الدكتور ناجي صادق شراب - النجاح الإخباري - استاذ علوم سياسية-غزة

أتذكر اليوم، وبعد أكثر من أربعة عقود، رؤية أو نبوءة أستاذ أجيال العلوم السياسية، الأستاذ الدكتور حامد عبد الله، العالم المصري ان إسرائيل لن تسمح بقيام دولة قوية أو موحدة على حدودها الشرقية، وان أطول حدود لإسرائيل هي هذه الحدود التي تزيد عن أكثر من ستمائة كيلو متر.

إسرائيل لن تسمح بقيام سوريا القوية او الموحدة مع غيرها من الدول العربية، ولن تسمح لما وراءها من دول كالعراق ان تكون من القوة بما يسمح لها ان تشكل نواة قوة دولة عربية قوية تختزل إسرائيل داخل حدود ضيقة وبالتالي يسهل التغلب عليها.

هذه النبوءة يمكن القول انها تتحقق اليوم وبشكل واضح في سوريا. فالوحدة التي قامت بين مصر وسوريا عام 1958 بزعامة الرئيس عبد الناصر وشكري القوتلي لم تدم اكثر من ثلاث سنوات، وجاء بعدها الحكم البعثي الطائفي، بزعامة الأسد، وبدلا من أن تتحول سوريا لدولة قوية تنصهر في بوتقتها كل الطوائف تحولت لدولة لطائفة واحدة، وهذا ما سهل اليوم إستمرار الحرب الأهلية في سوريا، وسهولة تقسيمها بما يتوافق ومصالح الدول الإقليمية والدولية.

ولعله إلى جانب العامل السياسي هناك العامل الجغرافي أو لعنة الجغرافيا التي حلت بسوريا، ومصادر النفط والغاز الكبيرة التي تحتويها أراضيها. صراع على المكان أو الجغرافيا، وصراع على الاقتصاد. ما يجري في سوريا ليس مجرد أزمة بكل تعقيداتها الإقليمية والدولية والداخلية، بل إن إستمرار الأزمة لأكثر من سبع سنوات وتهجير الملايين من أبنائها، وقتل مئات الآلاف، لهو سياسة مقصودة، فعملية التهجير والقتل الهدف منها تفريغ مناطق من كثافتها السكانية ذات الطابع الطائفي تمهيدا لتقسيمها لمناطق نفوذ بين الدول الإقليمية والدولية المهيمنة والمسيطرة على أرض الواقع، وهذه الدول هي الولايات المتحدة وروسيا وبيدهما المفتاح الأخير لإنهاء الأزمة، ثم تأتي تركيا وأطماعها في شمال سوريا والحيلولة دون قيام دولة كردية، والتوغل التركي واضح في شمال سوريا، وإسرائيل التي لن تنسحب من الجولان كما تؤكد في كل تصريحاتها، ولن تسمح بتواجد دولة عدائية كإيران على حدودها، والدولة الأخيرة التي نجحت من خلال دعم النظام السوري في الوصول على شواطئ البحر المتوسط في سوريا وبناء قواعد عسكرية ثابتة لها إيران التي تطمح أن تكتمل دائرة إمبراطوريتها على المنطقة من اليمن للعراق إلى لبنان.

هذا التواجد لهذه الدول يعكس مدى عمق الأزمة وتعقيداتها ليس من منظور أسبابها الداخلية، ولكن من منظور المصالح القومية المتصارعة لهذه الدولة. وما الضربة الثلاثية الأخيرة على سوريا إلا رسالة للنظام أن لا يتجاوز الحدود المرسومة له، وليس الهدف منها التخلص من النظام.

ولعل المفارقة في الأزمة السورية غياب التواجد العربي الفاعل والمباشر بسبب الإنقسام والتباين من الأزمة ومن النظام. واليوم تطالب الولايات المتحدة بتواجد لقوات عربية تحل محل القوات الأمريكية .

والمفارقة ان أحد أهم أسباب هذا الغياب العربي أن الموقف العربي يطالب بوحدة سوريا في مواجهة المشاريع التقسيمية التي تطالب بها الدول الأخرى.

ولو نظرنا إلى الخريطة السياسية القائمة على أرض الواقع سنجد تقسيما قائما يحتاج فقط إلى رزمة سياسية من خلال تسوية ملزمة توافق عليها هذه الدول. فمنطقة غرب الفرات تسيطر عليها القوات الروسية والإيرانية، وشرق الفرات تسيطر عليه القوات الأمريكية وحلفائها، والجولان تسيطر عليها إسرائيل منذ عام 1967 وتحاول فرض شرعية قوة على إحتلالها من خلال إتفاق دولي بشأن سوريا.

ويسيطر النظام السوري على وسط وغرب البلاد وهي مساحة ليست قليلة.

وما زالت منطقة إدلب مفتوحه للصراع ولم تحسم أي من الأطراف مصيرها. ومما قد يسرع في عملية تفكيك سوريا وتقسيمها إلى دويلات مذهبية أن هذا الهدف مشترك لكل الأطراف الإقليمية والدولية، وخصوصا إسرائيل، وذلك مع تراجع الدور العربي. والولوج لهذا السيناريو قد يكون بالحرب بين إسرائيل وإيران على أرض سوريا، بقرار إسرائيلي تحت ذرائع كثيره، وعلى مرأى وسمع الولايات المتحدة التي قد تعطي إسرائيل الضوء الأخضر، وروسيا التي ستنأى في الدخول في مواجهة مع الولايات المتحدة.

وهنا يأتي دور كل منهما بالتدخل لوقف الحرب وفرض تسوية سياسية على جميع الأطراف يعترف بها بمناطق النفوذ لكل طرف. وهذه البداية لإعادة رسم الخارطة السياسية الجديدة للشرق الأوسط على أسس من توازن القوى الجديد.

[email protected]

عن صحيفة القدس