نابلس - أمل صدقة - النجاح الإخباري - من مسقط رأسه في القدس المحتلة، يستلهم المحامي احسان ادكيدك معاني الصمود وآلية الوقوف بثبات شامخِ في وجه مهبات الرياح الصعبة في الحياة، ليعود ويسقطها على تجربته الخاصة، صانعاً  بها قصة نجاح تذكر كل من رآه بأحقية وجوده ، وأن  الطموح حي لا تميته الاعاقة.

طفولةٌ ملازمة للإعاقة

استهل  ادكيدك بداية حديثة لبرنامج ذوو الهمم، الذي يُعرض على شاشة وفضائية النجاح عن إصابته بمرض شلل الأطفال بسن مبكرة لم تتجاوز أربعة أشهر؛ نتيجة لعدم توافر طعومات خاصة بذلك المرض بالقدس عام 1967م، ما تسبب له بإعاقة شديدة في أطرافه الأربعة، دفعته ليقضي فترة  طفولته متنقلاً بين مستشفيات الضفة والقدس، بحثاً عن العلاج، غير أن تجربته مع مؤسسة الأميرة بسمة للمعاقين لها  الأثر الأكبر في ذاكرته  وشخصيته، لأن علاجه فيها لم يقتصر على الجانب التأهيلي فقط، وإنما التربوي أيضاً، ليكون من أوائل النماذج التي استطاعت أن تحقق مفهوم الدمج المجتمعي في حينها، وتنتقل لتكمل مشوارها الأكاديمي وسط جهود متضافرة من قِبل الهيئة التدريسية والإدارية لتوفير كل ما يلزم له ولصديقه الذي يشاطره التجربة، والتفوق الأكاديمي.

الأردن بين العقبات والامتيازات

وتابع ادكيدك حديثه عن تعليمه الأكاديمي قائلاً اخترت الجامعة الأردنية لأكمل دراستي الجامعية لسببين رئيسيين  إحدهما  يَكمنُ في رغبتي الشديدة بالالتحاق في ركب الجامعة الأردنية لأكون أحد خرجيها يوماً ما لاسيما بعد انطباعي الجيد الذي كونته عن الجامعة بعد حضوري لحفل تخرج أختي الكبرى من الجامعة ذاتها، فمن وقتها وأنا أريد أن أعيد أجواء الفرح للعائلة من المنصة ذاتها، أم السبب الآخر يتمثل في رغبتي بتغير الصورة النمطية السائدة عن الشخص ذوي الإعاقة بأنه شخص اعتمادي وغير مستقل، فبعد تجاوزي لمخاوف الأهل من الغربة، نجحت بإقناعهم بالسفر والابتعاد عن العائلة لأشكل ذاتي، وأكون مستقل بحياتي، لأجد نفسي بعدها  أمام صراع مع ذاتي ، حول فيما إذا كنت سأستطيع البقاء في الأردن، أم سأعود للقدس؟، لتكون السيارة العلامة الفارقة بحياتي، ففي وقتها تمكنت من الحصول على سيارة من غير جمرك من أحد معارفي المقربين، أزالت المعيقات من أمامي، وحسمت نهاية الصراع مع نفسي بالبقاء في الأردن، غير أنني كنت محظوظاً أكثر لأنني كنت منتسباً لجمعية الحسين التي تُعنى بالأشخاص ذوي الإعاقة ووفرت لي كل ما يلزم للإقامة بشكل مريح وسلسل، وهنا ذكر ادكيدك أن من العوامل المشجعة لبقائه في الأردن انتقاله من كلية التربية إلى كلية الحقوق وتمكنه من دراسة القانون ليكون ملماً بما له وما عليه، وآلية انتزاع حقوقه، بصفته شخص من ذوي الإعاقة، الذين مازالوا يعانون حتى اللحظة من التهميش وضياع الحقوق.

وأوضح ادكيدك إلى أن دراسته للقانون حفزته ليحصل على درجة الدبلوم العالي في التربية الخاصة.

"تصورت أن مستقبلي سيكون مرتبطاً في مجال متعلق بالإعاقة ، فربط عملي كحقوقي وفي الوقت نفسه متخصص في مجال الإعاقة من ناحية  تربوية".

