نابلس - خاص - النجاح الإخباري - في أزقة مدينة بيت لحم القديمة، مكان قديم يقصده الناس، ليس للسياحة، بل للأكل، إنه فرن الخطيب الذي يقوم بعمل قدر الأرز  التلحمية، وغيرها من الوجبات، التي أصبحت من عادات وتقاليد الفلسطينيين ،وخصوصاً في المناسبات.. هذا الفرن الذي بني في الحقبة العثمانية والذي كان فرنا لصناعة الخبز والطعام للجيش التركي، وأهل مدينة بيت لحم، يمتاز بتقديم قدرة لها نكهة خاصة ،تمتاز بالمحافظة على أصالة صناعة القدرة .

الحاج خالد "أبو عدي" يتحدث لـ "النجاح" عن تاريخ طويل من التعب توارثته أجيال متعاقبة في عمل المأكولات الشهية ذات النكهة الأصيلة: " تم تشييّد هذا الفرن في العهد العثماني أثناء وجودهم في فلسطين ،وكان يستخدم في صناعة الخبر ،والطعام للجيش التركي الذي كان يحارب على الجبهات حينها، وكان مصدر الخبز لأهل بيت لحم، لكن مع مرور الوقت أضحى هذ الفرن متخصص في صناعة القدرة والمأكولات الشعبية النحاسية والفخارية من خرفان ورقاب محشية بالأرز والفريكة".

وأوضح الحاج خالد أنه أمضى أكثر من أربعين عاماً وهو يصنع القدرة حتى ارتبط اسم عائلته بهذه الأكلة الشعبية منذ أكثر من 120 عاماً، وبات فرن الخطيب عنوانا لأهم المأكولات الشعبية المختلفة.

وأكد الخطيب أنه يحرص على اتباع الطريقة التقليدية في صناعة القدرة، ليحافظ على الطعم والمذاق الأصلي ،ويسعى لتوريثها لأبنائه الذين يعملون معه ويساعدونه.

وقال:" نحن نعتمد في  مأكولاتنا وطبخات القدرة التي نتميز بها على طريقة ورثتها عن أبي وأجدادي ،باستخدام القوارير النحاسية والسمنة البلدية وخشب الزيتون لإشعال النار، وهذا ما يميزنا دوناً عن غيرنا ".

وأشار الخطيب إلى أن القدرة تحتاج حتى نضوجها، إلى قرابة 4 ساعات حتى تصبح جاهزة للأكل، تبدأ بتنظيف اللحمة وغليها، وبعد ذلك يتم وضع اللحمة والأرز في قِدرٍ نحاسي،  حسب مقادير معينة ومحددة مسبقاً، ووضعها بالفرن تحت درجة حرارة عالية يتم اشعالها بواسطة خشب الزيتون.

جدير بالذكر أن فرن الخطيب يطهو العشرات من القدر بأشكال وأنواع مختلفة لكن بمذاق واحد ، يتفق بالنكهة الرائعة.

يقول:" أسلافنا أبدعوا في صناعة القدرة التلحمية، التي تمتاز برائحتها المميزة وبمذاقها اللذيذ، لذا نحن نحافظ على هذا الارث الثقافي والحضاري بنفس طريقة الصناعة والمذاق الفريد من نوعه".

فبمكوناتها البسيطة من اللحمة والأرز مع سنون الثومة، والسمنة البلدية الطازجة، تجذب القدرة التلحمية كل من يمر بقرب فرن الحاج خالد، خصوصاً وأن هذه المهنة ليست وليدة اليوم بالنسبة لهم ،فهي مهنة توارثتها الأجيال جيلاً بعد جيل.

وعلى الرغم من انتشار العديد من مطاعم الوجبات السريعة في بيت لحم لكن ذلك لم يمنع فرن "الحاج خالد" من تصدير العشرات من القدر يوميا، بل ان الحصول على واحدة يتطلب الحجز المسبق.

ومع كل أساليب الاحتلال لطمس معالم وتراث الفلسطينيين ،الا أنهم مازالوا متشبثين بماضٍ وحاضرٍ  ومستقبل ،سيورثونه لأبنائهم جيلا بعد جيل، وليقولوا بأن هذه الأرض فلسطينية مهما حاولوا تغيير ملامحها وسرقة مأكولاتها وتراثها ،كيف لا وهم من قالوا "على هذه الأرض ما يستحق الحياة".