النجاح الإخباري - التهرب الضريبي والتعلية الجمركية جريمتان في خندق واحد

المستهلك الغزي ضحية التهرب الضريبي والتعلية الجمركية

السلطة الفلسطينية خسرت (20) مليار دولار منذ الانقسام

الانقسام الفلسطيني الخطر الحقيقي على المنظومة الاقتصادية

غزة - وسام الثوابتة

لا يختلف اثنان على أنَّ العقدة توقف المنشار، هكذا يعكس واقع المنظومة الاقتصادية التي تشهدها الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزّة، انقسام جغرافي وديمغرافي عقيم، جعل القطاع  يعيش في عزلة اقتصادية.

أيُّها المواطن لما لا تطالب بسيادة القانون والنظام لملاحقة من يتعدى على حقوقك، ولماذا تشكو من تسلُّط ذوي النفوذ عليك وأنت تمدحهم وتخشاهم وتضع جملة من الاستفهامات؟، ماذا يحصل لو طالبت بحقك المسلوب؟، فلما تقتصر طموحك في معاملة ومجاملة؟، فهل  يعكس ذلك أنَّ المواطن الفلسطيني بات يدرك أنَّه محاصر من الداخل والخارج وعليه أن يسلم نفسه؟!

إنَّه واقع المنظومة الاقتصادية التي يشهدها القطاع، من ازدواجية في الضريبة والتي كانت نتاج انقسام سياسي، ولّد خلفه جملة من الأزمات التي يدفع فاتورتها المواطن الغزّي، وظهور تجاوزات تحت بند الكسب غير المشروع ومُشرع مقر من قبل الجهات المتنفذة في الدولة، ويمرّر من قبل أصحاب رؤوس الأموال التجارية.

هكذا تسير الأمور في القطاع من تجاوزات ضريبية، والتي تتمثّل في تهرب ضريبي يعّد الملاذ الأوَّل؛ لتصل المرحلة إلى فرض تعلية جمركية مخالفات على البضائع من قبل حركة حماس التي تسيطر على القطاع، في ظلِّ وجود رابح وحيد في المقام الأوَّل متمثل في حكومة الاحتلال الإسرائيلية، وارتفاع معدل العائد الربحي للتجار، وتزايد مقدار رضا حركة حماس، ويدفع السلطة الفلسطينية لسد العجز المالي جراء تزايد حجم التحصيل المالي من الضرائب، ومن ثمَّ ارتفاع معدل الإيرادات على حساب أسعار السلع في السوق الاستهلاكي.

التهرب الضريبي في أرقام

ربما يكون التهرب من أداء الضرائب في كثير من الدول سلوكًا استثنائيًا، لكن في قطاع غزة يعتبر التهرب الضريبي نشاطًا طبيعيًا كما تظهر الأرقام، وأوضح تقرير اقتصادي صادر عن المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار "بكدار"، عام (2016) ضمن التقرير السنوي، بعنوان "الإجراءات الممكنة للحدّ من التهرب الضريبي"، أنَّ حجم التهرب الضريبي في الأراضي الفلسطينية يقدر بنسبة (30-40%) من قيمة الضريبة الكليّة، وأنَّ الخزينة تخسر ما يفوق (مليار و 785) مليون شيكل بما يعادل (500) مليون دولار سنويًّا نتيجة التهرب الضريبي والتسرب المالي.

وتشير التقديرات إلى أنَّ السلطة الفلسطينية تخسر ما لا يقل عن مليار شيكل بما يعادله (300) مليون دولار أمريكي سنويًّا نتيجة التسرّب المالي، وتذهب تلك الأموال لصالح الحكومة الإسرائيلية بطرق مختلفة، منها تلاعب التجار في وثائق الاستيراد لتغيير وجهة البضائع من فلسطين إلى إسرائيل لتسهيل بعض الإجراءات، وبالتالي تدفع الجمارك والضريبة الشرائية لوزارة المالية الإسرائيلية، وكذلك امتناع التّجار عن تسليم فواتير المقاصة لدوائر الضريبية الفلسطينية.

وأكَّد مدير عام الجمارك في وزارة المالية لدي المحافظات الجنوبية التابع للسلطة الوطنية الفلسطينية أحمد الإفرنجي، ومدير عام الجمارك في وزارة المالية التابعة لحكومة غزة محمد عايش، أنَّ الحركة التجارية في قطاع غزَّة تمرُّ بحالة من الفوضى العارمة، جراء ارتفاع معدل التهرب الضريبي إلى (90%) من مجمل الفواتير والبيانات الجمركية المتلاعب بها من قبل التجار.