نظام التصنيف وعلاقته بالرياضة للأشخاص ذوي الإعاقة:

لفت ادكيدك إلى أن الرياضة مهمة  للأشخاص ذوي الإعاقة، فبحسب رأيه تعتبر من أسهل  الوسائل التي تساعد على دمج الأشخاص ذوي الإعاقة، ومن قناعته  الشخصية، وحبه للرياضة انتهز ادكيدك وجوده في المملكة الأردنية الهاشمية والتقى بأول فريق أردني يلعب كرة سلة وانضم لهم، غير أن قدرته الجسدية حدت من ممارسته للرياضة بكفاءة عالية، ما دفعه للبحث عن مخرج  يتح له وللأشخاص ذوي الإعاقة ممارسة الرياضة ولا يحرمهم منها، ليكون نظام التصنيف الدولي ضالة الطريق في درب ادكيدك الرياضي، ويُعَرّف ادكيدك نظام التصنيف بأنه طريقة تساوي بين لاعبين الرياضة على اختلاف أنواعها من حيث القدرات الجسدية، بحيث يكون الطرفان متساويان بالقوى بشكل يضمن أن تكون النتائج النهائية للمباراة مبنية على القدرات الفنية، وليس الجسدية.

وفي السياق ذاته أشار ادكيدك أنه الفلسطيني الوحيد الحاصل على الشارة الدولية في تصنيف رياضة كرة السلة للكراسي المتحركة، وقال بأن الأمر لم يكن سهلاً عليه فبدأ عام1993م في وقت كانت به رياضة كرة السلة وترتيبها ليس متقدماً على مستوى العالم ليحسن ادكيدك انتهاز الفرص من وجوده في عمان مرة أخرى ويتلقى تدريبات على يد المؤسس الألماني لذلك النظام "ستروك هاندل، ومن ثم سافر لبريطانيا للهدف ذاته، لينهي التدريبات عام 1995م ويحصل على شهادة الاعتماد في التصنيف الدولي، والتي بموجبها يسعى ادكيدك إلى نقل خبرته في هذا المجال للأجيال اللاحقة،  لتتحمل المسؤولية من بعده.

حقوق وواجبات

وقال ادكيدك في سياق حديثه عن حقوق وواجبات الأشخاص ذوي الاعاقة بأن واجب الشخص ذوي الإعاقة بأن يتكيف مع الإعاقة ويتقبلها كما هي، غير أن توفير البيئة الحاضنة والموائمة هي حق للأشخاص ذوي الإعاقة وواجب مجتمعي يقع على عاتق أصحاب القرار.

وأضاف إن الواجب الآخر الذي يتشارك مسؤوليته المجتمع والأشخاص ذوي الإعاقة معاً يتمثل في التوعية المجتمعية بكيفية مخاطبة الأشخاص ذوي الإعاقة بطريقة لائقة تحترم وجودهم وانسانيتهم بعيداً عن الألفاظ الجارحة سواء بالألقاب أو الصفات.

وناشد ادكيدك الجهات المسؤولة بتضافر الجهود لخلق مجتمعٍ  آمن للأشخاص ذوي الإعاقة على اختلاف إعاقتهم ، واحتياجاتهم بصرف النظر عن  النسبة المئوية  التي تحتلها الشريحة الواحدة من ذوي الإعاقة، فالاعاقات على اختلاف نوعها بحاجة إلى اهتمام متساوٍ بالمقدار حتى في نهاية المطاف نصل إلى شمولية في المسؤولية، وتوفير الاحتياجات بشكل يضمن النجاح والإنتاجية من الجميع من باب العدل واحترام كينونة الانسان، وليس من باب العبء الزائد، أو الشفقة.

وختم حديثه قائلاً" إذا أنت آمنت بنفسك، آمنت بقدارتك، آمنت بإمكاناتك، الآخرين سيؤمنوا بك" وعلى العكس اذا لم ترغب بالتغيير، واستسلمت للواقع كما هو ستبقى عاجزاً، ولن يتطلع لوجدك أحد، فالموضوع  يبدأ من أنفسنا، فنحن نغير بأنفسنا لنغير من مجتمعنا، وهذا التغيير قادر على إحداث التغيير وتحقيق النجاح في حياة الفرد، وحياة من حوله من الأشخاص ذوي الإعاقة وغير ذوي الإعاقة الذين هم بحاجة إلى هذا التغيير.