هبة أبو غضيب - النجاح الإخباري - فتح إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أمس، انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، الأبواب أمام احتمالات واسعة قد تؤدي إلى حدوث توترات على المستوى السياسي الدولي.

فبعد فشل محاولات الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في احتواء الموقف بتعديل الإتفاق دون انسحاب ترامب مسبقا، ما هي السيناريوهات المتوقعة للرد الإيراني؟ ولماذا تمسك الأوروبيون بالإتفاق؟ وهل يمكن أن تلجأ الولايات المتحدة لفرض المزيد من العقوبات للضغط على الإقتصاد الأيراني؟ وكيف كانت ردود الفعل الدولية بعد الانسحاب؟ وما هي تفاصيل الاتفاق وبنوده؟

ضربة نحو إيران

المحلل في الشؤون الأوروبية والدولية د. حسام شاكر، اعتبر أن انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الايراني يعد حدثا هاما على المستوى السياسي الدولي وليس إقليميا فقط، مؤكدا أن تنصل طرف معين من الاتفاق يفسر بالضربة الدبلوماسية السياسية لأطراف اخرى شريكة.

وأكد شاكر في تحليل خاص لـ"النجاح الاخباري" أن نقض الاتفاق مرتبط بدخول أزمة يصعب احتوائها، أو اشتباك جبهة حرب.

لافتا إلى أن التوقعات قد تذهب نحو توتر ميداني أو اشتعال حالة حرب، مستدركا أن نقض الاتفاق قد يكون توجه حربيا معد له مسبقا من أجل الترتيب لضربة نحو إيران.

وأوضح أن هناك احتمالات واسعة، مؤكدا أنه يصعب تصور الخطوة الأمريكية القادمة، لافتا إلى أن اتفاق بهذا الحجم يعني تسكينا لأزمة دولية كبيرة عنوانها الملف النووي الايراني.

ومن بين الاحتمالات التي توقعها المحلل السياسي شاكر فتح المجال لمواجهة عسكرية باتجاه معين بينها سوريا بمبادرة امريكية اسرائيلية.

أوروبا الأقرب إلى بؤرة اللهب

وحول فرض الولايات المتحدة المزيد من العقوبات للضغط على الاقتصاد الايراني أوضح شاكر أن نقد الاتفاق سوف يلحقه عقوبات متعددة الاشكال، مشيرا إلى أن هناك اطرافا اوروبية مرتبطة بشكل مباشر بالعقوبات، وهناك خشية في الوسط الاقتصادي كونها ستؤثر مباشرة على أطراف الاتفاق، قائلا "تداعيات العقوبات واسعة ولن تتوقف على الطرف الايراني فقط".

وعن سبب تمسك الاوروبيون بالاتفاق، أكد شاكر أن الإتفاق بالنسبة لأوروبا يعد إنجازا كبيرا، مشيرا إلى أن زعماء أوروبا اليوم يشعرون بتقويضه الأمر الذي يدفع الى مواجهة تتمثل بفرض المصالح السياسية والاستثمارية.

واوضح أن الأوروبين أقرب للشرق الأوسط وهم الاكثر شعورا ببؤرة اللهب، إضافة إلى انهم مدركون لحجم الخسائر الاقتصادية والاستراتيجية التي سيدفعونها إثر تنصل أمريكا من الاتفاق.

وبين أن هذه الخطوة تقلق الأوربيون بشأن إدارة ترامب للعلاقات الدولية.

إسرائيل محفوفة بالمخاطر

بدوره أوضح المختص بشؤون الشرق الأوسط، حسن عبدو، أن الرد الإيراني ما زال عقلانيا حتى اللحظة، مشيرا إلى ان طهران لم تعلن خروجها من الاتفاق وانتظرت ردود الدول الأخرى الموقعة.

وكان الرئيس الايراني حسن روحاني عقب على إعلان ترامب نقض الاتفاق بالقول إن "الولايات المتحدة اظهرت دائما انها لا تفي بالتزاماتها"، متهما ترامب بممارسة "حرب نفسية". كما أعلن أنه يريد التباحث سريعا مع الاوروبيين والصينيين والروس لمعرفة مدى قدرة هؤلاء على ضمان مصالح ايران بعد انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي.

وأكد عبدو في تحليل خاص لـ"النجاح الاخباري" أن إسرائيل تشعر بالإرتياح وتعتقد أنها انتصرت، خاصة وأن ترامب قد وعد بذلك في الحملة الانتخابية له.

وكان قد تعهد ترامب مرارا بالانسحاب منه حال وصوله لمنصب الرئيس. وها هو منذ عدة أشهر يشن حملة شعواء على إيران، متهما إياها برعاية الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط وتطوير برنامج صواريخ طويلة الأمد قادرة على حمل رؤوس نووية وكيميائية، ويهدد بعدم تجديد التزام واشنطن بالاتفاق ما لم يتوصل إلى اتفاق جديد يملأ ثغرات الاتفاق القديم الممضي في ولاية سلفة باراك أوباما، ويحجم إيران.

