النجاح الإخباري -  بعد انقطاع دام سبعة أشهر بدأت سلع أساسية عدة، كالخضروات والفاكهة والطحين، تدخل الأسواق في محافظتي غزة والشمال بعد السماح لشاحنات المساعدات والبضائع التجارية بالدخول لهذه المناطق التي وصلت لحافة المجاعة

فرحة كبيرة عاشها سكان محافظتي غزة والشمال؛ فهذه المرة الأولى التي يرون فيها توافرا ملحوظا في الفواكه والخضر والدقيق وسلعا أخرى في الأسواق منذ السابع من أكتوبر تشرين الأول.

كانت معاناة أهل غزة والشمال مضاعفة، ومأساتهم الإنسانية أكبر. فبالتزامن مع شعور الخوف والقلق من القصف المتواصل، كان هناك من يموتون بسبب الجوع أو سوء التغذية.

لكن فرحة السكان بظهور السلع منقوصة، فمشكلة نقص السيولة التي يعاني منها القطاع بشكل عام تتفاقم في الشمال

ورغم الانخفاض الكبير في أسعار السلع الأساسية مقارنة بالوضع السابق، لا يستطيع كثيرون الحصول عليها حتى وإن توافر المال في حساباتهم المصرفية.. فالبنوك وماكينات الصرف الآلي دُمرت بشكل شبه كامل، ومحال الصرافة الموجودة تتقاضى عمولة باهظة.

واختلطت فرحة سكان الشمال بعودة السلع للأسواق بالأسى لعدم توافر المال لشرائها.

* المقلوبة والدجاج

قال محمد أبو الحسنى، أحد سكان الشمال، "منذ أشهر لا نجد ما نأكله. وصل بنا الحال لأكل الحشائش وإطعامها أطفالنا. لأول مرة منذ بداية الحرب تتوفر مكونات أكلة المقلوبة. أطفالي يشعرون بسعادة غامرة لأنهم سيتناولون الطعام الذي حُرموا منه على مدى أشهر".

لكنه أضاف "المشكلة الكبرى التي نعانيها الآن شح السيولة. حاولت الحصول على المال لشراء ما يلزمني وأطفالي، وتمكنت من الحصول على مبلغ 500 شيقل (132 دولارا)، لكن كانت نسبة الفائدة كبيرة، والبعض يستغل حاجتنا للمال".

وتحدثت أم علاء عن فرحة أطفالها لأنهم سيتناولون الدجاج الذي حرموا منه لأشهر، وقالت "أطفالي لم يأكلوا اللحوم منذ بداية الحرب، وحتى في رمضان لم نكن نتناول الطعام الذي نشتهيه، كنا نفطر على الخبيزة؛ أما اليوم وبعد دخول السلع وانخفاض الأسعار عن السابق، أصبح الوضع أقل صعوبة علينا في توفير الطعام لأطفالنا".

وواصلت حديثها "رغم أننا نجد صعوبة في الحصول على السيولة اللازمة، والبعض يستغل حاجتنا للمال ويرفع سعر الفائدة، نضطر لدفعها لكي نطعم أطفالنا". 

وقال أحد العاملين في محال الصرافة بشمال غزة، طالبا عدم ذكر اسمه، إن نفاد السيولة النقدية من شمال القطاع يضطر المواطنين إلى دفع عمولات باهظة قد تتراوح بين 20 و30 في المئة للحصول على التحويلات المالية.

* استغلال للأزمة

ويؤكد المواطن سعيد عبد ربه هذا الحديث قائلا "لقد دخلت السلع التي نحتاجها والتي حرمنا منها على مدار أشهر، لكن ببساطة لا مال لدينا لشرائها". 

وتابع حديثه "منذ أسابيع وصلت لي حوالة وأحاول الحصول على المال، لكن حتى الآن لم أتمكن من ذلك. أحد محال الصرافة طلب عمولة وصلت إلى 30%. وإذا بقيت الحال على ما هي عليه الآن، فسنعود إلى زمن المقايضة". 

وأضاف "هذه الأزمة تزيد من همومنا، ولا بد من حل عاجل".

ويرى الخبير الاقتصادي شادي حمد أن شح السيولة الذي يعانيه سكان قطاع غزة سيؤثر بشكل أساسي على التعاملات التجارية واليومية، وسيزيد من صعوبة تنفيذها.

وقال "التعاملات التجارية في فلسطين تعتمد على السيولة المباشرة وعلى الشيكات إذا كان البيع آجلا؛ والحالة الاقتصادية والأمنية في غزة تسببت في تعقيد الوضع المالي، فالطلب أكبر بكثير من السيولة المتاحة".

ومضى قائلا "طرأ انخفاض كبير على سعر بعض أنواع السلع وتحديدا الطحين الذي يعد سلعة أساسية لا غنى عنها، لكن شح السيولة يُعقّد ويُصعّب الحصول عليه. البعض يلجأ للاستدانة، والبعض يتوجه لمحال الصرافة رغم استغلال بعضها حاجتهم".

وأضاف "قد يلجأ المواطنون للمقايضة في هذه المرحلة، فالبعض حصل على معونات وأصناف متكررة لسلع لا يحتاجها وبالتالي يلجأ للمقايضة، لكن الأهم أن يكون هناك مراقبة وثبات للأسعار".

* أزمة متفاقمة

يواجه قطاع غزة بشكل عام أزمة سيولة مالية بالتزامن مع منع دخول ونقل الأموال وتدمير غالبية البنوك ونقاط الصراف الآلي.

وأعلنت سلطة النقد الفلسطينية في بيان أنه تعذر فتح فروع للبنوك لعمليات السحب والإيداع في محافظات القطاع كافة بسبب القصف والظروف الميدانية القاهرة وانقطاع التيار الكهربائي والواقع الأمني. وقالت إن أزمة السيولة تفاقمت مع خروج معظم أجهزة الصراف الآلي عن الخدمة.

وقبل الحرب، تم الترخيص لما يقرب من 400 فرع بنكي ومكتب مصرفي وتشغيلها في أنحاء غزة والضفة الغربية، وفقا لبيانات سلطة النقد الفلسطينية.

وذكر بيان سلطة النقد أنها تتابع شكاوى سكان القطاع حول عمليات ابتزاز واستغلال يقوم بها أشخاص وتجار وبعض أصحاب محال الصرافة غير المرخصة.

وشح السيولة لا يقتصر على محافظتي غزة والشمال، فهناك مليون و500 ألف نازح في رفح والمحافظات الوسطى يعانون أيضا من نقص السيولة. ويعد جهاز الصراف الآلي لبنك فلسطين المصدر الوحيد للأموال النقدية المتاحة للنازحين إلى المدينة.