غزة - مارلين أبوعون - النجاح الإخباري - يستعد المسلمون في سائر بقاع العالم لاستقبال عيد الفطر السعيد ،مودعين رمضان ضيفاً خفيفاً ،وعزيزاً على قلوبهم ،وفي كل منطقة لها عاداتها وطقوسها وأكلاتها التي ورثوها عن أجدادهم وآبائهم ، ولغزة أجواء خاصة تميزها عن كثير من المدن والقرى الفلسطينية .

حيث اعتاد أهلها في أول يوم من أيام عيد الفطر ،تناول الفسيخ "سمك مملح " أو السماقية وهي أكلة تراثية ،يعشقها سكانها لما لها من خصوصيه حيث ارتبطت بأوقات الفرح ،وفي المناسبات الجميلة ،بالإضافة للحلويات وأشهرها الكعك والمعمول.

في غزة لم تتغير استعدادات المواطنين لاستقبال عيد الفطر رغم ما يعانونه من أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية سيئة للغاية ،فالمواطن الغزي يثبت في كل مرة أنه قادر على خلق أجواء من الفرح والسعادة ،متأقلما بذلك على كل الظروف.

وما ان تسير في أسواق وشوارع القطاع حتى ترى ان البسطات تنتشر بشكل ملفت وكبير ، وعليها كافة الأصناف من مأكولات ومشروبات وملابس يتم بيعها بأسعار أقل من أسعار المحال التجارية ،على حد قول المواطنين ،فضلا عن استعدادات المحال التجارية التي تعرض بضائع متنوعة، كالملابس وألعاب الأطفال والحلوى.

لا يحلو العيد بدون كعك

بعض العائلات في غزة ،في الأيام الأخيرة من شهر رمضان المبارك تجتمع فيما بينها ، في بيت واحد منهم ،لإعداد كميات كبيرة من الكعك والمعمول ،ومن ثم تقسيمه فيما بينهم بعد الانتهاء من خبزه

التقت مراسلة النجاح الاخباري ببعض من السيدات لرصد أجواء عيد الفطر السعيد واستعداد السيدات لاستقباله .

ام محمد بعلوشة تقول :" عيد الفطر يختلف عن عيد الأضحى ،كثيرا فهو له خصوصية رائعة عندي ، تعودت منذ كنت صغيرة ،وقت ما كانت أمي تعد الكعك هي وخالاتي وعماتي في بيت جدتي ،وكنت أساعدهن ."

وتتابع بعلوشة :" في الأيام الأواخر من رمضان ، تشتري كل سيدة من العائلة "حوايج الكعك "،من سميد وسكر وسمنة وعجوة وغيرها ، وتنضم لباقي الأخريات لعجن السميد والطحين لعمل الكعك مع في صحن كبير جدا ،تتناوب على عجنه السيدات ،ونظل في عمل الكعك حتى اخر يومين في رمضان ننتهي من خبزه على فترات ويوميا ، ومن ثم نقوم بتوزيعه بالتساوي فيما بيننا

وعن الأعداد التي يمكن تعدها ،قالت بعلوشة :" طبيعي أن يكون عدد حبات الكعك كثيرة ،فتصل الى 10.000 كعكة في هذا الموسم ."

ولفتت بعلوشة أن طقوس وعادات بعض العائلات في اعداد الكعك يزيد الترابط بين نساء العائلة ،فتضل السيدات من بعد الافطار وحتى وقت السحور وهن يعملن بلا كلل أو ملل ، ولا تخلو ساعاتهن من الضحك والفرح .

السيدة ميساء الرفاعي قالت لمراسلة النجاح الاخباري :" أن من أشهر الحلويات التي تحرص على أن تكون على طاولتها في العيد هو الكعك:" أنا لا أرهق وقتي في عمل الكعك ،فأنا سيدة عاملة ووقتي لا يسمح في رمضان أن أعمل في النهار بدوامي ،وفي الليل بعمل الكعك ،لذلك أقوم بشراء 2كيلو منه من أحد المخابز القريبة ، والآن وجود تلك المخابز وفرت الكثير على السيدات العاملات بعمل أكلات بيتيه لا يستطعن اعدادها في مثل هذا الوقت ."

وأكدت الرفاعي أن أجواء العيد قديما كانت أجمل بكثير ،وذلك يعود للوضع الاقتصادي السيئ الذي حرم العديد من العائلات من الفرح وممارسة طقوسهم التي اعتادوا عليها .

لا عيد بدون الفسيخ

يقبل معظم المواطنون في غزة، على تناول وجبة السمك المملح المعروف باسم "الفسيخ"، في صبيحة أول أيام عيد الفطر، في الوقت الذي يحذر فيه أطباء وخبراء تغذية من الإفراط في تناوله، لتسببه بالعديد من المشاكل الصحية المرتبطة بارتفاع نسبة ملوحته وطريقة تخزينه.

ويعد طبق "الفسيخ" من أهم الأكلات الشعبية، التي تزين موائد الغزّيين في صباح يوم العيد كعادة توارثوها منذ القدم، ويحرصون على تحضيره ويرافقه دومًا طبق الطماطم المقطعة والمقلية، والمضاف إليها الفلفل والبصل.

