غزة - أسامة الكحلوت - النجاح الإخباري - فاجعة كبيرة ألمّت بالدكتور أحمد العجلة إثر وفاة طفله سامي (4) سنوات، والذي تعرّض للدهس من قبل الحافلة التي تقلّه لروضته.

العجلة الذي فضّل روضة فيها وسيلة نقل ليضمن سلامة ابنه ذهابًا وإيابًا فصعقه ما لم يكن في الحسبان.

يقول العجلة: "وقع الخبر علي كالصاعقة، فابني الذي وصل باب البيت لكنّه لم يتمكن من دخوله، فحياته سحقت تحت عجلات الحافلة التي كان يجب أن ينتظر سائقها والمربية المرافقة دخول الطفل بيته سالمًا".

وأكَّد العجلة لـ"النجاح" أنَّه تواصل مع إدارة الروضة مرارًا بخصوص الحافلة التي تقل الأطفال.

وبعد حادثة ابنه ولتجنّب وقوع فاجعة في منزل آخر طالب العجلة رياض الأطفال بضرورة التأكد من خبرة ودراية السائقين وسلامة المركبة ووجود المرايا والكاميرات الخلفية، وأن يمنع التكدّس داخل الحافلات، والالتزام بالقوانين، وتوعية الأطفال.

إجراءات رادعة

وجع عائلة العجلة دفعهم للاعتصام أمام مقرّ المجلس التشريعي في قطاع غزّة للمطالبة بوضع حدٍّ لحالات دهس الأطفال من حافلات رياض الأطفال الخاصة بنقلهم.

وفي رد إدارة الروضة على ما حصل مع الطفل سامي، قالت هيلين مهنا،مديرة الروضة، إنَّها تلقَّت اتصالًا من المعلمة المرافقة للطفل سامي، تبكي بحرقة وتبلغها بالحادثة.

وقالت مهنا، إنَّ جميع الحافلات التي تعمل مع الروضة تابعة لشركة خاصة، وجميعها تحمل تأمين وترخيص للمركبات، وتحمل الحافلة الواحدة (24) طفلاً، في حين سعتها (50) طفلاً، كما أنَّ السائق لديه خبرة تامَّة بفنون القيادة والقوانين، ويعمل منذ سنوات على نقل الأطفال داخل الشركة، ويستوفي جميع أوراقه الرسميَّة والقانونيَّة مع الشركة.

وفي تفاصيل الحادثة، أفادت مهنّا: "في طبيعة الحال يغادر سامي من الحافلة كلّ مرَّة وينطلق إلى بيته من خلف الحافلة، وشاهده السائق من الكاميرات الخلفية حين مغادرته، ولكن هذه المرة بعد مغادرته من الخلف فجأة قفز أمام الحافلة من جديد".

بدوره السائق إنطلق ليسعف الطفل، لكنَّ الجيران والأقارب تولّوا المهمَّة وحملوه إلى المستشفى، وأمروا السائق بإيصال باقي الإطفال الذين صدمهم مشهد زميلهم غارق بدمائه ما أصابهم بالذعر والصراخ.

وأضافت: "إنطلقت إلى المستشفى على الفور، وتزامن وصولي مع الطفل وعائلته، لأنَّني أعتبره مثل ابني، وكان وقع الخبر علينا صادماً، ووصل السائق للمستشفى ومدير الشركة، وتأكدنا من سلامة كل الأوراق".

وأكَّدت أنَّ إدراتها تعمل مع باصات مستوفية كلّ الشروط الرسميَّة، وقدَّمت كلَّ هذه الأوراق الى إدارة شرطة المرور، ووزارة التعليم، وجميعهم أقروا بعدم وجود أيّ خلل في الأوراق الرسميَّة.

من يتحمّل المسؤولية؟

وحول المسؤولية عن الحادثة، قالت مهنا: "الحادثة قضاء الله وقدره، ولا أحمّل أحداً المسؤولية، وأسال الله أن يلهم أهله الصبر السلوان، والحمد لله أنَّ عائلة العجلة من العائلات الكريمة والعريقة في قطاع غزَّة".