ويلجأ المتهربون من الضريبة في غزّة إلى أساليب ملتوية للتحايل على القانون من أجل النفاذ دون أداء مستحقات الدولة، يُسعفهم في ذلك الفساد المستشري في دواليب السلطة وحكومة غزّة، وضعف كفاءة النظام الجبائي في غزَّة، ولاسيما في ظلّ غياب حرّية الوصول إلى المعلومات المالية للشركات الوطنية ومؤسسات الدولة.

مجبرون على التهرب الضريبي

دفع غياب سبل المساءلة والتدقيق إلى اتساع رقعة التهرب الضريبي في قطاع غزَّة، بالتزامن مع ارتفاع حدّة الانقسام السياسي الذي ترك جملة من المخاطر على المنظومة الاقتصادية في القطاع، وخلال محاولات عديدة من قبل معد التحقيق للتواصل مع الغرفة التجارية وبعض التُّجار؛ للتعرف على طبيعة الجريمة التجارية المركّبة التي تنطلق بداية من داخل القطاع، جراء تلاعب  التجار في المبلغ الذي يرغب في تدوينه على البيان الجمركي للسلعة المستوردة، لتدون تلك الأرقام داخل البلد المنشأ، وتظهر البيانات الجمركية أمام السلطة الفلسطينية أنَّها سليمة المبنى والمحتوى، لم يقف المطاف عند هذا الحد بل يأتي دور المخلص الإسرائيلي أو الفلسطيني داخل الموانئ الإسرائيلية لإتمام المعاملات الجمركية والضريبية على البيانات المضروبة، مما يجعل الإمساك بهم عملية معقّدة أمام طواقم الجمارك على المعابر.

لتظهر دائرة الضابطة الجمركية في وزارة الماليّة بغزّة ووزارة المالية في رام الله، أنَّ الأمور تسير بطرق غير قانونية من قبل التجار، جراء تلاعبهم في الفواتير وذلك بدافع التهرب الضريبي من الجمارك و الضرائب، بهدف الكسب المالي غير المشروع، ويلاحظ أنَّ المشرع الفلسطيني أخذ في قانون ضريبة الدخل الفلسطيني رقم (17) لسنة (2004) بالمفهوم الواسع للتهرب الضريبي حيث تنصُّ المادة (39) منه على أنَّه "مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد في قانون آخر يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر، ولا تزيد عن سنة أو بغرامة لا تقل عن (100) دولار أمريكي ولا تزيد عن (1000) دولار أمريكي، أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانونيًّا، أو بالعقوبتين معًا لكل من ارتكب أو حاول أو حرض أو اتّفق أو ساعد بغير قصد التهرب من الضريبة".

وبيَّن التاجر "م،ع" أنَّ تزييف وضرب فواتير البضائع والبيانات الجمركية أمر بسيط وسهل جدًا، وما يهم الشركة الأم هو تحويل مستحقاتها بشكل كامل، ولا تمتلك أدنى مشكلة في ضرب الفاتورة للتاجر، ويأتي ذلك يأتي على الطلب وليس العرض، وإن لم نفعل ذلك لا نتمكن من الربح في البضائع مرجعًا السبب إلى الازدواجية الضريبة التي تجنيها حركة حماس في غزة، وحكومة الوفاق الوطني على معبر كرم أبو سالم، حسب قوله.

وبرَّر تجاوزاتهم بأنَّهم لا يستطيعون تحقيق عائد ربحي في حال إصدار بيان جمركي سليم المحتوي والمبلغ، لما يترتب عليه من ضريبة قيمة مضافة، وجمارك، وأذونات دخول للبضائع للقطاع، وتحصل ماليّة غزّة، ضريبة دخل، وضريبة قيمة مضافة على الربح، مما يكبّد التاجر زيادة إضافية على قيمة السلعة لا تجني عوائد مالية مربحة "مما دفعنا إلى التلاعب بالفواتير" على حدِّ قوله.

