عهود الشوبكي - النجاح الإخباري - هل سبق وأن فكرت كيف تحصل على الذهب؟ ذلك الأصفر اللامع الذي ضربت به الأمثال بكل شيء أصيل لا يتغير مع الزمن، حلية النساء ومهر لا يكتمل زواج إلا به.

في أحد شوارع نابلس وتحديدًا في سوق الذهب يبدو كل شيء جذابًا وجميلًا، خلف هذا الزجاج تختبئ الحكايا في آلاف العيون التي اشتهته، ومئات الأيادي التي أرادته، دخلنا أحد المحلات وقابلنا "غسان مقبول" رئيس نقابة الذهب الذي بدأ حديثه على غير المعهود: "هذه بضاعتنا المهربة والقانونية في الوقت نفسه، فلا يوجد ذهب في كل فلسطين إلا وأتى من الخارج من خلال التهريب، والسلطة على دراية بذلك".

تهريب الحلي

يتابع مقبول حديثه، قائلًا: "من أين نحصل على الذهب، هل لدينا منجم هنا، بالطبع لا، ولا يخلو الأمر من محاولات عبثية قد تنجح في حالات نادرة جدًا في البحث عن الذهب في رؤوس الجبال، وهو أمر لا يطيقه التاجر ولا ينسجم أبدا مع مبدأ التجارة والاستمرارية في العمل، وفي فلسطين لا يوجد إلا في الخليل مصنع يحاول شراء الأدوات اللازمة لمصفاة الذهب".

ويقول "حسان البرقاوي"، تاجر الذهب: "لا يوجد لدينا كليات لتصميم الذهب والصياغة، وهذا الأمر دفعنا للتهريب من الخارج".

أما أمجد البزرة أحد تجار الذهب، فيقول: "لا توجد لدينا سلطة نقد تبيعنا بالبنك سبائك الذهب، فنقوم بشرائها من الخارج والتهريب لداخل البلاد، ورغم أنَّ الذهب في أصله يُهرَّب من الخارج إلا أنَّ رقابة تفرض عليه، ولا بد أن تحصل المحلات التي يزيد عددها عن أربعمئة محل في الضفة على ترخيص للتجارة بالذهب، وأي قطعة غير مختومة يمكن أن يغلق المحل بسببها أو يدفع غرامة تصل من (300- 500) دينار، فكل قطعة قبل دخولها إلى المحل لا بد أن تصل إلى وزارة الاقتصاد قسم الدمغة لختمها في البداية، وهذا مدخل جيد للناس ليميزوا الذهب الأصلي من المغشوش فلا بد أن يفتشوا على الختم، حتى يتمكنوا من بيعه إذا أرادوا مستقبلا بسعر قريب من شرائه".

استثمار وادِّخار وأمان... بركات أبو عمار

يعتبر الذهب وسيلة للاستثمار عند البعض، وادِّخار عند الآخرين، ولم يكن لسوق الذهب أن ينتعش لولا القانون الذي سنَّه الرئيس الفلسطيني الراحل "ياسر عرفات"، والقاضي بإلغاء قيمة الضريبة المضافة، ما سهل عملية البيع والشراء أولًا، وجذب زبائن من الداخل الفلسطيني في الأراضي المحتلة ثانيًا، والذين يفضلون شراء الذهب من فلسطين لكونه أرخص بسبب غياب هذه الضريبة.

وأوضح مقبول أنَّ هذه الضريبة تلزم المشتري بدفع نسبة (17%)، أما عند البيع فيجري إلغاء هذه القيمة المالية من سعر قطعة الذهب، وهذا يؤدي بالطبع إلى كسر سوق الذهب.

ماذا يقول المواطنون؟

"نورة صالح" مواطنة من مخيم بلاطة تقول: "ادِّخار الذهب أمان للمرأة في المستقبل، ونحن كعائلات فلسطينية لدينا موروث يتناقل عبر الأجيال باستبدال المال بالذهب كلما تمكنا من ذلك، والمرأة تحديدًا تشعر أنَّ وجود الذهب ضرورة وأمان وليس مجرد "حلّي" أو رفاهية، ودليل ذلك أنَّ الكثير من النساء قدَّمن مهورهن لبيوتهن أو لتعليم أولادهن أو لمساعدة أزواجهن، ومنهن من يحتفظن به في البنك لما تخبئه الأيام لهن، ونادرًا ما نجد امرأة تمشي بالشارع مرتدية كامل حليتها، سيبدو الأمر مستهجنًا، إضافة إلى الخوف من المشي وحدها، وستبدو كعروس جديدة سرعان ما ستخبئه بعد أن تنتهي من "المباهاة" فيه".