وبيَّنت أنَّ دور المربيّة المرافقة للحافلة هو توصيل الطفل لبيته في حال كان بيته في إتجاه معاكس للحافلة، أو كان يحتاج لقطع طريق، لكن بعد حادث سامي أصبحت المربية ترافق الطفل وتسلّمه لولي الأمر الموجود بالبيت".

من جهته، قال مفتش حوادث المرور المقدّم الحقوقي فهد حرب، إنَّه وفقاً للإحصائيات الصادرة لديهم في إدارة المرور في قطاع غزَّة، فقد تمَّ تسجيل (52) حالة وفاة من بداية هذا العام نتيجة حوادث الدهس، من ضمنها (30) حالة وفاة لأطفال، ثلاثة منهم تسبَّبت بوفاتهم مركبات تعود ملكيتها للمدرسة أو الروضة المسؤولة عن نقل الطلاب سواء خلال توجههم للمدرسة أو عودتهم، بالإضافة لدراجات نارية وشاحنات ثقيلة، بالإضافة للعديد من الإصابات المتنوعة بين الأطفال جرّاء هذه الحوادث.

وأوضح أنَّ المسؤوليَّة تقع على عاتقنا جميعًا، أهل وروضات وسائقين

وحول إجراءات مكتب تحقيقات المرور بعد وقوع الحادثة، قال حرب: "بعد معاينة المكان، نُحضر السائق المتسبِّب في الحادثة، ويتم استجوابه، وإتهامه وتوقيفه لحين الانتهاء من الإجراءات، وإتمام المصالحة بينه وبين أهل الطفل المصاب أو المتوفي".

لافتاً إلى أنَّ المعهد المروري مختص بالتوعية المرورية، من خلال عقد دورات توعية للسائقين والمدرسات في كيفية التعامل مع الطفل داخل المركبة، ووسائل الأمان، وتأمين وصول الأطفال إلى المنازل.

وأكَّد حرب أنَّه يتم إيقاف السائق مدَّة (24) ساعة، وتمديد توقيفه، وفتح ملف للقضية، وسحب رخصة القيادة من السائق، وإلزامه بدورة مانعة، ومنعه من القيادة ثلاثة أشهر، وفي حال اكتشاف أنَّه يشكِّل خطرًا في قيادته على نفسه وعابري الطريق، يتم حرمانه من رخصة القيادة.

وأشار إلى أنَّ من الطبيعي وقوع حوادث، ولكن الخطورة تكمن إذا كانت الظاهرة غير طبيعية، مضيفاً: "بالمقارنة مع الأعوام الماضية هناك إنخفاض ملموس في حالات الوفاة، عام (2017) سجَّلنا حوالي (93) حالة وفاة، وفي العام الذي يسبقه سجَّلنا أكثر من (100) حالة، فهناك إنخفاض في الوفيات والإصابات الجسدية".

دور الإصلاح العشائري وحفظ الأمن 

وفي السياق، قال رجل الإصلاح العشائري المختص في حلّ قضايا الدهس المختار أبو سلمان المغني، أنَّ الحوادث الأليمة والمؤسفة تكرَّرت في الآونة الأخيرة، وخاصة حوادث السيارات، والتي أودت بحياة الكثير من الأطفال، ذهبوا ضحيّة لتصرفات السائقين، لعدة أسباب..

أولها، أنَّ (90%) من السيارات غير مرخّصة ولا مؤمَّنة، ولا تخضع لقواعد المرور.

وأضاف المغني: "المؤلم أكثر أن أغلب الحوادث وحالات الموت تسببت بها مركبات غير مرخصة أو مؤّمنة، وهنا نقع في دائرة كبيرة، لأنَّ السائق يعمل على سيارة بالأجرة، وعندما يقوم بدهس طفل، لا يتمكن من دفع قيمة التأمين، وهنا تقع المشاكل، ونبدأ في مخاض طويل لنعطي الناس حقهم".

ولفت إلى أنَّ الكثير من الحوادث لأطفال نزلوا من حافلات الروضة أو المدرسة، وقتلوا على الفور، بالإضافة لثلاث فتيات، وأضاف: "حسب معلوماتنا فإنَّ هناك (30) حادثة دهس لأطفال خلال الشهرين الماضيين".