ولفت إلى أن إسرائيل قد تبدو المستفيدة من الاتفاق، ولكنها اليوم أصبحت محفوفة بالمخاطر، مؤكدا أن الأمور قد تصل إلى مستوى حرب شاملة أكثر تعقيدا من الملف العراقي والسوري، كون الحرب مع إيران مكلفة للأطراف كافة.

واتفق عبدو مع المحلل السياسي شاكر بشأن فرض الولايات المتحدة المزيد من العقوبات على ايران، لافتا إلى ان العقوبات أمريكية وليست دولية، بمعنى أن العقوبات السابقة كانت تستند الى الفصل السابع من مجلس الامن، وهي تلزم دول العالم كافة الالتزام بها، مشيرا إلى ان العقوبات الامريكية لا تستند الى مثل هذه القرارات الدولية الأممية.

ولفت إلى أن باقي الدول كالصين وروسيا وغيرها لن تلتزم بالعقوبات مع أمريكا كونها شريكا اقتصاديا ولديها مصالح كبرى مع الاتحاد الاوروبي الذي لديه اتفاقات اقتصادية مع ايران.

وأوضح أن لدى ألمانيا وفرنسا عقود وقعت مع إيران مؤخرا ولا تريد هذه الدول خسارتها في ظل التراجع الاقتصادي في أوروبا.

أبرز ردود الفعل 

بدوره غرّد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على تويتر قائلا إن "فرنسا والمانيا وبريطانيا تأسف للقرار الاميركي بالانسحاب من الاتفاق النووي" الايراني وتريد "العمل في شكل مشترك" على اتفاق "اوسع"، وذلك بعيد اعلان انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق.

وأعلنت موسكو في بيان اصدرته وزارة الخارجية الروسية عن "خيبة أمل عميقة لقرار الرئيس ترامب الاحادي الجانب رفض تنفيذ التزامات خطة العمل الشاملة المشتركة"، معتبرة أن تصرفات واشنطن "تدوس على اعراف القانون الدولي".

من جهته، أكّد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو ان "اسرائيل" تدعم بالكامل القرار الشجاع الذي اتخذه الرئيس ترامب اليوم برفض الاتفاق النووي"  مع الجمهورية الاسلامية الايرانية.

أمّا وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي فيديريكا موغيريني فقالت في روما ان اتفاق فيينا 2015 "يحقق هدفه القاضي بضمان عدم تطوير ايران اسلحة نووية، والاتحاد الاوروبي مصمم على الحفاظ عليه"، مبدية "قلقها الكبير" لقرار ترامب الانسحاب منه.

كما أعرب الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش عن قلقه حيال اعلان انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق واستئناف العمل بالعقوبات الاميركية، داعيا الدول الخمس الاخرى التي وقعت الاتفاق النووي الايراني في 2015 الى "الوفاء بالتزاماتها تماما".

وأعلنت وزارة الخارجية السعودية "تأييدها وترحيبها" بقرار ترامب الانسحاب من الاتفاق و"إعادة فرض العقوبات الاقتصادية" على ايران.

كما أعلنت وزارة الخارجية البحرينية "دعمها التام لهذا القرار الذي يعكس التزام الولايات المتحدة الأميركية بالتصدي للسياسات الإيرانية ".

وأيّدت وزارة الخارجية الاماراتية قرار ترامب.

وكان للمتحدث باسم الرئاسة التركية ابراهيم كالين في تغريدة على تويتر حذّرها فيها من ان "الانسحاب الاحادي للولايات المتحدة من الاتفاق حول النووي هو قرار سيتسبب بعدم الاستقرار وبنزاعات جديدة".

وأعلنت وزارة الخارجية السورية أن دمشق "تدين بشدة قرار الرئيس الأميركي الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران الأمر الذي يثبت مجددا تنكّر الولايات المتحدة وعدم التزامها بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية".

ابرز العقوبات على إيران

لن يكون بمقدور إيران من الآن فصاعدا تصدير واستيراد الأسلحة، على خلاف ما كان ينص الاتفاق النووي مع الدول الغربية، مقابل وقف طهران برنامجها النووي المثير للجدل.

وستعود إلى اللوائح الأميركية السوداء أسماء أفراد وشركات وبنوك كانت متهمة في السابق بانتهاك القوانين الأميركية، لا سيما في ما يتعلق بعقوبات واشنطن على طهران بخصوص برنامجها النووي والصاروخي.

