النجاح الإخباري - إذا كانت الاعاصير التي تختص بها الولايات المتحدة كل عام وتعطي لها أسماء رومانسية، من صنع الطبيعة وتحولاتها، فإنها أرحم على الولايات المتحدة من الإعصار الاجتماعي الذي يضرب البلاد طولا وعرضا إثر جريمة قتل جورج فلويد بدوافع عنصرية.

يمكن ترميم وتحمل الاثار المدمرة التي تنجم عن ثورات العواصف، غير أن قتل إنسان على خلفية لون بشرته وما يرمز إليه ذلك في أعماق المجتمع الأمريكي، يبدو أمراً غير قابل للاحتمال.

المسألة ليست مسألة خسائر مادية فقط وهي كبيرة، فالاقتصاد الامريكي الضخم يمكنه أن يتحمل التبعات ولقد خصص الكونغرس اكثر من ستة تلريونات من الدولارات لمواجهة جائحة كرورنا لكن كل تلريونات الولايات المتحدة ليس بوسعها أن ترمم الانقسام العميق، الذي ينجم عن تجاوز القانون والعودة من خلال الممارسة السياسية والاجتماعية العنصرية الى ما قبل اقراره.

امريكا امبراطورية العصر ولكنها كما كل الامبراطوريات لها بدايات ولها نهايات، خاصة اذا ابتليت بقيادات وسياسات كالتي تقف على رأس الادارة الحالية.

لا بد ان ترامب من واقع خبرته المهنية وطبيعة العمل الذي يختص به، قد استشعر إمكانية تدهور وتراجع المكانة التي تحظى بها الولايات المتحدة، باعتبارها القوة الاعظم التي تقف لوحدها منذ ثلاثة عقود على رأس النظام العالمي، الذي أعلن قيامه من الكويت الرئيس الاسبق جورج بوش الاب عام 1991.

غير أن خبرة ترامب المحدودة في السياسة جعلته يدور كالثور في كل اتجاه، كالغريق الذي يمكن ان يغرق هو ومنقذه اذا تصرف بطريقة انانية فاحكم يديه على رقبة المنقذ حتى قتله خنقا.

الولايات المتحدة دولة رأسمالية وقد اكد اهل العلم من الفلاسفة الكبار، كما اكدت وقائع التجربة التاريخية انها تمر في ازمات كبرى لكنها سرعان ما تتكيف وتجدد آلياتها وتعود للتقدم.

حين تقع مثل هذه الازمات يبادر اصحاب القرار الى شن هروب خارجية او اتخاذ اجراءات قاسية داخلية لتجاوز الازمة، لكن الاعصار الذي يجتاح امريكا في هذه الايام يأتي في ظل حروب خارجية ساخنة وباردة عموما، واجراءات داخلية قاسية، حين تخرج من اعماق المجتمع والثقافة اسوء ما يمكن ان يصيب مجتمع من الامارض.

منذ ان جاء ترامب الى الحكم قاده ظنه الخائب انه يستطيع تعزيز مكانة وعظمة الولايات المتحدة، فاتبع سياسات خارجية لم تبقِ لبلاده صداقة او صديقاً. لوقف تقدم الصين السريع نحو تغيير مراكز القوة، والتحول الى نظام عالمي متعدد الاقطاب اتبع ترامب سياسات معادية للأمم المتحدة ولحفائه الاوروبيين ولدول امريكا اللاتينية والمهاجرين بالبلاد.

وعلى مستوى آخر اعتقد انه يمكن يتاجر بالحماية الامريكية مقابل المال، لكن النتيجة انه حصل على مال كثير بدون ان يحقق الحماية والامن والاستقرار لمن دفعوا له المال.

إسرائيل فقط هي الدولة الوحيدة التي حظيت بدعم غير مسبوق بدون ان تدفع دولار واحدا، ومن المرجح أن يكون السبب بالإضافة إلى تلاقي المصالح الاستعمارية التوافق العنصري والذي جعل ترامب يختار اغلبية اعضاء ادارته من اليهود الامريكيين.

نجح الرئيس السابق براك اوباما في تجاوز الازمة الاقتصادية التي ضربت الولايات المتحدة عام 2008، لكنه لم ينجح في إنهاء تلك الازمة تماما، فالأزمة شأنها شأن جائحة كورونا تضرب ثم تخف ثم تعود وتضرب من جديد.

اكثر من مسؤول امريكي قال إن الولايات المتحدة تعاني من أزمة ركود اقتصادي من شهر فبراير من هذا العام، وما كلن للطريقة التي عالجت من خلالها إدارة ترامب أن تعالج ذلك الركود إلى أن انفجر الوضع على خلفية قتل فلويد مما أدى إلى تعميق الأزمة أكثر فأكثر.

ترامب بدلا من أن يتعقل ويعلن موقفا صريحا واضحا في إدانة السلوك العنصري والدعوة لمقاومة ظهور هذه الجائحة الكريهة، اخذ يتعود مواطني بالويل والثبور.

هدد ترامب بنشر الجيش وسمح بقمع المتظاهرين في واشنطن ووصف المحتجون على أنهم حرامية ولصوص، الامر الذي لقي معارضة واسعة من قبل وزير الدفاع وحكام ولايات واعضاء كونجرس من الحزبين.

حين يصل الجنون بالرئيس ترامب بان كولن باول الجمهوري ورئيس هيئة الاركان المشتركة في عهد بوش الابن بانه السبب في الحرب المدمرة في العراق، واعترافه بأن العراق لم يكن يملك أسلحة دمار شامل، فان الأمر يخرج عن المألوف.

للإساءة لمسؤول سابق اسود البشرة ونقصد باول كرد فعل على موقفه من سياسة ترامب يضع الرئيس بلاده في موقع الاتهام والادانة. أن ما يجرى على الساحة الامريكية الداخلية يشير إلى تفاقم الانقسام وتفاقم الممارسات العنصرية مما يشير الى امكانية تفكك هذه الامبراطورية في اجال غير بعيدة.