وكشفت وثائق خاصة حصلنا عليها أنَّ التّجار في قطاع غزّة يتلاعبون في البيانات الجمركية منذ عام (2002)، وليست وليدة اليوم، جراء إدخال السلع على بيان جمركي غير صحيح الأركان، متبيّنًا من دائرة الجمارك والضرائب في مالية رام الله صحة ذلك، مؤكّدين أنَّ نسبة التهرّب الضريبي كانت ولكن لم تشكل نسبة كبيرة بذاك الوقت.

ووفقًا للقانون الفلسطيني، لم يجرّم التهرب الضريبي كجريمة فساد بشكل واضح، إلا إذا ارتبطت بموظف عام، أو عندما يتم بتواطؤ من قبل موظف عام أو إي من الأشخاص الخاضعين لقانون مكافحة الفساد رقم (1) لسنة (2005).

من المسؤول عن التهرب الضريبي

يختلف النظام الضريبي والجمركي ما بين دولة وأخرى، وتختلف التشريعات الناظمة له، وبالنظر لقانون الجمارك والمكوس الأردني رقم (1) لسنة (1962) المطبَّق في فلسطين ينصُّ في المادة (28): "يجب أن تحتوي البيانات الجمركية على جميع الدلائل اللازمة لتطبيق الرسوم الجمركية، والرسوم المختلفة، والأنظمة، والمعاملات، وتدابير المراقبة، ويجب أن تشمل هذه البيانات بوجه خاص على نوع البضاعة، ووزنها، وكميتها، وقيمتها، ومنشئها، ومكان شحنها، وعلامات الطرود، وأرقامها، وعددها، واسم وسيلة النقل، ونوعها، وتاريخ دخول البضاعة للمستودع، وتوقيع الناقل، واسم المرسل إليه الحقيقي،  هذا في الاستيراد، أما في التصدير فيذكر مقصد البضاعة، واسم المرسل إليه الحقيقي، واسم الناقل".

وحسب مدير الجمارك في وزارة المالية بحكومة الوفاق الوطني أحمد الافرنجي، أكَّد أنَّ فترة الانقسام شكَّلت كارثة على فلسطين، وكانت البداية في فتح الأبواب من قبل حركة حماس  أمام التّجار في عدم إحضار البيان الجمركي، ما كلَّف السلطة (71) مليار و(400) مليون شيكل بما يعادله (20) مليار دولار خسائر نقديّة، فعليًّا خلقت عجزاً مهولًا في حجم الإيرادات في ظلِّ تراجع معدلات المنح الدوليّة والأمميّة للشعب الفلسطيني، وإنَّ ذلك نتيجة نشوب أسلوب خاص بحكومة غزّة لجباية الأموال لصالح المصلحة الخاصة على المصلحة العامّة.

ونوَّه أنه منذ (12) عامًا لم تُحصَّل فواتير ضريبية وبيانات جمركية إلا فيما ندر؛ لانعدام العلاقة بين غزَّة وإسرائيل، مما أدى إلى انعدام مفهوم المنافسة الحرّة بين التّجَار، وأسست قواعد جديدة للتلاعب في البيان الجمركي؛ لتوفير أكبر قدر ممكن من الأموال غير المدرجة في ضريبة القيمة المضافة والجمارك.

وأشار إلى أنَّ طواقم ماليّة رام الله قد عثروا على فواتير المقاصة منتهية المدة بعد تسلم معبر كرم أبو سالم في شهر (11 عام 2017)، وذلك كون مدتها (6) شهور راجعه وكانت حكومة حماس، تخفي كميات كبيرة من تلك المقاصة، مما تسبب في إضاعة مليارات الدولارات، حيث كانت الايرادات في شهر (10 لعام 2017)، وصلت إلى (120) مليون شيكل بما يعادل (34) مليون دولار أمريكي من فواتير المقاصّة والبيان الجمركي.

ولفت مدير الجمارك في ماليّة غزَّة محمد عايش أنَّه كان يتم ادخال قرابة (700) شاحنة يوميًّا لقطاع غزّة، مما جعل حكومة غزّة تقوم بشكل مستعجل لكسب المال والعمل على نظام المبلغ المقطوع، وذلك من خلال تحديد أسعار شبة ثابتة على أصناف السلع مقارنة بالوزن أو العدد وتفرض على التجار كافة دون أدنى استثناء.

