن طهران تواصل تخصيب اليورانيوم، وبأن اجهزة استخباراته حصلت على وثائق طبق الاصل بالألآف تؤكد على سير طهران في مشروعها لإمتلاك السلاح النووي.

نحن ندرك طبيعة التحالف الإستراتيجي والأمرو صهيوني، وبأن واحد من أهم الأسباب للإنسحاب من هذا الإتفاق هو أمن اسرائيل ووجودها ودورها في المنطقة ،.والرئيس الأميركي والقيادة الأميركية التي تعج بالمتطرفين والصهاينة تدفع بالعالم نحو حافة الحرب والتي تدق طبولها عبر الحرب النفسية لتحقيق أهداف سياسية والضغط على الدول الموقعة على الإتفاق لممارسة ضغوط على طهران لمعاودة فتحه أو تقديم المزيد من الضمانات التي توفر الإطمئنان إلى مستقبل ودور اسرائيل وبعض دول الخليج في المنطقة.

وهذا واضح من خلال الشروط الجديدة التي تريد إدخالها اميركا على الإتفاق بعد الانسحاب منه، تمديد العقوبات لمدة عشر سنوات إضافية، فرض قيود على انتاج ايران للصواريخ البالستية والتي تطال مداياتها تل ابيب وبعض عواصم المنطقة، ومناقشة الدور الإيراني الإقليمي في المنطقة .

نحن ندرك تماماً ان الرأسمالية المعولمة والمتوحشة والتي تقوم على نهب خيرات الشعوب وثرواتها وتدمير وتغيير أنظمة حكمها اذا ما تعارض ذلك مع مصالحها واهدافها، هي مستعدة لتمزيق كل النصوص والمعاهدات والإتفاقيات حتى لو كانت دولية، إذا لم تخدم مصالحها وأهدافها، ولذلك ليس بالغريب على أميركا أن تمزق هذا الإتفاق وتلغيه، فهي انسحبت من اتفاقيات ومعاهدات سابقة، اتفاقية التجارة الحرة واتفاقية المناخ وغيرها، وفرضت عقوبات تجارية وإقتصادية على الصين، واستخدمت لغة التهديد والوعيد والعقوبات على كوريا الشمالية لتفكيك برنامجها النووي والصاروخي الباليستي .

عملياً بإنسحاب اميركا من هذا الإتفاق، فإنه دخل مرحلة الموت السريري واعلان بريطانيا وفرنسا والمانيا تمسكها بالإتفاق لن يطيل أمده طويلاً، وخاصة بأن هذه الدول لها مصالح تجارية واقتصادية ومالية واتفاقيات عسكرية وغيرها مع واشنطن، ولذلك هو لم يعد الى فرض العقوبات فوراً على طهران، بل اعطى تلك الدول مهلة لنهاية العام، حتى تعمل على تدبر أمرها فيما يتعلق بإستثماراتها ومصالحها الإقتصادية والتجارية والمالية في طهران، ويأمل أن تمارس تلك الدول ضغوطاً على طهران من أجل انتاج اتفاق جديد، وتقويض هذا الإتفاق ربما ستكون واحد تداعياته تشديد قبضة التيار المتشدد في طهران على الحكم، وتقليص دور الإصلاحيين، حيث سيقول المتشددون للشعب الإيراني انظروا الى أين قادنا هؤلاء الإصلاحيين.

