النجاح الإخباري - تهدد الأزمة المالية غير المسبوقة التي تشهدها وكالة الغوث الدولية "الأونروا" مصير نحو 121 ألف طالب وطالبة، من أبناء اللاجئين الفلسطينيين في المملكة الأردنية الهاشمية، بمغادرة مقاعد الدراسة عقب إغلاق 171 مدرسة تابعة للوكالة، وذلك عند توقف خدماتها، مطلع أيلول (سبتمبر) القادم، ما لم تُسارع الدول المانحة لتغطية مأزقها الخانق.

وقد يُضاف غالبية هؤلاء الطلبة إلى نحو 600 ألف من أقرانهم الذين يتلقون تحصيلهم الدراسي حالياً في المدارس الحكومية، مما يشكل عبئاً ثقيلاً على الأردن، مرشحاً للتفاقم، لدى المساس بـ 25 مركزاً صحياً، يستقبل 1.5 مليون زيارة مرضية سنوياً، وحرمان 59 ألف لاجئ مستفيد من برنامج الأمان الاجتماعي.

ويزداد الأمر سوءاً عند إغلاق 14 مركزاً نسوياً، يقدم الرعاية والدعم للاجئات اللواتي يعلن قرابة 14% من إجمالي الأسر المعيشية للاجئين الفلسطينيين، بينما تصل النسبة إلى 46% ضمن حالات العسر الشديد.

ويعد القطاع التعليمي الأكثر تضرراً، في حال عدم تجاوب المانحين مع نداءات "الأونروا" المتكررة بالدعم، باعتباره الحلقة الأضعف في دائرة خدمات الوكالة؛ الصحية والتعليمية والإغاثية، المقدمة لأكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني مسجلين لديها، منهم زهاء مليوني لاجئ في الأردن، بنسبة 42% تقريباً.

ويقتطع قطاع التعليم الحصة الأكبر حجماً من ميزانية "الأونروا"، بنسبة 45-50%، كما يستحوذ على النصيب الأوفر عددياً من الموظفين العاملين بالوكالة بنحو 5 آلاف، ما بين معلم ومدير، من إجمالي 7 آلاف موظف بالأردن"، وفق حديث مصادر مطلعة في "الأونروا" لصحيفة "الغد" الأردنية.

فيما تصبح معايير حجم الكادر التعليمي والإداري والمنشآت التابعة للقطاع التعليمي والتحصيل العلمي للطلبة، ضمن 171 مدرسة، تضم أكثر من 120 ألف طالب وطالبة، وجامعة وكليتي مجتمع ومركز تدريب مهني، عرضة للتهديد، أيضاً، وسط المسار المتأرجح لمصير كلية "العلوم التربوية والآداب" الجامعية عند الدفع باتجاه تقليص الخدمات، أو الحديث عن مسار التطوير التربوي والتأهيل وإعادة الهيكلة، منذ تأسيسها في العام 1993.

وكان المفوض العام للأونروا، بيير كرينبول، قال في مؤتمر للمانحين الدوليين بشأن سورية في بروكسل الاسبوع الماضي، إنه "قد لا يتم فتح المدارس في بداية العام الجديد؛ بسبب عجز التمويل في أكبر أزمة تمويل نواجهها على الإطلاق".

وطبقاً لنفس المصادر فإن تحذير "الأونروا"، مؤخراً، من تبعات أزمتها المالية غير المسبوقة يعد بمثابة جرس إنذار قد يهدد مصير خدماتها المقدمة للاجئين الفلسطينيين، ويمس عملها ووجودها، في حال تقاعس الدول المانحة عن تغطية العجز المالي المتفاقم في ميزانيتها العامة".

وقد أنهت الوكالة عام 2017 بعجز مالي يبلغ نحو 49 مليون دولار، بينما تقدر ميزانيتها للعام 2018 حوالي 750 مليون دولار، في حين لم يخرج اجتماع اللجنة الاستشارية للأونروا، مؤخراً، بالنتائج المرجوة، على صعيد تغطية الأزمة المالية الخانقة التي تشهدها الوكالة حالياً.

وبحسب المتحدث الرسمي باسم "الأونروا"، سامي مشعشع، فقد "بلغ دعم المانحين، حتى الآن، قرابة 200 مليون دولار فقط"، محذراً من "عجز الوكالة عن تقديم خدماتها للاجئين الفلسطينيين، مطلع أيلول (سبتمبر) القادم، في كافة الأقاليم، إذا لم يتم تدارك الأزمة المالية التي تعاني منها".

بيد أن الدول المضيفة للاجئين، وفي مقدمتها الأردن بصفتها أكبر مانح ومضيف، أكدت لأكثر من مرة رفضها المساس بخدمات "الأونروا" وبمهام وجودها، مقابل ضرورة دعمها دولياً حتى تتمكن من الاستمرار في عملها وأداء المهام المنوطة بها أممياً، مع أهمية تأمين الميزانية العامة وتأمين احتياجاتها الأساسية.

وتعتبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بالأردن، كما مناطق عمليات "الأونروا" الأخرى وهي سورية ولبنان والضفة الغربية وقطاع غزة، الأكثر انكشافاً للأزمة المالية للوكالة، نتيجة تخفيض المساعدات الأمريكية المقدمة إليها، وتراجع مسار الدعم الدولي غير المسبوق راهناً.

وكانت الولايات المتحدة قدمت للوكالة نحو 60 مليون دولار فقط، من إجمالي تبرعات وصلت مقدارها 350 مليون دولار في عام 2017، كأكبر مانح منفرد للوكالة.

ويؤدي التراجع في حجم تبرعات الدول المانحة "للأونروا"، إلى اضطرار الأخيرة لتقليص منسوب الخدمات المقدمة للاجئين الفلسطينيين أو وقفها كلياً، بينما تتكبد الحكومة مسؤولية سد النقص القائم بالإنفاق والخدمات، في ظل انعكاس الوجه القاتم للأزمة في ساحات المخيمات، إزاء شظف المعيشة وارتفاع نسبتي الفقر والبطالة ضمنها.

وتقدر قيمة ما يتم إنفاقه سنوياً من قبل الدولة، بحسب دائرة الشؤون الفلسطينية، "بأكثر من مليار و200 مليون دينار، في مختلف القطاعات الحياتية، على اللاجئين الفلسطينيين، سواء المقيمين منهم داخل المخيمات، أم خارج المخيمات"، حيث يقيم زهاء 350 - 400 ألف لاجئ فلسطيني ضمن 13 مخيماً متوزعاً في أنحاء متفرقة بالمملكة.

من جانبه، حذر كل من "مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات" و"منتدى الحوار اللبناني- الفلسطيني" من مخطط تصفية "الأونروا"، وشطب قضية اللاجئين الفلسطينيين، عبر توطينهم ضمن أماكن تواجدهم.

ورأى تقرير صادر عن حلقة نقاشية مشتركة حول "مخططات تصفية الأونروا: السياق والأبعاد والآفاق وسُبُل المواجهة"، عقدت مؤخراً في بيروت، أن "استهداف "الأونروا" يرمي لإضعاف الشعب الفلسطيني وتصفية العودة، وليس حق العودة باعتباره حقاً أصيلاً لا يمكن إضعافه".

وتوقف المشاركون عن السيناريوهات المحتملة للأزمة الراهنة؛ عبر تجاوز "الأونروا" للأزمة، أو شلها وتعطيل دورها، أو تغيير تفويضها، ودمجها ضمن صلاحيات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.