وشكَّلت هذه العملية خللًا كبيرًا، لعدم قانونيتها وحكمتها الاقتصادية لكون طواقم الماليّة لم تعمل على الكشف والتحقق من الفواتير السليمة والمضروبة، بل كان الهدف الأساسي العمل ضمن منظومة الاستقطاع القصري، والذي أقرّته وزارة المالية في غزّة لكسب الأموال لسد احتياجات الحكومة، وبني ذلك على نظرية عدم التحقق المعمّق والجلي في الأرقام والتفاصيل التي تحملها الفواتير، جاعلًا من التعلية الجمركية نظريّة قانونيّة بمنظور الحكومة.

التعلية الجمركية ومشروعيتها

فسرَّ عدد من المحللين الاقتصاديين التعلية الجمركية بأنَّها مخالفة قانونية، فرضت لمحاربة التهرب الضريبي المتفشي في المنظومة الاقتصادية، والذي يشكّل مخاطر كبيرة على عوائد الإيرادات المحصّلة من قبل السلطة الفلسطينية، مرجعين الخلل في آليات تطبيقها من قبل حركة حماس التي تسيطر على القطاع في ظلّ انعدام منهجيّة واضحة بنيت عليها، وأنَّ ما تمَّ عبارة عن وضع جدولة تفرض التعلية.

وأردف المحللون أنَّ مشكلة التهرب الضريبي والتعلية الجمركية خلقت جملة من المشاكل مع حرص وزارة مالية غزّة (حماس) في استمرار العمل بها وذلك لما تحصله من إيرادات عامّة لخزانة الحكومة.

وتعمل مالية حماس في التعليات الجمركية منذ توليها المعابر عام (2007)، وزادت في تحصيلها المالي بعد تراجع الدعم الخارجي لها، مما جعلها تلجأ إلى وضع أنظمة وجدولة خاصة بها في التعلية الجمركية والمخالفات الجمركية والضريبية لسد العجز المالي الذي مرَّت به.

وحول الأنظمة المتبعة، أوضح محمد عايش أنَّ النظام المتبع من قبل الحكومة يقوم على نهجين أحدهم على كسب الضرائب والتعلية الجمركية على القطعة "العدد" والآخر على الحاوية "الكونتينر".

وتابع، "حسب عملي في منصب مدير معبر كرم أبو سالم مدة خمسة أعوام سابقة، أقرّ بأنَّ ما يزيد عن (90%)  من البيانات الجمركية المضروبة كانت تمرّ، وتعدُّ المرحلة الأولى في عمل البيان الجمركي في يد المخلِّص اليهودي أو الفلسطيني داخل إسرائيل، والذي يضع الشكل النهائي للبيان الجمركي، وقيمة السعر ويقوم بتقديمها للجانب الإسرائيلي، وتمَّت محاربة ذلك بالتعلية الجمركية، جراء حساب القيمة الحقيقة للسلع وحساب الفروق فيما بين الفواتير والسعر الحقيقي، ويتم فرض التعلية على الفرق، ولكن حسب المنهجية القائمة، لا تعدُّ طريقة منهجية مهنية كاملة، لعدم وجود طواقم عمل، وكوادر مهنية قادرة على التعامل مع المخالفات والبضائع كافة، لذا تمَّ التعامل مع الأمور بعد إقرار جدوله خاصة في مالية غزّة ولا تعد ذي مشروعية قانونية سليمة.

في حين لم تقتصر الأمور على التعليات الجمركية، بل كانت الوزارة تقوم بفرض مخالفات جمركية وضريبية على السلع حيث بلغت نسبة المخالفات (20%) والمخالفات على فواتير المقاصة (10%).

وكشف مدير الضابطة الجمركية التابعة لمالية حماس على معبر كرم أبو سالم أحمد المصري، أنَّ "حكومة غزَّة" مستمرة في فرض نظامها على معبر كرم أبو سالم التجاري، لما يشكّله من حساسية في إيراداتها، ويسدُّ عجزًا كبيرًا في الميزانية، وكانت تحصل قبل تسليم المعابر للسلطة الفلسطينية قرابة (30) مليون شيكل شهريًّا بما يعادل (9) مليون دولار أمريكي تعليات جمركية، خلافًا للمخالفات الضريبية والجمركية، وخلافًا لما كان يتم تحصيله من ضريبة قيمة مضافة على الربح وثانويات فرضت.

