أحمد زماعرة - النجاح الإخباري - رغم مرور الأيام والسنين، لم تدع نجاح أبوريان (54 عاما) قطار الحياة يمر سريعا، دون أن تشعر بفرحة النجاح في الثانوية العامة، هو حلم لم يغب عن ذاكرتها، رغم ما عصف بها من ظروف وتحديات، جعلت عودها يشتدّ أكثر حتى تحقيق الحلم بالظفر بشهادة الثانوية العامة ولو بعد حين.

الغياب عن مقاعد الدراسة منذ عام 1983 ربما يجعل التعليم من الماضي في سلم أولويات الإنسان، وأن العودة للدراسة هو ضرب من الخيال، لكن إن وجدت الإرادة والعزيمة في آن واحد، فإنهما تصنعان المعجزات، وهذا ما فعلته نجاح محمد أبوريان من سكان مدينة حلحول شمال الخليل، والتي استشعرت بفرحة النجاح في الثانوية العامة، بعد 35 عاما من إنهاء الدراسة المدرسية.

"طموحي باستكمال دراستي والحصول على الشهادة الثانوية، حلم رافقني طيلة 35 عاماً، ولم يغب عن مخيلتي، ولم يكن العمر أو الظروف الاجتماعية التي وصلت لها عائقا لاستكمال دراستي الثانوية والنجاح بالفرع الأدبي، بعد هذا الكم من الغياب عن مقاعد الدراسة" بدأت نجاح تروي تفاصيل قصتها لـ"النجاح الإخباري".

الإرادة شعلة متقدة لا تنطفئ

مشاغل الحياة التي لا تعد ولا تحصى، وإبعاد زوجها خارج الوطن لسنوات عديدة، وما رافقها من تشتت وتفرق وحالة من الضائقة النفسية، بالإضافة لفقدانها فلذة كبدها ابنتها بعد تخرجها من الجامعة بعد صراع مع المرض، جعلها تستجمع قواها، وتقف وجها لوجه في تحدٍ للظروف التي من الممكن أن تحول بينها وبين حلمها.

وحول ذلك أردفت قائلة لـ"النجاح الإخباري":" مسيرة استكمال دراستي الثانوية أعتبرها بمثابة مسيرة كفاح ونضال لكل لحظات الضعف واليأس التي اجتاحتني بأن الحلم مستحيل، بالإضافة أنني موظفة في منظمة أطباء بلا حدود، فكل ذلك جعلت منه سلما أصعد من خلاله لتحقيق حلمي خطوة بخطوة.

وأضافت:" الأمل في تحقيق الحلم، والقوة الجبارة التي يحملها الانسان، والإيمان القوي بأن كل منّا قادر على تحقيق ما يصبو إليه، هو وقود يجعلنا نسير بخطى واثقة، تعرضت للانتقاد، ومحاولات التثبيط أن ما أقوم به شبه مستحيل، لكنني عقدت العزم، ونسجت من ذلك خيوط النجاح.

عندما يكون الأبناء الداعم لآبائهم لاستكمال دراستهم

هنا تختلف معادلات الحياة التي تعوّدنا أن نعايشها أو نسمع عنها، بأن يكون الآباء هم الداعمون والمساندون لأبنائهم، حتى إيصالهم لمنصات النجاح، والتسلح بالشهادات العلمية لمواجهة تحديات الحياة، لكن نجاح أبوريان بعد أن أوصلت أبناءها لبر الأمان بالحصول على الشهادات الجامعية، تسلحت بالإرادة والعزيمة، وركبت سفينة شراعها الأمل بالحصول على منالها.

وتابعت:" بعد أن استكلمن بناتي دراستهنّ الجامعية، كنت أردد أمامهن أمنيتي باستكمال دراستي مرارا وتكرارا، لذلك أعتبرهن من الداعم الأساسي لي وتشجيعي، حتى قمت بالتسجيل في مديرية تربية وتعليم شمال الخليل، لتقديم امتحان "الانجاز".

وبينت أنها لم تحصل على دورات تعليمية مساندة، ولم تكن ضمن برنامج الدراسات الخاصة في المدارس الخاصة، بل فقط من خلال الدراسة في منزلها بمساعدة بناتها، وكافحت واجتهدت طيلة العام الدراسي، ولم يكن الحظ حليفها بالنجاح في المرة الأولى، إلا أن حققت مرادها بكل مثابرة وتحدٍ في نتائج الاكمال لامتحان "الانجاز".

وأوضحت أنها استطاعت المواءمة بين حياتها العملية والاجتماعية وبين تخصيص جزء من وقتها للدراسة، كل ذلك لم يكن من السهل المضي قدما بثبات وعزيمة.

فرحة تعجز عن وصفها الكلمات

وعن سؤالنا عن شعورها بتلقيها نبأ نجاحها في الثانوية، وصفت نجاح أبوريان تلك اللحظات قائلة:" أنت تتخيل إنسان ينتظر فرحة منذ عشرات السنين وتتحقق، كيف للكلمات أن تصف تلك اللحظات؟ كيف تتلقى خبر نجاحك بعد كدٍ وتعبٍ وتحدٍ وحلم أصبح حقيقة؟.

وأردفت قائلة:"لاشيء يظاهي أن تقطف ثمرة نجاحك ليس كأي نجاح، امتلأ المنزل عن بكرة أبيه بالمهنئين من الأهل والأقارب، لأن ما حصل لم يكن معتادا بالنسبة لهم، الجميع أبدى فرحه وتقديره لما حققته، وهذا رفع من رصيد عزيمتي وإصراري لاستكمال ما بدأته، رحلة الألف الميل تبدأ بخطوة".

طموح لا تحده حدود

بعد وصولها لغايتها المنشودة بالنجاح في الثانوية العامة، لم ولن تقف عند هذا الحد، ستستمر في طريقها التي بدأتها، وستصل للشهادات العليا التي تطمح بالحصول عليها، أكدت نجاح أبوريان.

وأشارت أن علم الاجتماع هو التخصص الذي تصبو للالتحاق به، لكي تحسّن ظروف علمها، ويذلل الصعوبات أمامها، وأن الطريق لم تنتهِ بعد.

ووجهت رسالتها من خلال "النجاح الإخباري"أن اليأس والضعف وطول الطريق المعبدة بالأشواك والصعوبات، لا تدعها حاجزا أمام الإنسان وحلمه وهدفه وطموحه أياً كان، وأن لا يهمل الإنسان أو يستصغر فكرة جالت في خاطره، وأن لا يكون حبيس الظروف والصعوبات التي يمر بها.