يقول عماد سعيد ل :" إن عائلتي "اعتادت منذ سنوات على تناول الفسيخ في إفطار أول أيام عيد الفطر، وجبة الفسيخ رئيسية، وإن لم تتواجد لا نشعر بأجواء حقيقية للعيد".

ولا يمكن أن يمر عيد الفطر دون أن نشتريه فلا عيد بلا سمك الفسيخ المملح".

و"الفسيخ" عبارة عن سمك مملح يتم تخزينه بعيدًا عن الهواء الطلق لمدة شهر أو يزيد حسب نوعه، ويعد سمك "البوري" و"الجرع" الأكثر استخدامًا في صنعه، وتعود أصول تلك الوجبة إلى الفراعنة المصريين، والتي ما زالت تؤكل لدى المصريين إلى الآن أثناء احتفالهم بيوم "شم النسيم" (عيد الربيع).

بائع اللحوم المجمدة والفسيخ أسعد عيسى قال :"معظم سكان مدينة غزة يقبلون على الأسواق ومحلات الأسماك لشراء الفسيخ في آخر أيام شهر رمضان، لتكون وجبتهم الرئيسية للفطور في عيد الفطر ،وتناول الفسيخ في صبحية العيد عادة تتوارثها الأجيال، ولا تزال موجودة حتى يومنا هذا".

لافتاً إلى أن الطلب يزداد على "الفسيخ" قبيل العيد، ما يجعله يزيد من كميات التصنيع، ليتيح له بيع كميات كبيرة.

وأشار إلى أن "الفسيخ" له أنواع مختلفة، "فمنها ما هو مصنوع من أسماك (البوري) و(الجرع) و(السردين) و(الرينجة) ولعل أجودها المصنوع من (البوري)"، بحسب قوله.

ويضيف، "جهزت قبل شهر رمضان ما يقارب 800 كيلو جرام من السمك لبيعه فسيخ، والطلب على شرائه كبير جدا، وسعر كيلو الفسيخ يتراوح في سعره حسب نوعه .

السماقية طبقنا المفضل في العيد

الحاجة ام فكري البرعي تقول :" أنا أعد السماقية في الايام العادية لأولادي وأحفادي ،وأحيانا يطلبونني في العائلة والجيران وقت أفراحهم لعمل السماقية ،فأنا مشهورة بعملها ويحبونها من تحت يدي ،لكن في العيد نشعر بأن لها نكهة خاصة ، وقبل العيد بيوم أو في الفجر أقوم أنا وزوجات أبنائي بالتحضير لعملها ،وبعد أن ننتهي من سكبها في الصحون ،أرسل ببعض منها للجيران والأقارب ،فينتظرونها بفارغ الصبر ،ويحبون هذا الموسم بالذات لانهم سيتناولون طبقا لذيذا من السماقية باللحم."

ولفتت البرعي إلى أن الكثير من السيدات يحذون حذوها في عمل السماقية بأول أيام عيد الفطر ،ويتناولونها في الصباح وعلى الغذاء أيضا بجانب المخللات والبصل.

بائعون متضررون

تبدو الحركة الشرائية هذه السنة غير مرضية للكثير من البائعين وأصحاب المحال التجارية ،يقول احسان الحاج احمد وهو صاحب محل ملابس ،ل النجاح الاخباري "تشهد الأسواق منذ بداية الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان حركة غير اعتيادية تستمر حتى ساعات متأخرة من الليل، يبحث فيها المواطن عن المنتجات قليلة السعر ، فمثلا يمكن أن أبيع طقم ولادي "بلوزة وبنطلون" ب70 شيكل ،غيري يبعها ب50 شيكل ، فيلجأ المواطن لشراء الطقم من المحل الآخر ، وفي أحيان كثيرة يكون الطقم الذي يبيعه غيري مقلد بقماشه وليس اصلي ،ورغم ذلك يشتريه المواطن ."

ويوضح البائع الحاج أحمد،  أنه رغم قيامه وغيره من الباعة وأصحاب المحال التجارية بخفض أسعار البضائع كي تتناسب مع الوضع المتأزم ،إلى أن حركة الشراء لاتزال محدودة.

من جهته قال المواطن جمعة العسلي إنه "رغم ما تعانيه غزة من أزمات وآلام بفعل الواقع المعيشي الصعب وتردي الأوضاع الحياتية منذ بداية العام الجاري، إلا أن الشعب الفلسطيني يحاول التكيف مع معاناته والاحتفاء بعيد الفطر".

ويرى العسلي أن "الأجواء هذه العام لا تختلف كثيراً عن الأعوام السابقة، وإن كانت الأوضاع التي وصل إليها القطاع في الأحوال المعيشية والحياتية والاقتصادية تؤثر على الغزيين في شتى المجالات. كثير من الأسر باتت تبحث عن ملابس منخفضة الثمن لأبنائها من أجل عدم حرمانهم من بهجة العيد.