د. مؤيد كمال الحطاب - النجاح الإخباري - اثار انتشار خبر محاولة الاغتيال التي تعرض لها موكب رئيس الوزراء الدكتور رامي حمد الله، وبرفقته اللواء ماجد فرج، رئيس المخابرات، شعورا من الامتعاض والغضب العارم بين فلسطييني الضفة وغزة خصوصا، وجميع الفلسطينين عموما لكونه حدثا غريبا على ثافته الوطنية،  ومنافيا لكل قيم الاخلاق والشجاعة التي يتحلها بها عبر تاريخه المشرق من التضحية والبطولة.

 ورغم ان زيارة رئيس الوزراء هي الزيارة الثالثة لغزة منذ السعي الاخير نحو المصالحة، الا انها المرة الاولى التي يتعرض فيها رئيس الوزراء وبشكل مباشر، لمحاولة استهداف شخصي، مما يثير التساؤل حول الاطراف التي تقف خلف تلك الجريمة، وسبب توقيتها الان، وما هي المعطيات المختلفة في هذه الزيارة عن سابقاتها والتي استدعت خفافيش الظلام ان تخرج من جحورها لتقوم بذلك العمل الجبان؟

المعطيات الفلسطينية:

منذ الاعلان عن السير نحو المصالحة سارعت الحكومة برئاسة الحمد الله بتثبيت هذا الاعلان، ليس فقط كونها حكومة وفاق، بل لانها اعلنت مرار عن ان توحيد القطرين يقع على راس الاوليات الوطنية للحكومة. فقام رئيس الحكومة بالاسراع الى زيارة غزة والتي لاقت استقبالا جماهريا حاشدا دل على مدى التعطش الغزاوي لانهاء ملف الانقاسم والعودة الى شرعية الوحدة الوطنية. ثم افتتح رئيس الوزراء بشخصة مؤتمرا وطنيا عقد بجامعة النجاح لدعم جميع الجهود الشعبية والوطنية في تكريس المصالحة. وقامت الحكومة بتشكيل لجان فنية وقانونية بهدف ترتيب المستلزمات المتعلقة بالمصالحة والعدالة الانتقالية وتفعيلها بشكل عملي وسريع. وعاد رئيس الوزراء في زيارته الثانية الى غزة بعد ان بدأت بعض علامات التعسر في هذا الملف ليعيد المسار الى نصابه مرة اخرى ويؤكد على ضروة تمكين الحكومة من القيام باعمالها في غزة.

ثم جاءت الزياة الثالث يوم الثلاثاء الماضي، متلازمة مع اعلانين هامين من قبل حكومة الوفاق، اولهما اعلان الموازنة للعام 2018 والتي اكدت فيه الحكومة استعدادها لتوظيف 20 الف من موظفي القطاع ممن عينتهم حماس، مما اثبت وبشكل حقيقي عزم الحكومة على انهاء الملف الاكثر سخونة، والذي يلامس قلوب الكثيرين في غزة، ولمنع  استغلال هذا الملف الهام  في منع تحقيق المصالحة وتمكين الحكومة من استلام مهاماتها الطبيعية والقانونية في غزة.

اما الاعلان الثاني فكان متعلق بهدف الزيارة الاساسي وهو افتتاح مشروع تحلية المياه، والذي يمثل انهاء للمعانة الكبيرة التي يعيشها القطاع باسره في موضوع المياه، من جهة، ويعبر من جهة اخرى عن مدى اهتمام الحكومة في رفع المعانة اليومية عن القطاع، والافق التي ستفتح لسكان القطاع في حال اتمام المصالحة.

بالطبع تلك التطورات السريعة والتي قامت بها الحكومة في خدمة القطاع كواجب ومسؤولية تقع على عاتقها، ارعب من كان يراهن على فشل المصالحة، واربك من سعى لافشالها خوفا على اجنداته غير الوطنية. فاراد ان يمنع هذا التسارع في تحقيق المصالحة من خلال وضع قنبلة تتنسف جميع ما سبق تحقيقيه من تقدم، وتعيد الانقسام الى صورته الاولى.

