بيت لحم - مريم نواورة - النجاح الإخباري - تعتبر مشكلة الكلاب الضالة ومحاولات الحدّ منها واحدة من أكثر القضايا التي تؤرِّق السكان والبلديات، كونها تسبّب الذعر والإزعاج للسكان، عدا عن أضرارها المادية والصحية التي من الممكن أن تنقلها للمواطنين.

في مبادرة هي الأولى من نوعها في فلسطين ونتيجة الشغف لتربية الكلاب الضالة، استطعنا بعد البحث الوصول لسيدة فلسطينية من مدينة بيت لحم، تستحوذ على منصة إعلامية واسعة للحديث عن هذه الظاهرة التي باتت تؤرق السكان والمؤسسات.

بجهودها الفاعلة نهضت السيدة ديانا بعابيش الأربعينية، التي عملت لسنوات طويلة في القطاع المصرفي الفلسطيني، على فكرة تأسيس ملجأ لرعاية الكلاب والحيوانات الضالة، انطلاقًا من حرصها على تعزيز الثقافة الإنسانية للرفق بالحيوان، واللجوء إلى أساليب أكثر حضارية للتقليص من هذه الظاهرة.

تمَّ تأسيس ملجأ رعاية الكلاب قبل أربع سنوات في منطقة عش غراب على أرض بلدية بيت ساحور شرقي بيت لحم، وضم ما يقارب (150) كلبًا، ويعتبر الملجأ حسب قول بعابيش هو أحد الحلول التي من شأنها الحدّ من ظاهرة القتل والتسميم في الشوارع، مضيفة أنَّها أمر حتمي وموجود منذ بدء الخليقة وليس الحلّ في اللجوء للقتل بوسائله المختلفة.

وأردفت ديانا صاحبة هذه الفكرة، شغفي وحبي في اقتناء وتربية الكلاب منذ صغري دفعني لترك عملي المصرفي، وصبّ جلّ اهتمامي على إنشاء جمعية من شأنها أن ترعى أكبر عدد من هذه الحيوانات الألفية.

حالة من الجدل أثارها الملجأ إذ انقسم سكان المنطقة ما بين مؤيد ومعارض حول مكان أقامته، كونه يقع بجانب حديقة أطفال، إضافة إلى المكرهة الصحية التي يسبّبها حسب ادّعاءات السكان وشكاويهم المستمرة.

 إحدى القصص الشخصية التي ترويها بعابيش: "لا زلت أذكر تلك اللحظة التي فقدت فيها كلبي المنزلي بسبب سمّ وضعه أحد الجيران، وشعرت حينها بحزن شديد وحقد تجاه الاشخاص الذين يحاولون التخلص من هذه الحيوانات بوحشية تتنافى مع الإنسانية".

التسميم والقنص سياسة قديمة مستحدثة، ما زالت تعمل بها المحافظات والبلديات من أجل التقليل من عددها، ولكن في منظومة أخرى كان هناك عدد من الأصوات التي وقفت ضدّ هذه السياسة معربة عن تعاطفها ومعارضتها للتعامل مع هذا الحيوان بلا رأفة.

 

 

الرعاية الصحية والتبني

منذ تأسيس الجمعية حاولت ديانا تقديم الرعاية بمختلف أشكالها لهذه الكلاب،  فهي ترى أنَّ مصير هذه الكلاب  في بلادنا  مجهول،  وعلينا أن نجد الحلول المناسبة التي تقي المواطنين من خطورتها دون استخدام الطرق التي أشرنا إليها.

وتوضّح ديانا أنَّ تكاليف علاج الكلاب المصابة أو تطعيمها ليس بالأمر البسيط بالنسبة لميزانية الجمعيَّة،  حيث إنَّها  لجأت مؤخَّرًا في بعض الحالات لإرسالها للداخل المحتل،  بسبب الأجور المنخفضة  هناك  في محاولة منها  توفير بيئة صحية وسكنية مناسبة.

وتشير إلى أنَّ تبني الكلاب أمر مدرج في سياسة الجمعية  محليًّا  و وصل الأمر إلى طلبات من  عائلات في  أوروبا وأمريكا لاحتضان هذه الكلاب في بيوتها،  ويقع على عاتق ديانا إتمام جميع المعاملات التي من شأنها أن تؤمن وصول الكلب إلى هذه العائلات مرفقة  السجل الطبي والعلاجات التي تتلقاها.

إخطارات الإزالة التي تلقتها الجمعية

تحوَّل محور قضية بعابيش من المشاكل التي تواجهها ومضايقات السكان، إلى صدى آخر يدور حول قرار الإخلاء الذي صدر بحق الملجأ من الصحة العامة وبلدية بيت ساحور لما يسبّبه من مكرهة صحيَّة.

وفي هذا الخصوص أبدى جهاد خير رئيس بلدية بيت ساحور استياءه من هذا الملجأ، الذي يعتبره موقع غير صحي لما يسببّه من تلوث للبيئة والمياه علاوة عن الإزعاج الذي يصدر عن الكلاب.

وتابع حديثه بالقول إنَّه لا يعارض إقامة الملجأ، ولكن يجب أن يكون في منطقة بعيدة عن الكثافة السكانيَّة، وكان القبول في البداية مجرد موقع مؤقت لحين إيجاد بديل، مشيرًا إلى أنَّه  سيتم بناء مشفى حكومي على موقع الملجأ.

وأشار خير إلى أنَّ قرار الإخطار جاء بنصوص قانونية متفق عليها، من قبل وزارة الصحة والحكم المحلي، إضافة إلى سلطة البيئة وبلدية بيت ساحور بسبب عدد الشكاوى.

ويتابع خير أنَّه سوف يتمّ بناء مستشفى حكومي بتمويل من الحكومة الهندية في هذه المنطقة، بناءً على اتفاقية وقعت بين السيّد الرئيس محمود عباس ورئيس وزراء الحكومة الهندية بقيمة (40) مليون دولار.

بدوره أعرب د. زياد شقير مدير الصحة العامّة في بيت لحم أنَّ بقاء الملجأ في هذا المكان  ليس بالأمر الممكن، لما يسبّبه من ازعاج وتلوث صحي للسكان في هذه المنطقة رغم إبداءه التقدير حيال هذه المبادرة.

وبيَّن شقير أنَّ جمعيَّة الكلاب لم تحل المشكلة إلا بنسبة بسيطة لا تكاد تذكر، وتزايد الشكاوى استدعى أخذ الإجراء القانوني اللازم.

ما بين القلق من تداعيات وجودها وما بين شعور التعاطف معها كونها كائنات لطيفة، يبقى الجدل قائمًا إلى أن يكون هناك موقع مؤهل، بعيدًا عن مناطق السكن توفّر فيه الجهات المتخصصة العناية، وهذا بكل تأكيد سيؤدي إلى ازدياد التعاطف لحمايتها بما أنَّها ستلقى الرعاية الصحيَّة، التي ستحدُّ من خطورتها التي يتوجّس منها أصحاب الشكاوى.