غيداء نجار - النجاح الإخباري - موسيقى آذار التي تشدو بها الطيور، تتدفق في زهر اللوز الذي بدأ يتفتح، ويتراقص على نغماتها العشب المزين باحمرار وريقات شقائق النعمان، هذه الإطلالة الرائعة واللوحة المتقنة لا تحلو إلا بشمس الصباح التي تسرق نفسها خلسة لتبث الأمل والتفاؤل، وما أن يحل المساء إلا وقد اكتشفها الشتاء المتثاقل الذي يعد أنفاسه الأخيرة لهذا العام، فيحكم بالبرد القارص وكأنه يحاول تجديد شبابه، ويصدق المثل "آذار الغدار ساعة شميسة وساعة أمطار وساعة مقاقاة الشنار".
يستبشر البعض بقدوم شهر آذار خيراً، فبهذا الشهر تتفتح أزهار الربيع، وتخضر الأرض، بعد برد الكانونين القارس وأمطارهما، وما أن تضع عينيك على مكان تجتاحه الطبيعة الخلابة إلا وتجد روحه مفعمة بالحياة، تارة من الأجواء الرائعة وتارة من جولات المواطنين ورحلاتهم.
وكعادته تراثنا لم يبخل على هذا الشهر.. فقد تغنت الأمثال الشعبية له، فتقول الحجة أم سليمان: "آذار الهدار فيه الصواعق والأمطار بييجي الغنم قطار قطار ما يعرف وين باب الدار"، وحول سؤالنا عن المعنى الذي يوحي له، أجابت "في السنوات الماضية كانت السماء تمطر بحلول هذا الشهر أمطار غزيرة مصحوبة بالبرق والرعد ولشدتها تأتي الأغنام مسرعة لا ترى باب الدار".
وأضافت: "وبحسب جدتي فكانوا يقولون " في آذار افطم ابنك لو انه قد الشنار" وعن السبب توضح أن طقس آذار هو الأنسب لفطم الطفل عن حليب أمه، فدرجات الحرارة ليست بالحارة كما الصيف ولا باردة جداً كما الشتاء".
وأشارت الحجة إلى أن آذار هو بداية لفصل الربيع، كما أنه بداية كل شيء جميل، فهو شهر بزوغ الكثير من النباتات، وخروج الزواحف من جحورها، فكما قال المثل "مية آذار بتحيي الزرع والأشجار".
ويقاطعنا صوت زوجها الذي يجلس في الغرفة المجاورة، ليقول: " في آذار بيبيض اصغر طيار"، موضحاً أن جميع أنواع الطيور تبدأ بهذا الشهر بوضع البيض في أعشاشها حتى الصغيرة منها.
وأضاف: "في زمن جدي كانوا يحرصون على جمع الحطب وتخبئته لشهر آذار خشية الأمطار، وكانوا يقولون أن شهر آذار متناقض فساعة تسطع أشعة الشمس وسط السماء، وتهطل الأمطار في ذات الوقت".
وأردفت الحجة أم سليمان: "آذار يتميز عند مربي الماشية بإعداد الجميد، وعند المزارعين والقرى تحديداً بـ"العكوب، العليق، ورق اللسان، والجرجير، والفول الأخضر، والزعمطوط، والزعتر، بالإضافة للبازيلاء الخضراء واللوز".
في آذار يتساوى الليل والنهار
وقال مدير عام الأرصاد الجوية يوسف أبو أسعد: " إن درجات الحرارة شهدت بالأيام القليلة الماضية أعلى معدل لهذا الشهر"، مشيراً إلى أن الانقلاب الربيعي سيكون بـ21 من الشهر الحالي.
والاعتدال الربيعي يحصل عندما تكون الشمس في هذا اليوم منطبقة تماما على خط الاستواء، بحيث يتساوى الليل والنهار تماما، وكذلك يعلن هذا اليوم بدء فصل الربيع في النصف الشمالي واستهلال فصل الخريف في النصف الجنوبي.
كل بله بغلة
وعن أهمية حرث الأرض وفلاحتها في آذار، أشارت الأمثال بقولها: "الكِرم إذا ما انفلح بآذار بار، "أحرث في آذار لو السيل كرار"، وحول أهمية ذلك، قال المزارع أبو سامح: "الأفضل للأرض حراثتها والاعتناء بها بهذا الشهر فبعد آذار يكون قد فات موعد حرثها والذي هو مفيد للقضاء على الأعشاب بين الأشجار لتستفيد من الماء الذي حفظته الأرض".
وأضاف: "والمثل قال "في آذار كل بله بغلة"، أي أن أي تساقط للمطر وإن كان خفيفا ً في هذا الشهر ففيه فائدة كبيرة بحيث يزيد إنتاج المحصول عند الحصاد".
وأردف: "وللزيتون علاقة بآذار، والمثل بيقول "إن لسن الزيتون في آذار حضروله الجرار"، أي بدأت براعمه بالظهور".
ويتوافق بشهر آذار من أيام المربعانية كل من: سعد السعود والذي يبدأ من 26 شباط حتى 10 آذار، تدب خلاله الحياة في الأرض، ويقال عنه في الأمثلة الشعبية "بسعد السعود بيبرد كل دفيان وبيدفا كل بردان" و "بسعد السعود بتطلع المية بالعود".
وآخر أيام السعود "سعد الخبايا"، وتبدأ من 10 وتنتهي في 22 آذار وتصادف نهايته الاعتدال الربيعي، وخلاله تستيقظ الحيوانات والحشرات من سباتها وتخرج من الأرض، ومن أشهر الأمثلة المتداولة عنه "بسعد الخبايا بتطلع الحيايا".
الشهر الحنون
لطالما وصف آذار بالشهر اليانع، وبهذا الشهر ينتشر هواة التصوير، وقال المصور الصحفي أحمد تميم: "اللون الاخضر والزهور وطبيعة هذا الشهر بشكل عام تلفت الانتباه، حتى ان الانسان العادي وليس المصورون فقط ينشدون للتصوير".
وأضاف: في الشتاء يكون هناك لحظات تساقط الأمطار والثلوج ولكن الانسان لا يستطيع التقاط العديد منها من شدة البرودة، وتساقط أوراق الأشجار بالخريف هي صورة تعبر عن الكثير ولكن الغبار يطغى نتيجة هبوب الرياح القوية، كما أن فصل الصيف جاف، يحرق كل جميل، بينما آذار يقف منتصفاً بجمال طقسه فهو الشهر الحنون بطقسه وجماله".
ولا ننسى ما هو على أجندة هذا الشهر و ما ارتبط به من مناسبات: ففي الثامن من هذا الشهر تكرم المرأة بـ"يوم المرأة العالمي، والتي هي الأم والابنة والأخت والزوجة والشهيدة والأسيرة.
وفي الحادي والعشرين.. نحتفل بيوم الأم، ونكرم عطاءها اللامحدود ونرد جميل ربيع أيامها التي زرعت لتعطينا حياة فضلى.
وفي آذار أيضاً، يحتفل الفلسطينيون بـ" يوم الأرض الفلسطينيّ" بتاريخ 30\3 من كلّ عام؛ ليعبّروا عن تمسّكهم بأرضهم وهويتهم الوطنيّة.
وعلى صفحاته أيضاً، نحيي في الحادي والعشرين ذكرى معركة الكرامة الخالدة، التي بذلت فيها دماء طاهرة روت ارضاً طهوراً.