مواسم الذهب

ويؤكِّد "غسان مقبول" رئيس نقابة الذهب، أنَّ سوق الذهب في فلسطين، هو سوق موسمي يرتبط بالأعراس، وتبدأ مرحلة الانتعاش فيه مع قدوم الصيف، وقبل ذلك يعاني من ركود يرجع ذلك للأوضاع المعيشية الصعبة في فلسطين أولًا، وارتباط سعر الذهب بالدولار، فهناك علاقة عكسية بين صعود سعر الدولار وانخفاض سعر الذهب أو العكس، فهناك (80) محل في نابلس مثلا منها تسع مشاغل تنتظر مواسم الأفراح لتباشر عملها كما يجب.

الروسي والأصفر والأبيض

يعتبر تجار الذهب أنَّ الذهب الروسي مجرد إكسسوار، لا يضارب على سوق الذهب حتى لو بدا الأمر كذلك، يقول السيد أمجد البزرة: "طبعًا لا ننكر أنَّ  الكثير من العائلات الفقيرة تشتري قطعًا محدودة من الذهب لابنتها العروس وتكمل الباقي بالذهب الروسي، وعند بيعه يباع بنصف السعر أو أقل، أما الذهب فيبقى محتفظًا بقيمته وإذا ارتفع سعر الذهب عند البيع يكون الربح جيدًا، ولذلك لا يؤثر الذهب الروسي علينا كتجار ذهب".

 ويضيف: "ما يؤثر فعليًّا هو الموضة الجديدة في كره الفتيات للذهب على اعتبار أنَّه موديل قديم من زمن الجدات فيلجأن إلى الإكسسوار، ولكن تأثير ذلك أيضا طفيف فلا بد في النهاية أن تقبل الذهب كعروس ولا يوجد عروس تزف بإكسسوار فقط".

أما السيد مقبول فيقول: "هناك أنواع للذهب وأغلب النساء تفضل الأصفر بالطبع، والأبيض حصته قليلة لأنَّه يبدو كالفضة، وسعره غالي وعند بيعه تنخفض قيمته كثيراً، وكذلك تفضل النساء الذهب البلدي ويرجع ذلك إلى سعره المعقول فإذا كان سعر غرام البلدي دينارًا مثلًا، سيكون الغرام من الخليجي أو اللازوردي خمسة  أو أربع دنانير، ولا تلجأ النساء له إلا للزينة دون الاكتراث بالسعر أو المستقبل، أما البلدي يعد مصدرًا للاستثمار".

ويقول برقاوي: "العيار المفضل لدى النساء هو عيار (21)، أما عيار (24) للأونصات فقط ولا يشتريه إلا رجال الأعمال أو عرب (48) فهناك نسبة كبيرة منهم يشترون من الضفة لكونه أرخص، بسبب غياب الضريبة المفروضة على الذهب".

مستقبل الذهب

يعتبر ترخيص محلات الذهب كما أشار البزرة رخيصًا جدًا فهو يكلف تقريبًا (70) دينارًا في السنة، ولا يوجد قيمة ضريبة مضافة، كما أنَّ الذهب يأتي بالتهريب أي أنَّه أرخص في الأصل مما يباع هنا، ولذلك تمكنت المحلات من بيع طن ذهب سنويًا، من المواسم، وأيضًا رغبة الناس في الإدخار لمستقبلهم، فهو مستقبل أمن وفرصة جيدة للاستثمار كذلك.

ويوجه "حسان بروقاوي" رسالته للسلطة بأن تدرس إمكانية فتح كليات تعليمية لصياغة الذهب على غرار الكلية الأردنية، فذلك سينعش سوق الذهب، وينعش أحلام البسطاء فيه أيضًا.