مهند ذويب - النجاح الإخباري - لا شكّ أنّ الذّهاب لمجلسٍ وطنيّ هو استحقاقٌ وطنيّ وشعبيّ فلسطيني، في ظلّ معادلات مختلفة تبرز وبقوّة إلى الساحَة السّياسيّة العربيّة والفلسطينيّة على حدٍ سواء، فمسيرات العودة الشّعبيّة التي انطلقت في الثلاثين من آذار الماضي استطاعت أن تعيد غزّة إلى الواجهة، وأربكت حكومة الاحتلال التي باتت تخشى من انهيار الوضع في غزّة، فقد دارَ حديث كبير في الآونة الأخيرة عن فتح معبر كرم أبو سالم، وزيادة مساحة الصّيد، وعُقدت جلسة ضمت بعض الزعماء في البيت الأبيض غابت عنها قيادة السّلطة الوطنيّة الفلسطينيّة، إضافةً إلى تحذيرات إسرائيليّة مما أسموه انفجار القِطاع، وزاد حديثُ السّياسيين عن سياسة ليبيرمان: "إبقاءُ الرأس فوق الماء". 

مراقبون يرون أنّ إسرائيل لا تريد مرّة أخرى العودة للوراء، فانهيار غزّة على أعتابها يعني انهيارًا لما يسمى "صفقة القرن"، وانهيارًا لمساعي ترامب وحلفائه، ونسفًا كاملًا لما قاله إيغورا آيلاند في "يديعوت أحرنوت" أنّ غزّة تمتلك مقوّمات الدّولة المستقلّة، بحدودها، وعمقها الجغرافي، وقيادَتها السّياسيّة، وهي مستقلّة منذ 12 عامًا، ويعني أيضًا عودَتهم مضطرين إلى إدارة القطاع.

ناحوم برنياع كتب في يديعوت قبلَ أيّام أنّ الحكومة الإسرائيليّة لن تَستطيع احتكار الرّواية العامّة لما يحصُل في غزّة، وهذا يضعها في مأزِق شَديد، لكنّ وعلى الرّغم من عداء حماس وإسرائيل الشّديد إلّا أنّ هناك ما أسماه مصالح مشتركة بينهما، فقال: "في هذه الأثناء، في حرش الأشجار في مدخل (ناحل عوز)، التقيتُ قائدين من الجيش الإسرائيلي. قال أحدهما: «بدأ هذا كمبادرة أهليّة، في الشّبكات الاجتماعية. فالتقطت «حماس» المبادرة ووجهتها باتجاهها، هي تريد عملًا احتجاجيًا شعبيًا ولكنه عنيف، وهدفها هو رفع غزّة من جديد إلى جدول الأعمال العربي والدولي، أمّا حقّ العودة فهو مجرد منصّة»، وهذا هو هدفنا أيضًا، فاللواء فولي مردخاي سافر الشّهر الماضي، إلى القاهرة، وإلى واشنطن (مرتين)، وإلى بروكسل في محاولة لاقناع حكومات عربيّة وغربيّة للعمل من أجل منع انهيار غزة، فإذا سقطت غزّة، فإنّها ستسقط على حافّة بوابتنا".

المبعوث الأمريكي للسّلام جيسون غرينبلات أعلن أنّ يد الولايات المتّحدة ممدودة لحركة حماس لمساعدتها في تَحسين الأوضاع المعيشيّة في غزّة إذا نبذت العنف، وفي السّياق ذاته تحدّثت مصادر عبريّة عن ضغوطات خارجية على حماس لوقف المَسيرات مقابل فتح معبر رفح، كل هذا يُشير إلى الرّغبة الحقيقيّة في تكريس الانقسام، والتّعامل مع حماس على أنّها السّلطة الشرعيّة في القطاع.

حنان عَشراوي عضو اللّجنة المركزيّة لحركة فتح قالت: " إنّ المَخفي من وراء هذه التّصريحات هو محاولة تكريس الانقسام، وفصل غزة عن الضفة، وتحويل القضيّة من سياسيّة إلى قضية تحسين ظروف الحياة، بهدف التسويق لما يسمى بـ (صفقة القرن) والتّوجه نحو قضية السّلام الاقتصاد" .

وأشارَت عشراوي في تصريح لها صَباح اليوم: "أنّ القضيّة ليست أنّ حماس ستصبح بديلًا للمنظمة، فطالما عرّفت إسرائيل حماس بالإرهاب، والولايات المتّحدة ستعرّفها بذلك، وهذا الأمر (فخ) أعدّته واشنطن لحماس وللحركة الوطنيّة بكاملها، باعتبار أنّ هناك حقوقًا خاضعة للبيع، ويمكن أن نقبض ثمنها، وإنّ أيّ تعاطٍ مع هذا التّوجه، سيكون له مردودا خطيرا على الوضع الوطني الفلسطيني بشكل عام، فالولايات المتّحدة ليست هي من يضفي الشّرعية على أيّ فصيل، وليس بإمكانها استبدال منظّمة التّحرير بحركة حماس". 

هذا يعني أنّ المَجلس الوَطني الفلسطيني الذي سيعقد في ظلّ غيابٍ لحماس والجهاد سيرسّخ لانفصال غزّة، الذي تسعى له دولة الاحتلال، فرغم أنّ السّلطة الوطنيّة الفلسطينيّة جدّدت دعوتها للأحزاب الفلسطينيّة كافّة للمشاركة في هذا الاجتماع، لكنّ على ما يبدو أنّها لن تُشارك، وربّما ستقع في فخ البديل عن المنظّمة والسّلطة، كما أشارت عشراوي.

ويرى محلّلون أنّه يتحتّم على المجلس الوَطني أنّ يدرك أنّ مسيراتِ العودة الكبرى تُشكّل قاعِدة شعبيّة يجبُ البناءُ عليها، خاصّة أنّها حالةً من الانفجار في الشارِع الفلسطيني، وهذا الانفجارُ الذي ذهبَ إلى الاتّجاه الصّحيح تمامًا نحوَ الاحتلال، ولم يتّجه للفَوضى والاقتِتال الداخِلي رغمَ توفّر الأرضيّة الخصبة لذلك، وهي مَسيرات وطنيّة شعبيّة لا يحرّكها أي فصيل، فقد تناقَل نشطاء في وسائِل التّواصل الاجتماعي مؤخرًا صورًا لمنع حماس للمنتظاهرين من الوُصول إلى السّياج الفاصِل بالعِصيّ قبل عامين في ذكرى يوم الأرض، وأكّدوا أنّه حراك شعبي غير مسيّس.

إذن على المجلس الوَطني أن يعي أيضًا أنّ هذه القاعدة الشّعبية مستعدّة لتطبيق أي قرار وطني مُنصِف يمكن أن يصدر عن هذا المجلس، وهذا من شأنِه قلب معادلاتٍ كثيرة في غزّة والضّفة على حدٍ سواء، وإفشال المَساعي التي تقترب من الحَقيقة لفصل القِطاع، وكسب هذه القاعدة الشّعبية لصفّ الشّرعية الفلسطينيّة، ويجب أن تكونَ القرارات بحجمِ ثقة هذا الشّعب، وبحجم تضحياتِه على مدى سبعينَ عامًا مِن النّضال.