نابلس - النجاح الإخباري - لا شيء عبثي في بلادنا، حتى الصدفة لا مكان لها، وكل شيء محاصر بمؤامرة الشرّ، هي حكاية فلسطين مع الألم، وقصة الاحتلال مع اتقان لعبة زراعة الوجع.

الفلسطيني يحترف رغم قهره لغة تفكيك المؤامرة، ويدرك أنَّ منظومة الموت الإسرائيلية التي يشكِّل المستوطنون رأس حربتها، لا تتسلَّل خلسة في عتمة الليل بقرار اعتباطي، وما الفعل وردَّات الفعل إلا خطوة على درب الجريمة.

مستوطن مُوجَّه بنظام التحكم عن بعد، يحرق طفلًا في القدس، لُيعلن في الصباح استشهاد محمود أبو خضير، من ذات السلاسة يتسلَّل آخر إلى قرية دوما يحرق بشرًا نيامًّا، يقتلُ طفلًا، يشوّه آخر، يقضي على الأم ويمنح الأب تذكرة قسرية إلى الموت، الحكاية لا تتوقف، والضغط على جهاز التحكم يتواصل، وهذه المرَّة من زر آخر غير الحرق، فلا بد للجريمة أن تحمل من البشاعة صورًا متعدّدة، لا صورة واحدة.

 عائشة الرابي كانت الضحية التالية، حجر واحد على سيارة يكفي للقتل، وحرق قلب الفلسطيني.

تسلسل الأحداث يدفع دوما إلى مراجعة التفاصيل، والوقوف مطولًا عند الألم والذكريات، وتفكيك شيء من مؤامرات الشياطين، فعاملا الزمن والقهر منحا الفلسطيني قدرة استثنائية على تحويل المصائب المتعاقبة إلى أقراص دوائية يأخذها عندما تُصاب ذاكرة العالم بداء النسيان، فيتكفل هو بتحليل الحقائق.

الاحتلال يُعلن اعتقال قتلة عائشة الرابي، بعد تناول قرص الدواء المصنَّع تقفز أمامك سلسلة تفاصيل متعاقبة، وتتذكَّر رئيس الوزراء الفلسطيني د.رامي الحمدالله وهو يتحدَّث من الخان الأحمر عن جريمة قتل عائشة الرابي، وزيارة بيت الشهيدة وتقديم العزاء لذويها، ودعوة العالم لحماية الفلسطيني من اعتداءات المستوطنين.

رُبما يختلط الحابل بالنابل، نتساءل باندهاش مبرر ما علاقة كلّ هذا بالإعلان عن قتلة الرابي؟

يأتي الجواب مغلَّفا بحجر جديد يلقيه مستوطنون على موكب رئيس الوزراء بعد ساعات من إعلان خبر الاعتقال، في مكان قريب من صور تحريضية ألصقها ذات القتلة لرئيس فلسطيني بات رأسه مطلوبا لعصابة المستوطنين.

هذه الكلمات تقترب من نهايتها، لكن المؤكَّد أنَّ الجريمة الممنهجة لا نهاية لها طالما يقترب العالم من الاحتفال باليوبيل الذهبي لتأسيس لغة الصمت، وطالما تفاصيل الجريمة الجديدة تتكشف خيوطها على المليء وتنشر في إعلام الاحتلال.