طلال عوكل - النجاح الإخباري - زوبعة بسيطة ومحدودة زمنيا، هذا هو الرد الفلسطيني على تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومسؤولين إسرائيليين آخرين، على موضوع تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة. يعرف نتنياهو أن ليس بوسع الفلسطينيين أن يفعلوا شيء مهم سوى إصدار التصريحات والتعهد بإفشال المخططات الإسرائيلية طالما هم على ما هم عليه. في الواقع إن الفلسطينيين على علم بتوفر الرغبة لدى عشرات آلاف الشبان في مغادرة القطاع، بحثا عن مستقبل قد يكون أفضل.

والمسؤولون الفلسطينيون على علم بالعدد التقريبي لمن غادر الوطن وبدون رجعة، وهو بتقديره يتجاوز الأرقام المعلنة التي تصل إلى نحو خمسة وثلاثين ألفا. ويعلم هؤلاء أيضا ان بعض التجمعات الفلسطينية في بعض الدول الأجنبية، أخذوا يسمون الأحياء التي يتكدسون فيها بأسماء أحياء في مناطق فلسطينية.

الأنكى من كل ذلك أن كل الفلسطينيين مسؤولين ومواطنين يعرفون حق المعرفة، بأن لدى إسرائيل مخططات قديمة لتهجير الفلسطينيين في كل الأراضي المحتلة بما في ذلك المحتلة منذ عام 1948. إذا كانت الهجرة غير منظورة بالقدر الكافي في الضفة الغربية، بعد أن أصبحت مكشوفة على نحو فاجر في قطاع غزة، فإن القدس تقدم نموذجا لمثل هذه المخططات. منذ احتلالها تتعرض القدس لسياسات منهجية فوقية لتغيير طابعها الديمغرافي لصالح اليهود، وفي سبيل ذلك تنفق الدولة عشرات مليارات الدولارات. 

صحيح أن العملية صعبة وبطيئة، نظرا لأن الفلسطيني يتمسك بوجوده على أرضه، ويصارع لمقاومة الضغوط الهائلة، لكن إسرائيل ليست في عجلة من أمرها طالما ان التحولات الديمغرافية جارية على قدم وساق.

لا تجد إسرائيل نفسها مضطرة لارتكاب حماقة التهجير القسري والجماعي، الذي قد يجر عليها انتقادات واسعة من المجتمع الدولي، لكنها لا تتوقف لحظة عن خلق الظروف الضاغطة، التي تجعل من هذه الهجرة تبدو وكأنها اختياراً طوعياً من قبل الفلسطينيين.

في سابق أيام الثورة كانت إحدى الشعارات التعبوية تقوم على فكرة أن النضال الفلسطيني يعمل لتحويل المدن والمستوطنات "الإسرائيلية" إلى أماكن غير آمنة وغير قابل للاستقرار، مما سيدفع الكثيرين لمغادرتها إلى البلدان التي قدموا منها يبدو أن هذا الشعار أو الهدف مشترك فإسرائيل تسعى لتحويل المدن الفلسطينية إلى أماكن غير قابلة للحياة مما سيدفع سكانها إلى الهجرة. 

في الواقع هذا واحد من الأهداف التي تقف وراء الحصار الطويل والبشع على قطاع غزة، وقد تلقفته مؤسسات دولية راحت تحذر من أن القطاع سيكون غير صالح للحياة الآدمية بحلول 2020. إذا كان الفلسطينيون يدركون أبعاد هذا المخطط وأهدافه مبكرا، وقد مارسته إسرائيل قبل ذلك بحق الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948، فإنهم على الأرجح يدركون أيضا أن الانقسام شكل وسيشكل عاملا قويا مساعدا على تنفيذ وإنجاح المخططات الإسرائيلية التهجيرية.

المصيبة الكبرى أن هذا الإدراك من قبل الفلسطينيين يقابله تطنيش وتجاهل لعوامل المواجهة انطلاقا من التمسك بحسابات فئوية ضيقة. يعرف أصحاب الحسابات الفئوية الضيقة الظروف والأسباب التي تمكن إسرائيل من تحقيق أهدافها، ويعرفون أيضا الأسباب والظروف التي عليهم أن يأخذوا بها للإفشال تلك المخططات، لكنهم يعتقدون ان قذف المسؤولية على الآخر تضمن لهم البراءة، ولكن عن أي براءة يبحثون؟ إسرائيل تبحث عن اتفاقات مع دول تبدي استعدادها لاستقبال وتأمين استيعاب المهجرين، وهي بمساعدة الولايات المتحدة، ستكون قادرة على تحقيق ذلك، وإذا أضفنا إليها ما يمكن أن تقدمه إسرائيل من تسهيلات، فإن وتائر التهجير ستكون متسارعة وواسعة.

ينبغي أن يدرك المسؤول الفلسطيني أن الانقسام هو شريك للمخططات الإسرائيلية التي تواصل إقفال السبل أمام توفر الحد الأدنى من متطلبات المعيشة والبقاء. بهذا المعنى فإن العنوان الصحيح لوصف فعل الرحيل عن الأرض، هو التهجير القسري لأسباب ودوافع عنصرية توسعية وعدوانية إسرائيلية.