غزة - مارلين أبوعون - النجاح الإخباري - في وقت أصبح فيه التواصل بين أفراد العائلة الواحدة عبارة عن رسالة تحمل عدد محدود من الكلمات عبر الانترنت، تحولت الزيارات العائلية إلى حمل كبير يثقل كاهل الأسر في غزة، وباتت هذه الزيارات أمر غير مرحب به من قبل الكثيرين خاصة مع تزايد تدهور الوضع الاقتصادي الذي يعيشه قطاع غزة ،وما انعكس على مواطنيه  من تأثيرات نفسية.

وتغيرت عادات أهل غزة في صلة رحمهم ، وزياراتهم فيما بينهم ،بعضهم أرجعها للوضع المادي المتردي ،وعدم مقدرتهم على تكاليف الزيارات ولو كانت بسيطة ،والبعض الآخر أرجعها بسبب انشغاله مع أولاده من دراسة ومتابعة ،وضيق الوقت، فلا يجدون وقتا كافيا للزيارات والاطمئنان على بعضهم سوى عن طريق الاتصال، أما الغالبية العظمى فهم يرون أن التقدم التكنولوجي ،ووجود مواقع التواصل الاجتماعي ، والاتصال عن طريق الكاميرا قد حل لهم هذه المعضلة وأصبحوا يستغنون عن هذه الزيارات بمحادثتهم عبر التكنولوجيا.

أخصائي اجتماعي

يقول الدكتور عصام أحمد، أخصائي علم الاجتماع، أن الزيارات الاجتماعية  تعتبر واحدة من أهم وسائل التواصل الاجتماعي بين الأفراد والأسر داخل المجتمع، وقد عمد إليها توطيد العلاقة بين أفراد المجتمع سواءً التي تجمعهم قَرابة الدم أو الجيرة، وأيضاً الصداقة والروابط الأخرى، مضيفاً أن بعض أشكال تلك الزيارات تعتبر واجباً حثت عليها الأعراف والأديان كزيارة “الأرحام” خاصة في المناسبات الاجتماعية والدينية.

وأشار أحمد ، إلى أن الزيارات العائلية تعتبر من الظواهر الاجتماعية القديمة ،وحدثت تطورات كثيرة مرت بها ،حتى وصلت لشكلها الحالي الآن، وفي فلسطين على وجه الخصوص كان لتلك الزيارات أثر كبير لتعميق أواصل العلاقات الاجتماعية، إلا أن تلك الظاهرة مثل أي ظاهرة اجتماعية أخرى تأثرت بالأوضاع السياسية والاقتصادية التي يمر بها المجتمع، فمن المعروف بأن من يقوم بالزيارة يجلب معه “الهدايا” أو ما بات يعرف بالمفهوم الشعبي “بالزيارة” والتي أصبحت واجباً على من يقوم بتلك الزيارة.

ولفت لأهمية تبادل الهدايا في الزيارات، وأنها أصبحت عبء على أفراد المجتمع وتكليفاً قد يثقل كاهله والبعض يعجز عن توفيرها، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وتزايد نسب البطالة، مما دفع البعض للتخلي عن واجباته الاجتماعية اتجاه الآخرين بسببها، أو على أقل تقدير اقتصارها على المقربين من الدرجة الأولى، إضافة لتكاليف مادية أخرى للزيارات، مثل بعد المسافات الأمر الذي يتطلب مصاريف باهظة، لذا لا يمكن فصل الواقع الاقتصادي لسكان قطاع غزة عن التفاصيل الحياتية الأخرى للسكان ومنها تبادل الزيارات الاجتماعية.

ونوه أحمد، إلى أن تطبيقات الواتساب، والفيس بوك، وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، قد حلت محل تلك الزيارات لما لها من مميزات موفرة للوقت والجهد، لا سيما الجانب الاقتصادي وهو الأهم، وعلى الرغم من ذلك التقدم في وسائل التواصل الافتراضي، إلا أنه ما زالت الزيارات الاجتماعية تحتل مكانة متقدمة في التواصل الاجتماعي خاصة المناسبات الرئيسية مثل الأفراح والأحزان في المجتمع الفلسطيني، أما الوسائل التكنلوجية فتبرز أهميتها في الظروف القاهرة والاستثنائية كالسفر أو أثناء الظروف الأمنية الطارئة.