وأوضح أنَّ ماليّة غزّة مازالت قائمة على فرض تعليات جمركية على البضائع وذلك لمخالفة التجار القوانين والتلاعب في البيان الجمركي والأسعار الحقيقية للسلع، ويتم تحصيل بالوقت الراهن قرابة (5-7) مليون شيكل شهريًّا تعليات جمركية بما يعادله (1) ونصف مليون دولار إلى (2) مليون دولار أمريكي.

ورفض مدير مجمع الإيرادات والنفقات في مالية حماس عوني الباشا التعليق على الأرقام والاحصائيات كافة، للتأكد من صحة المعلومات والبيانات التي تم التوصل اليها، والافصاح عن النفقات الخاصة بـ "حكومة غزة"، وذلك بعد محاولات عديدة كان آخرها التواصل مع وكيل وزارة المالية يوسف الكيالي والطلب بشكل رسمي مقابله عوني الباشا لينتهي الأمر بالرفض.

إيرادات حكومية

انتقد الاستشاري المالي والاقتصادي الدولي الحسن بكر البنية القائمة عليها المنظومة الاقتصادية والتي تسير ضمن الازدواجية الضريبية، التي تعدُّ من أخطر المشاكل التي تواجه الاقتصاد المحلي، والذي من شأنه أن يترك تبعيات سلبية على المستوى الإقليمي والدولي، مرجعًا السبب الأساسي في انهيار الاقتصاد المحلي في قطاع غزة، لتلك السياسة المنبثقة عن الخلاف السياسي.

ونوَّه إلى أنَّ الازدواجية الضريبية خلقت جملة من المشاكل الاقتصادية المتلاحقة والتي كانت تنفذ لزيادة حصيلة الإيرادات لسد المصروفات والنفقات المتكفلة بصرفها حكومة غزة، وكذلك الأمر على السلطة الفلسطينية، المواطن وحده من يدفع فارق السعر على السلع بعد إضافات الضرائب.

وأوضح تاجر الملابس جواد مهدي، أنَّ الأمور في عهد تحكم مالية غزّة في المعبر كانت قائمة على فرض تعلية على القطعة، مما يزيد الأعباء على أسعار السلع بشكل كبير وزيادة في تحصيل الأموال لدى خزانة المالية، وبالإضافة إلى نظام التعلية على الحاوية والذي كان يتم بطرق عشوائية.

ووصف النظام القائم قائلًا: "كان النظام خربان ديار للمستهلك حيث أنني دفعت خلال عام (2017) مبلغ (160) ألف شيكل تعليات بما يعادل (45) ألف دولار أمريكي، كانت الحكومة تعمل ضمن مفهوم المزاجية في تحصيل الأموال ولا توجد معايير حقيقية في التحصيل ".

وقام أحد التجار بإدخال عشب النجيل بسعر (70) شيكلًا بما يعادل (25) دولار أمريكي للمتر، لكن تمّ إيقاف البضاعة تحت ذريعة عدم مطابقتها للأسعار الدوليّة، وتمّ التأكد من قيمة السعر الدولي، وكانت المحصلة في النهاية دفع (1000) شيكل بما يعادل (280) دولار أمريكي مقابل إدخال البضاعة على الرغم من عدم مخالفة البيان الجمركي والأسعار الدولية.

وأما تجار الأغنام والعجول الذين تمّت مقابلتهم أشاروا إلى أنَّ ماليّة غزَّة (حماس) تحصّل  من المواشي المدخلة أسعارًا خيالية وذلك جراء فرض تعلية على رأس العجل (150) شيكلًا بشكل إجباري وعلى الرأس الواحد من الغنم (56) شيكلًا، والأبقار (100) شيكل وذلك ضمن سياسة العدد وليس الوزن.

وبعد عملية دامت أيامًا متواصلة في مراقبة عمل معبر كرم أبو سالم أتَّضح أنَّ حكومة غزة حتى اللحظة تفرض تعليات جمركية على البضائع المدخلة بعد مخالصتها من قبل السلطة الفلسطينية، وذلك ما تمّ تأكيده من قبل الضابطة الجمركية التابعة لمالية غزة، مما يجعل الطرفين يحصلون تعلية جمركية مرتين.

وحسب إحصائيات رسمية صادرة عن وزارة المالية رام الله يتم تحصيل (7) مليون شيكل بما يعادل (2) مليون دولار أمريكي شهريًّا تعليات جمركية، تدرج ضمن مفهوم فروق أسعار من قبل السلطة الفلسطينية منذ استلامها معبر كرم أبو سالم، وبلغت قيمة الضرائب والجمارك مليار شيكل بما يعادل (280) مليون دولار أمريكي في الضفة وغزة خلال الشهر الواحد.

