طلال عوكل - النجاح الإخباري - خمس سنوات مرت على العدوان الاسرائيلي، الأكثر دموية و بشاعة واجراماً ودماراً، والأطول منذ عقود لم ينجح في تحقيق الأمن لا للإسرائيليين ولا للفلسطينيين.

اسرائيل التي اتخذت في سبتمبر عام2007 قراراً باعتبار غزة كياناً معادياً، كانت مذاك تحاول تكريس واقع يستند إلى الانقسام الفلسطيني، لتأسيس قواعد قانونية وعملياتية، تسمح لها بالتصرف خارج القواعد والقوانين التي تحكم العلاقة بين الاحتلال والشعب المحتل، ومذاك تتعامل دولة الاحتلال مع قطاع غزة، باعتباره كياناً منفصلاً عن الأراضي التي احتلتها، ولا تزال منذ عام 1967 .

القوة الاسرائيلية الغاشمة متواجدة في الضفة و غزة والقدس، لكن قرارها بالتعامل مع قطاع غزة باعتباره خارج مسؤوليتها الاحتلالية، يسمح لها باستباحة الدم الفلسطيني بدون حساب. أكثر من الفين و ثلاثمائة شهيد وأحد عشر ألف جريحاً ،بالإضافة إلى آلاف البيوت والوحدات السكنية والمؤسسات التي تعرضت لدمار كامل أو جزئي لم تكن كافية لكي يتحرك المجتمع الدولي لتأمين اسرائيل أو ردعها أو الزامها بالتزام القوانين الدولية التي تنظم العلاقة بين الاحتلال والشعب الذي يقع تحت قبضته الحديدية، ربما يتوجب تذكير الفلسطينيين الذين صنعوا بأيديهم صفحة الانقسام، سواء نتيجة جهل بالحسابات، أو طمع في تحقيق المكاسب السلطوية، بأن ذلك الانقسام يشكل مكسباً صافياً للاحتلال، بدون أن يتمكن أي طرف فلسطيني من الاحتفال بما أعتقد أنه حققه من مكاسب، ويتوجب التذكير أيضاً بأن الهدف الاساسي لذلك العدوان البشع، كان منع انطلاق قطار المصالحة نحو استعادة الوحدة الوطنية.

لقد جاء العدوان بعد أقل من ثلاثة أشهر على ما يعرف باتفاق الشاطئ، الذي شكل المقدمة لتشكيل حكومة الوفاق الوطني، برئاسة الدكتور رامي الحمد الله، لم يكن في وارد اسرائيل اطلاقاً أن يكون هدف العدوان التخلص من سيطرة حماس على السلطة في غزة، ولا القضاء على القدرات العسكرية لفصائل المقاومة، لأن بقاء الانقسام يشكل ذخراً استراتيجياً لدولة الاحتلال، الأمر الذي يسهل على اسرائيل تنفيذ مخطط فصل قطاع غزة، وانهاء فكرة السلام على أساس رؤية الدولتين.

من كان لا يصدق من الفلسطينيين بات اليوم يعترف ويدرك تماماً مدى خطورة استمرار الانقسام " لكن دخول الحمام ليس كما الخروج منه" ، كما يقول مثل شعبي، أوقع الفلسطينيون أنفسهم في الفخ الذي نصبه لهم شارون منذ قراره إعادة الانتشار من غزة، و تدمير المستوطنات التسعة عشر المقامة على أرضها ،وسمح للبعض أن يحتفل بأن غزة قد تم تحريرها بفضل المقاومة، وكانت المقاومة في غزة قبل ذلك، أقوى منها في الضفة الغربية. على أن تلك الحرب شكلت اختباراً للقوى، واختباراً للاستراتيجيات العسكرية لإسرائيل، التي اعتمدت مبدأ الحروب الخاطئة، و تحييد جبهتها الداخلية عن الخطر، من خلال حسم المعركة على أرض الخصم.

اسرائيل لم تخطط لإدامة العدوان إلى واحد و خمسين يوماً، انتهت عملياً إلى ما انتهى اليه عدوانها عام 2012، حيث ظلت العلاقة بين اسرائيل وغزة مرهونة بمعادلة "لا حرب ولا سلم" ، وظهر خلالها بأن المقاومة راكمت المزيد من وسائل القوة،إلا أن بدأت تتصاعد الشكاوى في اسرائيل من تراجع قدرتها على الردع.

اسرائيل المحكومة لحسابات الاستراتيجية وأهدافها الخبيثة، التي تقوم على ضرورة الاستفادة القصوى من الانقسام الفلسطيني، تواجه اليوم أوضاع صعبة في ظل تزايد قوة المقاومة في غزة، الأمر الذي يضع الطرفين كل في مأزق خاص به، فلا نتنياهو قادر أو يرغب في شن عدوان واسع على غزة، لا هدف له سوى الانتقام، ولا المقاومة قادرة على ارغام اسرائيل على رفع الحصار.

اذا كانت اسرائيل عالقة بين خيارات التعامل مع الأمر الواقع،  الذي تفرضه مسيرات العودة، فلا هي قادرة على شن عدوان واسع ،ولا هي مستعدة للالتزام بالتفاهمات التي تتوسط فيها مصر والامم المتحدة، فان الفلسطينيين أيضاً عالقون، مما يرتب عليهم اعادة النظر في ما يقومون به، بينما هم عاجزون عن انجاز المصالحة باعتبارها الخيار المفتاحي للخروج من المأزق.