غزة - مارلين أبوعون - النجاح الإخباري - تطالع في وجوههم وهم يركضون في كل مكان وقد جمعوا قواهم وربطوا على قلوبهم كي لا يسيطر الخوف عليهم وهم يرون الدماء تسيل في كل مكان من الجرحى والمصابين الذين قتلهم الاحتلال بدم بارد. هنا قدم مقطوعة وهنا رصاصة نفذت من العين، وأخرى نفذت بالصدر ففاضت روحه إلى بارئها.

ممرضون وأطباء متطوعين يرتدون مريولهم الأبيض الذي ما عاد أبيض، فقد أصبحت الدماء تكسوه

مهمة طارئة في ظروف قاهرة

محمد عبد الرحمن ممرض متطوع منذ خمس سنوات تخرج من جامعته وضاقت به سبل الحياة فبدأ بالتطوع داخل المستشفيات والمراكز الصحية، يقول :"منذ خمس سنوات وأنا أتنقل من مشفى إلى آخر متمنياً أن يتم توظيفي وأرتاح، لكن الذي يجعلني أستمر برغم أنني لا آخذ إلا القليل {فقط بدل مواصلات} هو ضميري وانسانيتي اللتان تمنعاني من التوقف عن خدمة أبناء شعبي وتقديم المساعدة لهم".

وعن لحظات مرعبة وحزينة وقت الأحداث والحروب يحدثنا محمد عن إحساسه وعمله وعن المشهد المأساوي كيف بدا :" وقت الأحداث يبدو المشفى وكأنه خليه نحل، الكل يركض، ولا أحد يسمع نداء الآخر، فالجميع يصرخ والمواطنين يبدأون بالتوافد إلى قسم الاستقبال والطوارئ للاطمئنان على حالة ذويهم، أما الأطباء والممرضين فالجميع يركض تجاه المصابين والجرحى، واكثر المشاهد مأساوية حينما لا نستطيع انقاذ الجريح فيستشهد وتصعد روحه إلى بارئها، ويأتي أهله لتوديعه، هي حقا من أصعب اللحظات ." ويتابع:" الطواقم الطبية بدون استثناء تتعب وتجتهد لكي يبقى المريض والجريح بخير، وهم لا يتواجدون فقط في المستشفيات وإنما تراهم في الخطوط الأمامية مع الاحتلال يسعفون ويقدمون أرواحهم فداءً  لذلك، وكم من طبيب وممرض ومسعف استشهد وهو يؤدي عمله وواجبه الانساني  "

العاملون في أقسام الطوارئ يستحقون الأوسمة
صادف اليوم الجمعة تظاهرات العودة على الحدود و هناك حاجة ما للدخول لاستقبال الجراحة في المستشفى المشهد يبدو روائياً صورة من مشاهد الحرب العالمية ، دماء على الأرض و مرضى يتألمون على جانبي الممر المزدحم بالمارة ، المشي في ردهات الممر الضيق رحلة معقدة وصعبة ، رجال أمن على كل البوابات لإقناع مرافقي المرضى و المصابين بعدم الدخول دون جدوى ، تسير وكأنك في كابوس هنا صراخ ودماء وهناك أنين وهناك سرير متحرك توقفت عجلاته أمام الازدحام
وتلك سيدة تبكي لا تعرف أين ابنها من بين المرضى و المصابين ، ورغم كل مأساوية المشهد أطباء يركضون و عيونهم تذهب في كل اتجاه و ممرضون يتنقلون
بين الحالات و لا يلقون بالاً للصراخ المحيط بهم و عليهم في ذلك المشهد الذي استمر لساعات ، وسط كل هذا الضجيج و هذه الفوضى وبصعوبة بالغة استطعنا أن نتوقف عند أحد الأطباء ليصف لنا الوضع مع أن الوضع غني عن الشرح ، الطبيب عيسى عودة، في الأربعينات من عمره كان يركض خلف الحالات التي ترد إلى المشفى دون كلل أو ملل.

يقول:" كل يوم جمعة واثنين بالتحديد تكون المشفى في حالة طوارئ ، معظم الأطباء يكونوا متواجدين والممرضين المناوبين في ساعات الليل لا يغادرون المبنى بل يواصلوا عملهم بمساعدة زملائهم بجد وتعب، وكما ترون أعداد الشباب المصابين كبيرة ومعظمهم حالات اختناق أو رصاصة استقرت بمنطقة ما في الجسم وقد تركزت معظم الاصابات في القدم بالرصاص الحي والمتفجر المحرم دوليا، فالاحتلال يوصل رسالة لأهل غزة بأنه سيجعل من شبابه معاق يقضي ما تبقى من عمره وهو على كرسي متحرك أو عكاز."

ويتابع:" مستشفى الاندونيسي لا يستوعب بعض الحالات فنضطر لنقلها إلى مشفى الشفاء نظراً لخطورة الحالة والامكانيات أكبر، نحن سنعمل طالما بقيت الروح فينا لن نتعب ولن نتوان عن مساعدة أبناء شعبنا، ولكن أتمنى على المواطنين والشباب ومن خلالكم كموقع اعلامي أن لا يلقوا بأنفسهم للتهلكة ويحاولوا قدر المستطاع أن يقطعوا على العدو رغبته في أن يجعلهم معاقين أو حتى شهداء. "

في اليوم التالي بدت المستشفى أهدأ حالا وغير مزدحمة بالمرضى أو الجرحى، كل ما رأيناه هو مجموعة من المراجعين والزائرين للمرضى أو الجرحى الذين سقطوا يوم الجمعة .

التقت النجاح الاخباري بمجموعة من الممرضين والأطباء ممن كانوا يقفون في قسم الاستقبال والطوارئ، ومعظمهم كنا قد شاهدناهم يوم الجمعة وهم يسعفون الجرحى والمصابين، استوقفنا بالحديث مع الممرضة اسلام غبن كانت قد وقفت أمامنا من بعد أن اطمأنت على حالة النزلاء وفحصت ضغط الدم وأعطتهم العلاج اللازم، تقول:" منذ يومين وأنا لم أذهب إلى بيتي، يوم الخميس كان دوامي مسائي وفي نهار الجمعة كانت أعداد الجرحى والمصابين كبيرة جداً بحيث أنني لم أستطع أن أغادر وأترك زملائي ،فوجودي بجانبهم ينقذ أرواحا تحتاجنا وبقينا على ذلك الحال حتى وقت متأخر واضطررت للمبيت وأنا الآن أقدم لهم العلاج الذي كتبه لهم الطبيب لكي يتحسنوا ويعودوا لبيوتهم."

شاركتنا بالحديث زميلتها أيضا تغريد عوض وهي كانت متواجدة في المشفى أيضا من يومين تقول:" لم أرى ابني الرضيع من يومين، حالات الطوارئ تُعلن يوم الجمعة، وفي كل جمعة تختلف عن التي قبلها، أحياناً الاحتلال يستوحش ويوقع أعداداً كبيرة من الجرحى يتم التعامل معهم في الميدان من قبل زملائنا المتواجدين هناك ومن ثم يرسلونهم لنا للمتابعة وتلقي العلاج، وأحيانا تكون أعداد الجرحى ليست كبيرة فنسيطر على الوضع وتسير الأمور على ما يرام."

وتضيف:" مهنة الطب أو التمريض مهنة انسانية بالدرجة الأولى ونحن تعلمناها ومارسناها ونحن نعلم جيداً مصاعبها وخصوصاً في غزة التي يختلف وضعها عن أي مكان في العالم ، فقدرنا أن نبقى نحارب ونقاوم وتسيل مزيد من الدماء. "