المعطيات الاسرائيلية:

لم تقف دولة الكيان الصهيويني كسابق عهدها موقف العداء العلني من المصالحة، والتهديد باتخاذ قرارات ضد السلطة الفلسطينية، فقد ذكرت صحيفة هأرتس العبرية في مقال افتتاحي لها ان رد حكومة الاحتلال على إعلان اتفاق المصالحة خلا للمرة الأولى من نبرة الهجوم والتهديد ، و جاء  "باهت وغير مسبوق ". وربما كان الاختلاف في موقف دولة الاحتلال هذه المرة متعلق بتدخل مصر بشكل مباشر في السعي لانهاء ملف الانقسام، وعدم رغبة الاحتلال في توتير العلاقة الجيد التي باتت تربطها بمصر.

 في المقابل، سكوت حكومة الاحتلال عن التصريح المباشر ضد المصالحة المدعومة من مصر، لا يعني انها ترغب بتحقيقي تلك المصالحة على ارض الواقع. فاسرائيل ترى في الانقسام مصلحة اسرائيلة كبرى وهدف استاتجي لابد من الحفاظ عليه. وفي هذا السياق قال الجنرال غيرشون هكوهين، ان فوائد عملية فك الارتباط الإسرائيلي عن غزة عام 2005، أنها اسفرت عن انقسام بين السلطة في الضفة وبين حكم  حماس في قطاع غزة. واردف ان على اسرائيل ان لا تعلن موقفها من هذا الانقسام من الناحية الرسمية ، لكن من الناحية الفعلية فبقاء الانقسام هو مصلحة إسرائيلية لا بد من المحافظة عليها.

المعطيات العربية والمصرية:

هناك من الاطراف العربية والاسلامية من تتعارض مصالحها السياسية مع تحقيق اي مصالحة فلسطينية حقيقية، كونها ستنهي قدرت تلك الدول في إثارة الصراع ضد خصومها، او الضغط على اطراف عربية او دولية اخرى، عبر وكلائها من احزاب واطر وجدت في الانقسام ظلا تختفي خلفه، للعب دور اقليمي او دولي في المستقبل. وبالتالي خروج غزة من سيطترتها سيفقدها كرتا هاما في قدرتها على المساومة وفرض مصالحها على الدول الاخرى.

من جانب اخر، فان هناك دول عربية، خصوصا مصر، قد تضررت بسبب الانقسام مما دفعها للعمل الحثيث من اجل تحقيقي المصالحة. وفي هذا الشان قال شلومو بروم، الباحث المتخصص في الشؤون الفلسطينية،  ان المصالحة الفلسطينية هو نتيجة مبادرة مصرية مدعومة من الأردن والسعودية والإمارات العربية، ودول أخرى، بهدف خدمة مصالح مصر والكتلة السنية عامة، التي تسعى لقطع التواصل الفلسطيني مع ايران من جهة وقطعها بحركة الإخوان المسلمين، وبالدول التي تؤيد الحركة، من جهة اخرى. كما تخشى مصر والدولة الداعمة لها من نشوب عنف بين إسرائيل وحماس يمكن أن يتسبب بتحويل الانتباه عن المشكلات الأساسية التي تعانيها مصر والدول الداعمة لها، او تؤدي الى تعزيز قوة ايران والحركات الجهادية ضدها.

 

بالاضافة الى ما سبق فان مصلحة الامن القومي المصري يتطلب انهاء الانقسام ووقوف الفصال الفلسطينية عبر الحكومة الشرعية في صد اي عمل ارهابي عبر الحدود ضد الدولة المصرية.  كما ان منع تهريب الاسلسة وغيرها لا يمكن اتمامه بشكل فاعل الا من خلال انهاء ملف المصالحة ورفع المعانة عن سكان غزة. وربما ترغب  الحكومة المصرية ايضا الى  انجاز حدث عربي هام لاعادة دورها القوي في المشهد العربي، وخصوصا في ملف انهاء الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي،  لتاكيد قدرتها على تحقيق انجازات عربية ودولية هامة.

لكن الاهم من كل ذلك بالنسبة لمصر هو معرفتها ان السعي الاسرائيلي لابتلاع الضفة في ضل انفصال القطاع سيؤدي الى نشوء دولة في غزة تسيطر عليها بشكل كلي ودائم فصائل دينية، مما قد يتيح للفكر المتطرف من اخذ زمام الامور في غزة والانقلاب على الجناح المعتدل في حماس. 