وسيحرم فرض العقوبات على إيران مجددا الاقتصاد المحلي من الانتعاش، الذي كان سيتحقق من استيراد قطع غيار الطائرات والسفن لتحديث أسطولها الجوي والبحري، بالإضافة حرمان طهران من صفقات تجارية خارجية ضخمة.

وبعودة العقوبات الأميركية على إيران، من المتوقع أن يتعثر الاقتصاد المحلي مجددا، إذ أن العقوبات كانت وراء أكثر من 20 بالمئة من مشكلات الاقتصاد الإيراني على مدار سنوات، كان أبرز معالمها بطالة تتجاوز 14 بالمئة.

أما قطاع النفط الإيراني، فسيكون أكبر متضرر من إعادة فرض العقوبات، لا سيما أنه أبرز مصدر للدخل في البلاد، وكانت إيران بحاجة إلى دعم من شركات غربية لتطوير هذا القطاع المنهك.

ولن يكون بمقدور إيران جذب استثمارات أجنبية للبلاد، بسبب إعادة فرض العقوبات الأميركية عليها، في ظل تشدد القوانين الداخلية مع قضايا الشركات الاستثمارية الوافدة من الخارج، لا سيما الغربية منها.

ومن ضمن العقوبات الأميركية التي سيتم إعادة فرضها على إيران، تجميد أي أموال لطهران في الخارج، خصوصا في الولايات المتحدة، مما سيحرمها من مداخيل هامة كانت ستنعش الاقتصاد الداخلي.

وبينما أوقف الاتفاق النووي الإيراني فكرة شن حرب غربية على طهران، فإن إعادة فرض العقوبات مجددا يضع هذه الفكرة على الطاولة من جديد، لا سيما مع اتساع رقعة تدخل إيران في شؤون دول المنطقة.

الإتفاق النووي الايراني

وكانت قد توصلت إيران والدول الست (الصين وروسيا وأمريكا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا) بعد مفاوضات من 26 آذار/مارس لغاية 2 نيسان/ابريل 2015 إلى اتفاق في مدينة لوزان السويسرية من اجل التوصل إلى تسوية شاملة تضمن الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني، و الغاء جميع العقوبات علي إيران بشكل تام.

ونص الاتفاق وقتذاك على رفع العقوبات الأميركية والأوروبية بمجرد تحقق الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أن إيران تحترم التزاماتها.

ويعتبر الاتفاق الاطار اختراقا مهما في ازمة استمرت 12 عاما حول برنامج إيران النووي، ومن المقرر أن ترفع الأمم المتحدة العقوبات بمجرد احترام إيران لكل النقاط الأساسية في الاتفاق. ويمكن إعادة العمل بها (اي العقوبات) في حال عدم تطبيق الاتفاق.

بنود الاتفاق النووي الايراني

زيادة مدة إنتاج المواد الانشطارية اللازمة لتصنيع قنبلة نووية حتى عشر سنوات كحد أقصى بدلا من شهرين.

خفض عدد أجهزة الطرد المركزي بنسبة الثلثين خلال عشر سنوات والسماح بتشغيل 5000 جهاز فقط لتخصيب اليورانيوم في منشأة نطنز بنسبة 3,67 بالمئة خلال فترة 15 عاما.

خفض المخزون الإيراني من اليورانيوم الضعيف التخصيب من 10 آلاف كيلو غرام إلى 300 كيلو غرام على مدى 15 عاما.

عدم بناء أية منشآت نووية جديدة طيلة 15 عاما.

تكليف الوكالة الدولية للطاقة الذرية بمراقبة منتظمة لجميع المواقع النووية الإيرانية وكل الشبكة النووية بدءا من استخراج اليورانيوم وصولا إلى الأبحاث والتطوير مرورا بتحويل وتخصيب اليورانيوم. وتمكين مفتشي الوكالة من الوصول إلى مناجم اليورانيوم وإلى الأماكن التي تنتج فيها إيران "الكعكعة الصفراء" (مكثف اليورانيوم) طيلة 25 عاما.

تمكين مفتشي الوكالة من الوصول لمواقع عسكرية غير نووية بشكل محدود في حال ساورتهم شكوك في إطار البروتوكول الإضافي لمعاهدة حظر الانتشار النووي.

مفاعل المياه الثقيلة الذي هو قيد الإنشاء في آراك سيجري عليه تعديلات كي لا يتمكن من إنتاج البلوتونيوم من النوعية العسكرية.

العقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة على الأسلحة ستبقى خلال خمس سنوات لكن يمكن لمجلس الأمن الدولي أن يمنح بعض الاستثناءات. وتبقى أي تجارة مرتبطة بصواريخ باليستية يمكن شحنها برؤوس نووية محظورة لفترة غير محددة.

رفع كل العقوبات الأمريكية والأوروبية ذات الصلة بالبرنامج النووي الإيراني، وتستهدف القطاعات المالية والطاقة -خاصة الغاز والنفط والنقل.