غزة - خاص - النجاح الإخباري - صعَّد الاحتلال الاسرائيلي من هجماته الجوية على مواقع المقاومة الفلسطينية، في شتى أنحاء قطاع غزة ليلة أمس الجمعة، واستمر التصعيد حتى ظهر اليوم السبت، باستهدافه للعديد من المواقع والمنشآت، التي خلفت أضرارا عديدة في المباني المحيطة بها وطالت المستشفى الاندونيسي شمال القطاع، فيما سارعت الشقيقة مصر إلى محاولة احتواء حدة التوتر القائمة وتحجيم التصعيد باتصالات ماراثونية ومكثفة بين الفصائل الفلسطينية، وتحديدا حركتي حماس والجهاد الاسلامي، إضافة إلى قوات الاحتلال لمنع تدهور الاوضاع الميدانية، والدخول في حرب مفتوحة في ظل التوتر القائم في دول الاقليم المحيطة بدولة الاحتلال، وخصوصا سوريا ولبنان التي تمثل خنجرا مسنونا ينتظر التمهيد لطعن خاصرة الاحتلال من الشمال.

محللون رأوا أن التصعيد جاء لتثبيت قواعد الاشتباك مع الاحتلال، والتصدي لعدوانه الهمجي والبربري تجاه المواطنين العزل المشاركين في مسيرات العودة على الحدود الشرقية لقطاع غزة، فيما رأى آخرون أن التصعيد حمل رسائل للاحتلال والمجتمع الدولي بأن المقاومة تستطيع الرد على جرائم الاحتلال في أي وقت وأنها تستطيع ممارسة حقها الطبيعي في الدفاع عن المواطنين الذين يتعرضون للإنتهاكات الاسرائيلية باستمرار ودون وجه حق، ومحاولة لثني الاحتلال عن التمادي في جرائمه والتي أسفرت عن ارتقاء قرابة 212 شهيدًا وأكثر من 23 ألف جريحا منذ انطلاق مسيرات العودة في الثلاثين من شهر مارس/آذار من العام الجاري 2018.

واعتبر الكاتب والمحلل السياسي المختص في الشأن الاسرائيلي د. هشام أبو هاشم أن رد فصائل المقاومة جاء نظرًا لتمادي الاحتلال في عنجهيته وممارساته التعسفية وتعمده استخدام العنف مع المتظاهرين العزل المشاركين في مخيمات العودة على الحدود الشرقية لقطاع غزة، والافراط في القنص والقتل وبتر الاطراف.

وأشار في تحليل خاص لـ"النجاح الاخباري" أن ارتفاع عدد الشهداء والاصابات وخطورتها، في كل جمعة أو فعالية مناهضة للحصار على الحدود الشرقية أو الشمالية، دفع المقاومة للرد على العدوان الاسرائيلي ومحاولة لجمه، وتثبيت قواعد الاشتباك بين الطرفين، لكنه أوضح أن رد الاحتلال جاء أكبر من حجم رد المقاومة التي اقتصر على المستوطنات الميطة بقطاع غزة منعًا لتدهور الاوضاع، آخذة بعين الاعتبار حجم المعاناة التي يعانيها أبناء القطاع من حصار متواصل، منذ أكثر من 12 عامًا، أنهك كل القطاعات برمتها، فضلا عن تعنت الاحتلال في ادخال مواد اعادة الاعمار لما دمرته طائرات الاحتلال وصواريخه في الحروب الثلاثة الماضية.

وأوضح أن الرد حمل عدة رسائل للاحتلال والمجتمع الدولي بأن المقاومة لن تستطيع أن تصمت طويلا على الجرائم، وأن الشعب يرغب في فك الحصار عن القطاع وفتح المعابر لحرية تنقل المواطنين وادخال البضائع دون تحديد عددها ونوعيتها، موضحا أن هذا المطلب غير كافٍ في ظل استمرار تعنت الاحتلال، وأشار إلى أن الطريقة الأمثل تتمثل في عقد مفاوضات تهدئة غير مباشرة مع جميع الفصائل بمن فيها فصائل منظمة التحرير الفلسطينية التي وقعت الاتفاقيات مع حكومات الاحتلال، نظرا لأن الحالة الفلسطينية القائمة لا تتطلب فك حصار معابر فقط، وإنما استرجاع وتثبيت حقوق الشعب الفلسطيني واعتراف الاحتلال بالمسؤولية عنها.