آراء المواطنين عن هذا الموضوع :

سما عبد الحي تقول:" معظم الناس يقصرون في صلة الأرحام ،ولا يزورون بعضهم ،وأكثر الشهور التي ينتبهون فيها انهم مقصرون ،هو شهر رمضان، ومع ضنك العيش والظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الناس في غزة بسبب (الحصار، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة) صار الكثيرون يرون في صلة الأرحام عبئًا اقتصاديًا جديدًا لا تحتمله ميزانية الأسرة الهزيلة فيحجمون عن الصلة. هذا الإحجام ليس قطيعة، ولا ناجمًا عن خصومة وكراهية، إنما بسبب متطلبات هذه الصلة (الهدية).

وتابعت عبد الحي ل" النجاح الاخباري "هذه السنة أوقفت أنا وزوجي الزيارات؛ لأن الميزانية لا تسمح ،فأهاتفهم بين الحين والآخر للاطمئنان عنهم فقط

سعيد وادي "50عاما"  هو الآخر لا يستطيع أن يقوم بواجباته بزيارة رحمه ،أو زيارة أقربائه وقال:" اعتدنا في مجتمعنا أنه من «العيب» أن يذهب الزائر للمزور ويده خالية من هدية هذا من جانب، من جانب آخر أحيانًا تقرأ في تعبيرات وجه المزور عدم رضاه عن زائر خالي اليدين من هدية."

وتابع :"و لا شك أن للهدية فوائد اجتماعية عظيمة فهي تقرب المسافات، وتؤلف القلوب، وتزيل البغضاء، فقد قال عليه الصلاة والسلام: «تهادوا تحابوا». كما أن الهدية تختلف باختلاف المهدى له والمناسبة الاجتماعية. ليس كل من نزورهم نهديهم نفس الهدية، فهدية الوالدين ليست كهدية الأبناء، أو الإخوة، أو الصديق. وهدية المريض تختلف عن هدية المولود، أو البيت الجديد" ،وأنا بطبيعة الحال عاطل عن العمل ،وأقربائي يعرفون ذلك ويعذرونني ،وبرغم ذلك لا أستطيع زيارتهم خجلا من دخولي عل بيتهم ويدي فارغة."

السيدة تغريد وافي "34عاما" لفتت أن الناس في غزة لا تزور بعضها إلا إذا قام أحدهم بزيارته من ثم يقوم هو برد الزيارة ،وأخذ  هدية بنفس القيمة التي أخذها له الاول ، فزيارته لهم سداد دَين اجتماعي. بعضهم يسجل في ذاكرته أو دفتره أنه زار فلاناً مرة، واثنتين، وثلاثاً فلم يرد فلان له الزيارة قَط. فقرر مقاطعته وعدم زيارته ، وهذه بصراحة عادات سيئة اتمنى ان يبتعد عنها المجتمع ،فهي ليست من ديننا ولا من اخلاقنا ،والبعض يكون معذورا بعدم رد الزيارة لظروف اقتصادية واجتماعية ما ألمت به ."

التقدم التكنولوجي وتأثيره على الزيارات الاجتماعية

خالد محسن 45 عاما يقطن في شمال القطاع ,يقول لمراسلة "النجاح الاخباري" أنه لديه ابنتان متزوجتان الأولى في مدينة غزة ،والأخرى في مدينة رفح ،ولأنه عاطل عن العمل ، ويعتمد بشكل رئيسي على شيكات الشؤون الاجتماعية ،التي أصبحت تتأخر كثيراً:" لا أملك المال لزيارة ابنتاي أو حتى أقربائي ،فأكتفي بمحادثتهم عبر الفيس بوك أو الواتس آب ،صوت وصورة ،فبفضل التقدم التكنولوجي أصبح العالم قرية صغيرة ،نراهم ويروننا ونحن داخل بيوتنا."

ولفت محسن أن الوضع الاقتصادي أيضا هو من دفعهم للاستعاضة عن الزيارات واستبدالها بالتكنولوجيا الحديثة .