وليس هذا فقط فالإلغاء ليس من أجل انتاج اتفاق جديد يضع قيود مشددة على انتاج طهران لأسلحة دفاعية مثل الصواريخ الباليستية قدرتها ومداها، بل الحد من الدور والنفوذ الإيراني في المنطقة ....وبالملموس الدور الإيراني في سوريا والعراق ولبنان واليمن وفلسطين والبحرين....فهذا يشكل خطراً على أمن ووجود ومستقبل اسرائيل والسعودية والمشيخات الخليجية... انا أنظر لهذا الإنسحاب على أنه يرتقي الى درجة اعلان الحرب...وهو يعطي الفرصة لإسرائيل والدول الخليجية للذهاب في الخيار العسكري لفرض معادلات جديدة في المنطقة، تمكن من تقليم اظافر ايران واقتلاع مخالبها ...واعلان الحرب هذا يمكن من تحقيق اصطفاف علني لما يسمى بالمحور السني " الناتو" العربي الى جانب اسرائيل في حربها على طهران ومحور المقاومة، وبما يسمح بتمرير "صفقة القرن" وشطب وتصفية القضية الفلسطينية عبر ما يسمى بالحل والخيار الإقليمي بلغة جرينبلات المتصهين وان الفلسطينيين ليسوا مقررين بذلك.

وكذلك واضح بان أحد الأهداف الأخرى هو حرف الأنظار عن نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب الى القدس في الذكرى السبعين لنكبة شعبنا وما هو متوقع من مسيرات وغضب فلسطيني شامل في الذكرى السبعين للنكبة والإحتفال بنقل السفارة الأمريكية .

الالتزام الإيراني بالتفاهم النووي ومندرجاته أو الخروج منه، وخصوصاً قرارها بالعودة إلى تخصيب اليورانيوم أو مواصلة التزامها بما نصّ التفاهم عليه من الامتناع عن تخصيب مرتفع النسبة لليورانيوم، وذلك متوقف كما قال مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران السيد علي الخامنئي والرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني، بأنّ القرار يتوقف على طبيعة الجواب الأوروبي عن سؤالين، يتصلان بالتعامل مع العقوبات التي أعلنها الرئيس الأميركي، فهل ستتمكّن إيران من مواصلة بيع نفطها؟ وهل سيتمكن المصرف المركزي الإيراني من مواصلة التعامل مع المصارف الأوروبية؟

لا تهتمّ إيران كثيراً إذا جاء الجواب الأوروبي إيجابياً، بأنّ شيئاً لن يتغيّر بعد القرار الأميركي، ما إذا كان هذا الجواب حصيلة توزيع أدوار ضمني بين أميركا وأوروبا، أو حصيلة قرار أوروبي بالصمود بوجه الضغوط الأميركية ومواجهتها، فما يهمّها بالحصيلة هو تثبيت معادلة التفاهم الأصلية على طرفيه الغربي والإيراني، وقف التخصيب مقابل المتاجرة الحرّة بالنفط والتعامل الطبيعي مع المصرف المركزي الإيراني، وهذه المعادلة وضعت قيد التنفيذ مع بدء التفاهم، وستوضع مع تعرّضه للاهتزاز للتنفيذ أيضاً.

ترامب لا يسعى إلى تهديد الشركات الأوروبية المتضررة من الانسحاب فحسب، بل يهدد وجود أوروبا كفضاء سياسي على الرغم من عدم خروجه عن الطاعة الأميركية، فترامب لم يكلف نفسه عناء التشاور والبحث مع ماكرون الذي استعطفه، ولا مع صديقته تيريزا ماي أو أنجيلا ميركيل. إنما قرر بمعزل "عن حلفائه" بحسب الوصف الأوروبي،وفرض قراره المصاحب للعقوبات على الشركات والدول الأوروبية في حال عدم الانصياع للأمر والنهي.

ترامب ربما بإنسحابه من الاتفاق النووي يراهن على محاصرة إيران وإضعافها، تعويلاً على ولادة نقمة داخلية واضطرابات أمنية واسعة تؤدي للعودة إلى نظام الشاه. لكن هذه المراهنة التي تصيب الكثير من الدول بخسائر اقتصادية، من شأنها أن تفجّر أزمات وجودية في أوروبا؛ القارة العجوز، وتؤدي إلى إعادة أميركا للتقوقع على نفسها كما عاشت قبل الحرب العالمية الأولى.

[email protected]

نقلا عن صحيفة القدس الفلسطينية