النجاح الإخباري - أجهشت الفلسطينية آية صابر (38 عاما) وأطفالها الأربعة بالبكاء بعدما فوجئوا بدبابات الاحتلال على مدخل الخيام التي نزحوا إليها منذ أكثر من شهرين ونصف الشهر في منطقة مواصي خان يونس بقطاع غزة، التي توغل فيها الجيش الإسرائيلية بشكل مفاجئ.

تتسلل العائلة في الظلام الدامس وسط إطلاق الرصاص الكثيف لنحو مئتي متر باتجاه معاكس لتمركز الدبابات، متجهة إلى منزل ريفي تنزح فيها بعض العائلات بحثا عن مكان تحتمي به، لكن المنزل كان به عائلات كثيرة جاءت من الخيام لذات الهدف.

تحتضن الأم طفليها الصغيرين أمل (ست سنوات) ويوسف (ثلاث سنوات سنوات)، وتضع الاثنين الأكبر منهما بجانبها وهي تستند إلى حائط خارجي جالسة على الأرض في أجواء الشتاء الباردة، محاولة تهدئة روعهم وأجسادهم ترتجف خوفا وبردا.

يمضي الوقت والعائلة على حالها، وتعجز الأم عن العودة إلى خيمتها لجلب بعض الأغطية لأطفالها، حتى يقفز أحد المحتمين بهذا المنزل الريفي ليمنحها بطانية صغيرة خرج بها من خيمته لتغطي بها أطفالها.

يتناثر رصاص قوات الاحتلال أمام أعينهم ويضيء لهيبه سماء المنطقة حالكة الظلمة مع استمرار دوي الانفجارات، فتتضاعف حالة الخوف لدى النازحين خشية استهدافهم بطريقة عشوائية مع كثافة إطلاق النار في كل الاتجاهات.

واندفعت عشرات الدبابات وآليات جيش الاحتلال بصورة مفاجئة نحو عمق مواصي خان يونس انطلاقا من المدينة التي اجتاحتها قوات الاحتلال في الخامس من ديسمبر كانون الأول، لتصل إلى الطريق الساحلي وتحاصر النازحين في المنطقة وسط كثافة نارية سبقها قصف جوي لمحيط المواصي.

توضح آية وهي تبكي أنها ظلت تتنقل من مكان لآخر بحثا عن ملاذ آمن لأطفالها منذ مغادرة منزلها في وسط خان يونس، وقالت إنها لا تتخيل أنه بعد النزوح يمكن أن يلحق أذى بفلذات أكبادها.

وقالت الأم لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) "أدعو ربي ليل نهار بالنجاة من هذه الحرب، وإن لم يكن فنكون جميعا قتلى حتى لا أرى أحدهم ممزقا أمامي، لذلك فأنا أحتضنهم وأجعلهم جميعا بجانبي حتى إذا جاء الأجل نكون معا".

تستمر هذه العائلة وغيرها من العائلات النازحة في الاحتماء بالمنزل الريفي، وتوزعوا بين جنباته حتى بزوغ شمس النهار والتيقن من انسحاب آليات جيش الاحتلال من المنطقة، لتعود أدراجها إلى خيامها على أمل ألا تعيش من جديد هذه الساعات المرعبة.

* لحظات مرعبة

إذا كان هذا حال من يبتعدون مئات الأمتار عن الطريق الساحلي الذي انتشرت فيها الدبابات، فإن النازحين على طرفي الطريق مباشرة عاشوا لحظات مرعبة والدبابات ملاصقة لخيامهم تماما بينما ينهال الرصاص فوق رؤوسهم وهم يتمددون على الأرض.

أحمد موسى (57 عاما) النازح مع عائلته من مدينة غزة مرورا بمخيم النصيرات وسط القطاع فخان يونس ثم رفح قبل نزوحه إلى مواصي خان يونس، لم تغمض له عين طيلة الليل والدبابات الإسرائيلية مجاورة لخيمته وعُرش أشقائه وشقيقاته، الذي ظلوا يكررون الشهادة خشية استهدافهم في أي لحظة.

ويقول موسى إنه لم يصدق أنهم بقوا على قيد الحياة إلا بعد طلوع النهار، خصوصا وأن الجميع كان يعتقد أن الدبابات ستدهس خيامهم وأجسادهم، واصفا ما مر به بأنها "لحظات رعب كان الموت فيها أقرب من الحياة".

وأضاف الرجل غاضبا "فررنا من كل الأماكن ونزحنا إلى حيث يوجهنا الجيش الإسرائيلي لكن دون فائدة، الآن كل المناطق معرضة للاجتياح والقصف، فأين يمكننا النزوح؟".

وتابع قائلا "لا نتمنى سوى تهدئة توقف هذا الموت المستمر وإلا فليس أمامنا سوى البحر، وإذا لم نمت قصفا فلنمت غرقا".

وتسببت العملية العسكرية البرية التي استمرت لساعات قبل انسحاب جيش الاحتلال فجر الأربعاء في سقوط شهداء ومصابين بين النازحين الفلسطينيين في المواصي، التي تصنفها إسرائيل ضمن المناطق القليلة الآمنة وتوجه الفلسطينيين للنزوح إليها.

وبموازاة حالة الصدمة التي أصابات الكبار جراء تمركز دبابات الاحتلال أمام خيامهم، فإن ملامح الخوف الشديد ما زالت تسيطر على الأطفال مما عايشوه خلال ساعات الليل وهم ينظرون إلى آثار جنازير الدبابات على الأرض قبالة خيامهم.

يأبى قصي (ست سنوات)، الذي اعتاد بدء نهاره باللهو مع أشقائه وأبناء عمومته، التحرك من مكانه والابتعاد عن أمه التي تحاول تشجعيه مع الصغار الآخرين للعب بكرة قدم، لكن ساعات الموت التي عاشوها خلال الليل حرمتهم من الإحساس بالأمان كما تقول الأم، التي تبدو حائرة في كيفية تجاوز حالة الرعب المسيطرة على طفلها وبقية أقرانه.

وقالت الأم (34 عاما) إنها بالكاد نجحت في تجاوز الأوضاع النفسية المتدهورة لقصي وأشقائه جراء قصف منزل قريب من مكان سكنهم قبل النزوح، معتبرة أنها ستبدأ رحلة جديدة في تهدئة روع صغارها.

وأضافت "عذاب النزوح بكل تفاصيله مع الحرمان وافتقاد أبسط مقومات الحياة موجع للغاية، والأكثر وجعا الأوضاع النفسية للأطفال نتيجة الحرب والقصف والخوف، هم يتساءلون باستمرار متى سنموت؟".

وتابعت الأم قائلة بحسرة "اليوم تفاقمت أوضاعهم النفسية بصورة غير مسبوقة لنعود لمربع الخوف الأول، تخيل أطفال بجانب الدبابات والرصاص طوال الليل، كيف يتصرفون في اليوم التالي؟ بالطبع تنقلب حياتهم رعبا وخوفا".