استهداف الوطن

إن التفجير الذي استهدف موكب رئيس الوزراء، انما اراد استهداف الكل الفلسطيني والقضية الفلسطينيي عبر هدم الجهود المبذولة في تحقيق المصالحة. فمن يقف خلف استهداف الموكب لا يتجاوز ان يكون احد الاطراف التالية: الطرف الاول، هو من اعتاش على الانقسام وبنى بيوته العنكبويته من خلال استغلال حاجات الناس للسفر، والمؤن والماء والكهرباء وغيرها، فلا يريد ان تؤدي المصالحة الى خراب خيوط العنكبوت التي اقام بها بيت خيانته. اما الطرف الثاني، فهم بعض المتعلقين بافرع الوطنية، والمستغلين انتمائهم للحركات الوطنية، فبنو اعشاشهم على نهاية غصون شجرة الوطن، وتثبتو بها عبر اشعال الفتن الحزبية والتناقضات السياسية الداخلية، وراهنو بمستقبل الوطن حتى تثبت لهم اماكنهم الهشة. فهؤلاء تخيفهم هزة المصالحة لانها ستسقط افرعهم غير الاصيلة، وغير المنتميه حقيقتا لاصل الشجرة. اما الطرف الثالث فهو المنتفع الاكبر من عدم تحقيق المصالحة والذي عمل بكل جهد لاستمرار الانقسام ستمنع من تحقيق حلم الدولة الفلسطينة. وهذا الطرف هو الاحتلال الذي اعتبر في بقاء الانقسام مصلحة اسرائيلة كبرى. الاطراف الثلاثة، سواء عملو مجتمعين او متفرقين، يهدفون الى شيء واحد وهو منع المصالحة وافشال اي مشروع حقيقي لانهاء الانقسام..

ان خطورة بقاء الانقسام لا تقف عند حدود اضعاف موقف الرئيس في المطالبة باقامة دولة فلسطينية مستقلة، او تصوير الرئيس بانه ليس صاحب سيادة ولا سلطة على الجزء الثاني من الأرض التي يطالب بأن تقام دولته عليه. ولاتقف عند استمرار معانات السكان في غزة، او حتى في استمرار حالة الفوضى القانونية والسياسة، بل ان خطورة الانقسام تتمثل في ما تسعى اليه دولة الاحتلال من تقزيم الدولة الفلسطينية وجعلها تقف عند حدود غزة، وفي المقابل ابتلاع ما تبقى من الضفة الغربية وضمها لدولة الاحتلال.

فالسعي الاسرائيلي الحثيث في اصدار قوانين تشرعن بها ضم المناطق "ج"، وبنائها المستمر للمستوطنات وربطها ببعضها، ومن ثم طرح فكرة الدولة الواحدة على مناطق واسعة من الضفة، واسعة المساحة وقليلة السكان، تدل على ان هدف الاحتلال هو الانهاء الفعلي لدولة فلسطينية تضم الضفة الغربية وغزة معا. وهذا ما اكده  الجنرال هكوهين الذي اعتبر ان "من المصلحة الإسرائيلية العمل بكل قوتها لمنع قيام شبكة العلاقات بين الطرفين اللذين يحكمان غزة والضفة".

ما حدث في غزة من استهداف لموكب رئيس الوزراء هو بماثبت ناقوس خطر، لانذار الفصائل والفئات الفلسطينية، من ان حجم التحدي الخطير الذي تواجهه القضية الفلسطينية لا يمكن صده دون انهاء الانقسام. ولمنع اي استهداف للوطن فانه يقع على عاتق حركة حماس تحديدا، وباقي الفصائل عموما مسؤلية حضورها لاجتماع المجلس الوطني دون اي شروط مسبقة او عراقيل او مصالح حزبية ضيقة، وعليها ان تمكن حكومة الوفاق من تسلم زمام الامور في غزة بكل معطياتها السياسية، والامنية، والاقتصادية، باسرع وقت لتتمكن الحكومة من القيام بواجبها الطبيعي والوطني بكل حرية ومسؤلية، ولتتمكن فلسطين من مقاومة التحديات واقامة الدولة الفلسطينية الواحدة.

د. مؤيد كمال خطاب: كاتب وباحث فلسطيني، ومحاضر في كلية القانون