تسنيم علي العامودي - النجاح الإخباري - لم  تختر أمل عودة قدرها في عدم رؤية الألوان ولكنها لوَنت حياتها بطريقتها الخاصة، مستعينة بفرشاة الرضا ولوحة الاحلام .

ولدت عودة في عائلة بسيطة في مخيم بلاطة في مدنية نابلس، مكونة من عشر أفراد، اثنين منهم من ذوي الإعاقة البصرية، ولكن ذلك لم يشكل عائقاً امام ممارسة العودة لحياتها بصورة طبيعية تزهوها الحيوية، والأمل والطمأنينة .

تتحدث أمل عن طفولتها قائلةً" نظراً لكوني ولدت في اسرة فيها أخ كفيف   كنت اظن أن الامر طبيعياً، واستطاعت والدتي أن تشعرنا بأننا مثل باقي البشر لا ينقصنا أي شيء، كنت أدرك الأشياء بمسمياتها وأتخيل شكلها بعد أن تلامسها يدي وشيئاً فشيء، بدأت احفظ الأماكن والطرقات والمسميات وبعد أن أصبحت في عمر الرابعة التحقت بمدرسة خاصة اسمها هنن كلر في مدنية القدس  أنا وأخي، وفرت لنا هذه المدرسة كافة الأساليب المريحة للتعليم، والأهم أنها دعمت ثقتي بنفسي و الإعتماد على النفس بشكل كبير " .

كانت مدرسة هنن كيلر بمثابة انطلاقة قوية لأمل، وفي سن الرابع عشر التحقت بمدارس الحكومة بشخصية قوية، لا تشعر بشيء ينقصها وكيف لا وقد كانت ترى الأشياء بقلبها المليء بالحياة والأمل، فدخلت مدرسة ابن سينا الحكومية، ثم مدرسة الصلاحية الثانوية  وبقيت  في مقاعدها حتى نهاية مرحلة الثانوية.

تقول أمل لـ "النجاح الإخباري" استطعت  أن اترك أثراً في كل مدرسة دخلتها، أشعر بأنني محظوظة فعلاً بمعلماتي وصديقاتي، الذين دعموني في كل مرحلة، خاصة في التوجيهي الذي يشكل تحدياً للجميع، وكيف لي وأنا كفيفة، ولكن التربية والتعليم وفرت لي كل شيء، بما في ذلك الكتب بنظام بريل" .

بدايات زاهية

تصف أمل سعادتها الغامرة في تلك المرحلة " أجمل ما في التوجيهي أنني تمكنت أن اتخطى صعاب، لم أتخيل في يوم أنني سأمر بها، ورغم كثافة الدراسة، والواجبات الا انني تمكنت من المشاركة في الكثير من الأنشطة الاذاعية والمدرسية والموسيقى .

رغم النشاطات الكثيرة لأمل الا انها استطاعت أن تجتاز امتحان الثانوية العامة بمعدل 75 % في فرع الادبي،فدخلت الكلية التربية قسم اساليب اللغة الانجليزية في جامعة النجاح الوطنية بحماسة كبيرة و برغبة شديدة دون تردد.

تتحدث والدة أمل لـ "النجاح الإخباري"عن هذه المرحلة قائلةً" لقد كانت اجمل فرحة في عمري، أن أرى ابنتي تكمل تعليمها كالبقية، كنت في داخلي قلقة من تخصص اللغة  الانجليزية، لخوفي الشديد من أن يصيبها الإحباط من عدم قدرتها لدراسة تخصص اللغة الانجليزية و التعامل مع زملائها وحفظها  أماكن جامعة و برغم من ذلك قمنا بتشجعيها  والحمد لله استطاعت أن تبني علاقات طيبة مع زملائها في الجامعة، وأثبتت نفسها بجدارة" .

موهبة فطرية  

أمل تملك صوتاً مخملياً يطرب كل أذن، والأجمل أن كل من يسمعه يغلق عينيه من شدة الطرب، وكأنه يقول لها أنا مثلك لا أريد البصر أمام صوت كهذا، انعكست مشاركة أمل في الحفلات الغنائية في الثانوية العامة على علاقتها في الجامعة، فلم تكن تشعر بالحرج او الخجل من وضعها،  أو طلب المساعدة من أحد، وقضت سنوات الدراسة في روح ومعنويات عالية.

تتحدث أمل عن تجربتها الجامعية قائلة" لقد مرت سنوات الجامعية  الاربعة كالحلم نعم لقد فعلتها، إنه انجاز افرح به لأجل أمي وأبي و كل شخص ساندني و وقف معي  و هذه الفرح اهديها لوالدي  يكفي أنهما ربياني بنفسية متكاملة لا أشعر معها بأني كفيفة أو أقل من غيري في شيء"

 مفتاح النجاح ..

تقول أمل "حقاً لا أشعر أن هناك شيء يعيقني، نعم لا أنكر أنني فاقدة للبصر، لكن بالمقابل أعطاني الله الكثير، وأعطاني صوتاً جميلاً، ورزقني محبة من حولي وهو مفتاح نجاحي الأكبر، وعززت موسيقى  ثقتي بنفسي أكثر، ورغبت أن أتدرب ميدانياً في المؤسسات، رغم أن البعض أخبروني أنهم يستطيعون أن يوقعوا لي ورقة التدريب دون أن أتدرب ولكنني رفضت" .

وتتابع أمل "الحمد لله وهبني الله الإرادة والامل، والحلم، والطموح أبعد من حدود البصر إنها مزروعة في بصيرتي التي ترى الألوان في كل شيء".

وتضيف أمل "رغم  الصعوبات التي واجهتني في دراسة ماجستير الترجمة اللغة الانجليزية و مشكلة التي واجهتني مع دكتور المادة ، فقررت الانسحاب من ماجستير ليس استسلاماً للقدر، كنت اريد ان اتوظف بوظفيتي التي جهدت حياتي لدراستها، فبدأت بتسجيل لدورات و حصلت على شهادات من دورات التي قمت بتسجيل بها و منها: دورة المحادثة اللغة الانجليزية و دورات في العلاقات العامة و فن الاتكتيت و تعليم  عزف على  الالات الموسيقية  و غيرها" .

وتتابع أمل حديثها "الآن أعمل في أحدى الموؤسسات التعليم المساندة و أقوم بإعطاء حصص لطلاب من الصف الأول حتى الصف السادس بمساعدة معلمة تقوم بشرح معي لمدة ثلاث شهور".

تثابر أمل كي تتوظف بتخصصها توظف دائم لكي تعلم الأطفال، وتعلمهم الامل والحياة، وأن يجمل فمها بصوت يخترق القلوب لتغلق العيون أمام جمال الصوت فينطبق عليهم القول كلي اذان صاغية، هذه أمل الكفيفة بصيرة وعزيمة.

ويقول احمد الاحمد مشرف مختبر الحاسوب الخاص بالمكفوفين في جامعة النجاح الوطنية وهو خريج  كلية الشريعة في جامعه النجاح سنة 2008 "اقوم بتوفير الكتب وطباعتها باللغة بريل لطلبة المكفوفين ثم نقوم بطباعتها و توزيعها بشكل مجاني لهم ".

ويذكر أن جامعة النجاح الوطنية أنشأت مركزاً للمكفوفين (مختبر الحاسوب الخاص بالمكفوفين ) في الحرم الجامعي القديم لتيسير مهامهم الدراسية، وتدريبهم في كافة الأمور التي يحتاجونها أثناء مسيرتهم التعليمية، واستطاع أن يخرج من هذا المركز العديد من المواهب التي حققت إنجازات كبيرة في مجتمعها.