واشنطن - بشار جرار - النجاح الإخباري - هذا ليس تمنيا بقدر ما هو توقع لنتيجة السباق الرئاسي بين مرشحي الحزبين الجمهوري دونالد ترامب والديموقراطي جو بايدن. ما لست بواثق منه هو تمكن الجمهوريين من الاكتساح لحد استعادة رئاسة مجلس النواب بحيث تصبح الرئاسات الثلاثة: البيت الأبيض ومجلسا الشيوخ والنواب بيد حزب واحد وهو أمر ليس بالشائع ولا بالمستساغ في أمريكا.

تأبى نفوس الأمريكيين المساس بحرياتهم الفردية أكثر من أي شيء آخر. وتكدّس سلطة التحكم بكيفية إنفاق أموال دافع الضرائب (المواطن) بيد حزب واحد يعتبر شيئا مريبا سرعان ما تنهي إحداها (البيت الأبيض ومجلسي الشيوخ والنواب) الانتخابات التالية.

ولمقارني أوضاع تلك الحقب (٢٠٠١-٢٠٠٧) جمهوريا و(١٩٦١-١٩٦٩) ديموقراطيا، بما نحن فيه الآن، تبرز ملامح الإعداد للتغيير جلية. لا تقدم أمريكا على تلك التحولات الانتخابية سوى بالتغييرات الجذرية والكبرى: الثورية في آثارها وليس بالضرورة في أدواتها.

 كنت وما زلت من متوقعي حتمية ذلك التغيير للآثار أو كما يحلو للبعض تسميتها ب "إرث" إدارة الرئيس السابق باراك أوباما ونائبه جو بايدن. ثمان سنوات من الآثار الكارثية على مستويات عدة داخليا وخارجيا وخاصة فيما يخص الشرق الأوسط وقضيتها الأولى التي يشكك الآن بمركزتيها، القضية الفلسطينية أو النزاع الفلسطيني الإسرائيلي.

لست بحاجة لأن تكون خبيرا لاستشعار الخطر المحدق في أشبه ما يكون عملية تفجير من الداخل كتلك البنايات التي هرمت حتى جاء من يتعهد إزالتها لإقامة بناء أفضل مما كانت عليه. أو لعله مجرد توسعة لشبكة طرق سريعة غايتها ضمان تدفق السلع ومستهلكيها في المقام الأول، بصرف النظر عن شعارات التوسع السكاني والتمدد العمراني.

ترامب المقاول قبل أن يكون صانع صفقات ومن ثم رئيس يفاخر بأنه لم ينتم يوما لطبقة السياسيين، من الممكن التعامل معه انطلاقا من تصورين: إما أن يكون الرجل عبقريا خلافا لما يتهم به، وإما أن يكون تقديمه إلى عالم السياسة حاجة وطنية أميركية ملحة. صحيح أن ترامب جاهر قبل أربع سنوات ومنذ نزوله برفقة عقيلته ميلانيا من على سلم برجه الذهبي في فندقه الفخم بمدينة نيويورك، جاهر في عدائه ل"الدولة العميقة" ولل"مؤسسة" (كالحزب) وجماعات الضغط الاستهلاكية خاصة المتعلقة بالدواء (الفارما) كما يسميها في همز ولمز واضح من "مافيا" السلاح والدواء والمخدرات والاتجار بالبشر. ترامب تعهد بتجفيف "مستنقع واشنطن" الذي لا يشك منصف أنه بالفعل موجود وموغل بالقدم وقد تغول على الجميع بمن فيهم الوطنيين الأميركيين الذين أحسوا كيف تسرق منهم بلادهم أمام أعينهم وصار جليا أن تمادي "العولمة" و"الليبرالية" المتوحشة والمفرطة في تحررها لا بل انفلاتها قد شتت الأسر وخربت البيوت والمدارس ودور العبادة بآفات كثيرة ليس أقلها فتكا المخدرات والكحول والجنس "اللا معقول، وأحيانا غير الآدمي ولا حتى الحيواني"!

تنامي اليمين واكتساب اليمين المحافظ زخما غير مسبوق أفضى للأسف إلى ظهور يمين متطرف مضاد لليسار المتطرف بالاتجاه ومساو له بالقوة على رأي طيب الذكر - إسحق نيوتن في قانونه الثالث الخاص بالحركة!

قد يقول قائل، لننتظر الاقتراع، ولكل حادث حديث. لكن من يضمن بقاء "الحديث" المرفوض الآن على الطاولة؟ أدعو وبصريح العبارة إلى استدراك ما فات والاشتباك الفوري الإيجابي مع إدارة ترامب، فقد قالها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بصراحة وعلانية أنه مستعد للتوجه إلى رام الله خلال زيارته الأسبوع الماضي، لكن الدعوة ووجهت بالرفض.

لا بأس، فميزة الفلسطينيين في أي "مؤسسة" انخرطوا بالعمل تحت لوائها بأنهم مازالوا رقما صعبا في "مستنقع" السياسة! ما زالوا على الأرض، سواء في الوطن أو المهجر. ومن هنا فإن القنوات متاحة، وذلك "الباب الخلفي" الذي دخلنا فيه أوسلو طوعا أوكرها، ما زال "دوّارا"!