وطالب المغني إدارة المرور التشديد على المركبات والسائقين ومنع أي تجاوزات تهدد حياة الآخرين.

وأوصى المغني بتعاون مشترك بين الأهالي والسائقين والشرطة، بمراعات الإجراءات القانونية والمرورية، والابتعاد عن السرعة الزائدة لأنَّ الشوارع لا تتسع للسرعة، للخروج من دائرة الفوضى الاجتماعية، للحفاظ على النسيج الاجتماعي، داعياً لتخفيض ثمن الترخيص والتأمين على المركبات.

وحول تجاوب الأهالي مع الجاهة التي يترأسها المغني لحلِّ الخلافات بين السائقين والأهالي، قال: "هناك أهالي يحتسبون فقيدهم عند الله ويطلبون منه العوض، لكنَّ البعض يطلبون التأمين كاملًا "ديّة"، ويتهاون البعض راضيًا ببعض تعويض".

وأكَّد على أهمية سحب رخصة السائق المتسبِّب في الحادث لسنوات عقاباً له، وقال: "نحن لا نجبر ولي الدم على إعطائنا ورقة لخروج السائق من السجن، فإذا قبل ولي الدم الجاهة فحياه الله، وإذا لم يقبل فالقانون يأخذ مجراه، ولا نجبر أحدًا على ما لا يقبل".

دور المؤسسات المسؤولة

وفي تعليق وزارة المواصلات على متابعتها الحافلات، قال نائب مدير عام النقل على الطرق في الوزارة يحيى نصر الله لـ"النجاح": "إنَّ الإدارة العامة للنقل على الطرق تتابع حافلات نقل الأطفال، ويشاركها في المسؤولية شرطة المرور.

وأضاف أنَّ إدارته تضع مواصفات وشروط تتعلق بالمركبة، وشروط أخرى تتعلق بالسائق، كتوفير كاميرا خلفية ليتمكن من مشاهدة الأطفال خلفه، ويشترط أن تكون المركبة مطلية باللون الأصفر، وتكتب عليها عبارات تحذيرية وشعارات تخص السرعة، بالإضافة لتزويدها بحماية مطلية باللون الأسود.

أما فيما يخص السائق، فيشترط أن يكون بحوزته رخصة قيادة من نوع عمومي، ويكون مزوداً بدورات تعليمية لزيادة وعيه.

ولفت إلى أنَّ الإدارة العامة للهندسة والسلامة المرورية، تعمل بشكل حثيث على زيارة رياض الأطفال والمدارس لتوعيتهم في قطع الطريق.

وفي سياق تجديد ترخيص المركبات التي تقل رياض الأطفال، بين نصر الله، أنَّ هناك شروطاً يتمُّ تجاوزها لظروف اقتصادية، مضيفاً:" الحافلات التي تتبع للروضات غالبًا باصات مطابقة للمواصفات".

أما في موضوع متابعة الحافلات، فأكَّد أن هناك تنسيقًا مع شرطة المرور، ويتم متابعة وفحص أوراقهم ومركباتهم، ولكن ليس بشكل دوري، وهناك نقاط تفتيش على الطرق العامة، ويتم إرسال دوريات خاصة للمؤسسات ورياض الأطفال من أجل التشييك على الباص والسائق بشكل دوري.

وأكَّد نصر الله، أنَّ المسؤول الأول والأخير عن هذه الحوادث والدهس هي المؤسسات التي تقدِّم الخدمة، وكمؤسسة من الأفضل أن تبحث عن أفضل مركبة مجهزة، والبحث عن أفضل سائق مجهز، وأفضل طريق لإيصال الطالب لمكان سكنه وتلقيه الدروس بشكل آمن وسليم.

ونوه نائب مدير عام النقل على الطرق، إلى أنَّ المركبات التي تعمل على خطوط نقل الطلاب ورياض الأطفال والجامعات، موديلاتها قديمة دون عام (2005)، وبالتالي هذه المركبات غير مؤهلة لتضمن سلامة الطلاب المنقولين بشكل تام.