فيما بين المحلل العسكري، اللواء واصف عريقات أن ما حدث من رد للمقاومة على تمادي الاحتلال في جرائمه ضد المدنيين العزل في القطاع، يأتي في اطار تثبيت قواعد الاشتباك، ولجم الاحتلال عن الاستمرار في عدوانه المتكرر واستهدافه للمواطنين بصورة مفرطة. 

وبالنظر إلى حجم رد الاحتلال، والاجتماعات فقط على المستوى العسكري التابع للقوات فقط، أشار "أبو هاشم" إلى أن كابينت الاحتلال الاسرائيلي في جلسته الاخيرة قبل نحو أسبوع حدد القرارات والاهداف والمنشآت، وباتت المؤسسة العسكرية التابعة له فقط بانتظار القرار السياسي، لكنه أوضح أن حكومة الاحتلال تخشى الدخول في تصعيد متواصل والجبهة الشمالية تشكل خطرًا أكبر عليها، ومزاعمها المستمرة بمحاولة انشاء الحرس الثوري الايراني لقواعد عسكرية في الجنوب السوري، فضلا عن التطور العسكري لحزب الله وامتلاك جميعها لصواريخ متطورة تهدد الوجود "الاسرائيلي" في الشرق الاوسط بأكمله.

ونبَّه في تحليله إلى أي تهدئة لن تنجح ولن تستمر طالما توقع بين فصيل أو فصيلين مع قوات الاحتلال، بل أشار إلى أن التهدئة الحقيقية والفعلية يجب أن يبرم اتفاقها بين منظمة التحرير الفلسطينية، وحكومة الاحتلال بكونها الحاضنة للشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، وليس في قطاع غزة فقط، مع حفظ الحقوق المشروعة التي كفلتها الشرائع القانونية والمواثيق الدولية، والتزام الاحتلال حيال ما يتم التوقيع عليه برعاية مصرية ودولية، تكفل تنفيذ ما تم الاتفاق عليه مسبقا، مضيفا أن "حقوق الشعب الفلسطيني لا تنحصر في رفع حصار وفتح معابر فقط".

وشدد عريقات في رؤيته التحليلية لتصعيد ليلة أمس واليوم أن ما حدث سبب احراجًا للقيادة السياسية في حكومة الاحتلال ولمؤسستها العسكرية، وكشف اللثام عن وجهها أمام مجتمع المستوطنين بأنها لا تستطيع احتواء مسيرات العودة التي انطلقت في الثلاثين من آذار/مارس الماضي، بالعنف المفرط، فضلا عن فشلهم في استدراج المقاومة إلى تصعيد عسكري، يمنحهم مخرجا أمام المجتمع الدولي بعد الحرج الذي منيوا به.

وقالت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إن ما تعرض له قطاع غزة المحاصر من قصف وتدمير واستهداف هو عدوان "إسرائيلي" خطير، يأتي في إطار التنافس الحزبي وتصدير الاحتلال لأزماته الداخلية، واعتبرت ان العدوان الإسرائيلي محاولة للتهرب الإسرائيلي من أي استحقاقات لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار 2014 مع فصائل المقاومة يتم بموجبه إنهاء معاناة وحصار غزة وأهلها، فيما أكدت سرايا القدس الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، اليوم السبت، أن المقاومة الفلسطينية تدرس توسيع دائرة الرد كماً ونوعاً إذا استمر العدو ببطشه وعدوانه على شعبنا، وقالت في تصريح مقتضب:" المقاومة الفلسطينية تدرس توسيع دائرة الرد كماً ونوعاً إذا استمر العدو ببطشه وعدوانه على شعبنا، وليعلم العدو أن المقاومة جاهزة لما هو أبعد".

وجاء التصعيد الاسرائيلي، بعد استشهاد ستة مواطنين وإصابة 232 آخرين خلال المواجهات التي جرت أمس الجمعة على طول الحدود الشرقية لقطاع غزة، فيما أسفرت اعتداءات الاحتلال على المشاركين في المسيرة السلمية منذ انطلاقها في الثلاثين من مارس/ آذار الماضي عن استشهاد أكثر من 213 مواطنًا، وإصابة أكثر من 23 ألفًا آخرين بجراح متفاوتة، بينما شنت طائرات الاحتلال الحربية ليلة الجمعة وصباح اليوم السبت سلسلة غارات على مواقع للمقاومة في مناطق متفرقة من قطاع غزة، أدت إلى تدمير عدد من مواقع المقاومة، واحداث أضرارا في عدد من المنازل المحيطة بهم إضافة إلى المستشفى الاندونيسي شمال القطاع.