والملاحظ أنَّ السلطة الفلسطينية حسَّنت مستوى منهجية تحصيل الإيرادات من خلال سياسة الجمارك والضرائب، حيث اتّضح من خلال دراسة أعدها معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني ماس بعنوان "الموازنة العامة (2018)-المصالحة والسيناريوهات المالية المستجدات والتعديلات الضريبية"، أنَّ السلطة حقّقت ارتفاعًا في معدل الإيرادات الصافية خلال عام (2017) إلى نسبة (18.5%) عن الأعوام السابقة، وأتت تقديرات ارتفاع الإيرادات خلال عام (2018) إلى زيادة (7%) فقط،  والتي تشكّل مبلغًا محصّلًا من قطاع غزّة (900) مليون شيكل بما يعادل (2.5)  مليون دولار أمريكي.

بوابة صلاح الدين البوابة السوداء 

شكَّلت بوابة صلاح الدين المنفذ الحقيقي لحكومة غزة لتمرير وإدخال البضائع والسلع للقطاع بعيدًا عن الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية، لتعد المنفذ الآخر للتجار المتهربين من الضرائب والبيانات الجمركية ليرصد معد التحقيق العديد من التجاوزات القائمة على بوابة صلاح الدين، لتكشف دائرة الجمارك في مالية رام الله بأن حكومة الأمر الواقع في غزة (حماس) تستفيد من الأمر لكسب الإيرادات والجباية لصالح الأخير على صالح المصلحة العامة.

وأكَّدت دائرة الجمارك والضابطة الجمركية التابعة في غزّة أنَّ آليات إدخال البضائع عبر بوابة صلاح الدين تشكل مورد فعلي لإيرادات الحكومة، حيث يتم فرض ضريبة قيمة مضافة على السلع بنسبة (16%)، وتعليات على البضائع المتلاعب بفواتيرها وتحسب على فارق السعر ويفرض عليه ضريبة (16%) ومخالفة قانونية تقدر حسب المبلغ المقر من قبل المثمن وبالإضافة إلى الجمارك.

والحديث حول المحروقات والغاز المدخل عبر البوابة رفض كلا الدائرتين الإفصاح عن أي معلومات وبيانات تتعلق في ذلك، ليكشف مصدر داخل الضابطة الجمركية أنَّ المحروقات والغاز تشكل (35%) من مجموع الإيرادات المحصلة عبر البوابة، وذلك لارتفاع نسبة الفوائد المرجعة على خزانة المالية.

وحسب احصائيات رسمية مسربة حصل عليها معد التحقيق، تمَّ إدخال عبر بوابة صلاح الدين خلال عام (2018) حتى شهر أغسطس (3317350) كيلو من غاز الطهي، وتمَّ إدخال (34682500) ليتر من مشتقات المحروقات "بنزين وسولار وديزل صناعي" و (3715)شاحنة بضائع للقطاع التجاري في قطاع غزة.

معايير الشفافية بتراجع

وشدَّدت منسّقة وحدة المناصرة والمساءلة الاجتماعية في الائتلاف من أجل النزاهة والمسائلة "أمان" مروة أبو عودة أن واقع الإيرادات والنفقات في قطاع غزة منذ النصف الثاني لعام 2016 حتى العام الجاري بأن الائتلاف لم يتمكن من الحصول على أي معلومات أو بيانات توضح مقدار الإيرادات والنفقات في قطاع غزة، وذلك ضمن تراجع مفهوم التعاون المجتمعي.

هدفنا تعزيز مفهوم الشفافية في بيان الموازنة والالتزام بنشر موازنة المواطن ومقدار حجم الإيرادات والنفقات ونشر قانون الموازنة، وذلك لتمكن الخبراء من تحليل ودارسة الموازنة والالتزام بنشر التقارير الشهرية والرباعية والنصفية والسنوية والبيان الختامي، ولكن الأمور تسير ضمن سياسة التكتيم الحكومي على التقارير والبيانات كافة التي من حق كل مواطن فلسطيني الاطلاع عليها.

تمَّ إنجاز التحقيق بدعم من الائتلاف من أجل النزاهة والمسائلة "أمان".