وأرجع ذلك للحصار المفروض على القطاع، وإغلاق حركة تجارة المركبات، حيث أدخلت إدارته خلال السنوات الخمس الماضية عدد قليل منها يتجاوز (50) حافلة.

وأوضح أنَّ عدد المركبات المسجلة لدى الإدارة العامة للترخيص حوالي (52) حافلة مسجلة حسب الأصول، ومواصفاتها مطابقة لدى الوزارة، بينما تعمل غالبية المركبات الأخرى بشكل شخصي وتحتاج إلى تصويب أوضاعهم.

إلى ذلك، قال مدير عام التعليم العام في وزارة التربية والتعليم الدكتور محمد صيام، لـ"النجاح": "إنَّ الوزارة تمنح التراخيص لرياض الأطفال وفقاً لتعليمات وأبعاد تحدِّدها الوزارة بهذا الخصوص، ومنها البعد الهندسي والمواصلات والساحات داخل رياض الأطفال، والتركيز على الحافلات المرخصة من قبل وزارة المواصلات".

وأكَّد صيام على أهميّة المربية المرافقة للحافلة لضمان سلامة الأطفال، والحرص على عدم تكرار أيّ حادث، كما تعرض له الطفل سامي العجلة.

وتواصلت إدارة وزارة التربية والتعليم بعد الحادث بكل الجهات المختصة وخاصة المواصلات، للتأكيد على متابعة أمور الحافلات، وعدد الأطفال فيها، وفحصها دوريًّا للحدّ من هذه الظاهرة.

وأضاف: "الحوادث التي تعرَّض لها الأطفال خلال تواجدهم في رياض الأطفال محدودة جداً خلال السنوات الماضية، ولكن يوجد تجاوزات نتابعها ونتواصل مع الجهات المختصة للحدّ منها، ولنا متابعة لحظية لرياض الأطفال من خلال المديريات، وهناك لجنة عليا تضم المواصلات والصحة والتعليم والتفتيش، لمتابعة رياض الأطفال، ورغم أنَّ العدد قليل لكن نحرص أن لا تكون هناك حوادث اليمة للأطفال ولن نقصر مع أحد".

وتحدَّث عن أعداد الأطفال في حافلات الروضة أن يكون محدودًا يوفر راحة الطفل وسلامته مؤكّدًا على متابعة الموضوع في الأيام المقبلة.

وأضاف، أيَّ استهتار بهذا الأمر يؤدي إلى سحب ترخيص الروضة، ومحاسبة القائمين عليها، لأنَّ الوزارة تحرص على التعليم في بيئة مناسبة، بعيداً عن الحوادث والأضرار التي يتعرض لها الطلبة والأطفال، ورغم ذلك تقع حوادث، ويتم متابعتها ونضع لها حلول ونستخلص منها العبر.

وأكَّد على أن هناك تشديدًا كبيرًا على منح ترخيص لرياض الأطفال، هناك (700) روضة أطفال في قطاع غزة مرخصة في الوزارة، وأضاف: "نحتاج ضعف هذا العدد في قطاع غزَّة.

وفي ذات السياق، قال أمين صندوق أصحاب شركات النقل العام طارق كردش، أنه يلوم السائق في الحوادث، ولكن اللوم يبدأ من الأهل ثم رياض الأطفال ثم السائق.

وارجع لومه للأهل، لسماحهم لرياض الاطفال بوجود (50) طفلًا داخل حافلة لا تتسع لأكثر من (25) طفلًا

وتحدَّث كردش عن إجراءات السلامة والضوابط، فقال: "يوجد ضوابط من الشرطة والمواصلات، وهناك أوامر بأنَّ الحافلة التي تتَّسع لـ(20) طفلًا  تحمل نفس العدد بدون زيادة، وأن يتم تجميد عمل الحافلة للروضات فقط، وليس لأي عمل آخر، بالإضافة لأن تكون محمية وتحمل يافطات وإشارات تخص الأطفال".

وأكَّد على أنَّ السائق المخالف أكثر من مرَّة يتم تجميده عن العمل عن طريق الشركة التابع لها، ولكن إذا كانت الحافلة ملك له وهو متسبَّب في حادث، فعلى وزارة المواصلات إلغاء ترخيص الحافلة من نقل رياض الأطفال.