نهاد الطويل - النجاح الإخباري -  الفلتان الأمني  وضعف سيطرة الدولة على المناطق خارج المدن بما فيها الموانئ والمناطق الساحلية المطلة على البحر الأبيض المتوسط، يدخلان ليبيا في دوامة جديدة، بعد أن أضحت ممرًا رئيسًا لتهريب البشر من القارة الإفريقية إلى أوروبا، وعلى مدى السنوات الماضية تدفق آلاف المهاجرين إلى دول القارة العجوز التى تواصل مساعيها لجعل ليبيا حصنًا لصد تدفق اللاجئين تجاهها.

باريس تدق الجرس!

هذه الفوضى التي تتاجر بالبشر دفعت المندوب الفرنسي لدى الأمم المتحدة "فرانسوا ديلاتر" إلى الدعوة لاجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي لرفع مستوى الوعي داخل المجتمع الدولي بشأن المأساة التي تحدث هناك.

الاجتماع الذي عقد  بالأمس يهدف إلى العمل على التصدي للاتجار بالبشر بفاعلية والتعبير عن معارضة مجلس الأمن الموحدة والقوية ضد هذه الممارسات التي صدمت ضمير العالم  وكسر نموذج هؤلاء المتاجرين بالبشر.

ويتوقع أن يتطرق مجلس الأمن الدولي إلى إمكانية فرض عقوبات فردية على الاتجار بالبشر، وهو ما كشف عن مصدر دبلوماسي فرنسي في باريس ولم يستبعد المصدر اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية.

يذكر أن مهاجرين من دول أفريقية عدّة مثل غينيا، والسنغال، ومالي، والنيجر، ونيجيريا وغامبيا، يعبرون الصحراء إلى ليبيا سعيًّا لعبور البحر المتوسط نحو إيطاليا.

وفي هذا الصدد يؤكّد المحلل السياسي الليبي محمود الرملي: "أنَّ إعادة طرق مسألة الاتجار بالبشر حول العالم من البوابة الليبية يضعنا أمام تساؤلات كبيرة".

وقال الرملي لـ"النجاح الإخباري": "هو إعادة لتوظيف الأمور سياسيًّا وأمنيًّا وهي محاولة لزيادة توتير الأمور على الساحة الليبية مطالبًا الاتحاد الأوروبي بتحمل مسؤولياته".

ووصف الرملي طريقة معالجة جميع الأطراف لهذا الملف بالتدخل السلبي، وأنّ ليبيا لا يراد لها أن تستقر.

تقرير مرعب ..ليبيا ترد!

وكان تقرير لشبكة "سي إن إن" الأمريكية قد أظهر أنَّ مهاجرين يتم بيعهم بالمزاد في ليبيا، وتمَّ تداوله على شبكات التواصل الاجتماعي، مما أثار تعاطفًا كبيرًا واستدعى ردود فعل منددة في أفريقيا والأمم المتحدة.

وفي طرابلس قالت المبعوثة الخاصة للاتحاد الإفريقي ومفوضة الشؤون الاجتماعية بمفوضية الاتحاد أميرة الفاضل محمد الفاضل:  "إنَّ جهود المفوضية ستتواصل بدون توقف بهدف التعاون مع ليبيا لمعالجة مشكلة المهاجرين غير الشرعيين المتواجدين حاليًّا في ليبيا.

وفي ما يتعلق بالاتهامات المواجة إلى ليبيا حول وجود أسواق للرقيق، طالبت الفاضل بالتحقيق في الفيلم الذي بثته وسائل الإعلام، موضحة أنَّ الاتحاد الإفريقي لديه ثقة كبيرة في قدرة ليبيا على التصدي لهذه المشكلة.

تقرير دفع أعيان ومكونات الجنوب الليبي إلى رفضه أيضًا معتبرين أنَّه يإتي في إطار الحملات المغرضة التي تبثّها بعض الجهات بشأن قضية الإتجار بالبشر”وذلك بهدف تشويه صورة الشعب الليبي أمام شعوب العالم". 

واتّهم البيان دولًا عدّة باتّخاذ تلك الحملات ذريعة للتدخل في الشئون الداخلية لليبيا و فرض أجندتها الخارجية من خلال ممارسة الضغط على الليبين من أجل القبول بتوطين المهاجرين غير الشرعيين داخلها.

شوبار: الفيديو صور في العراق

رئيس المنظمة الليبية للحفاظ على الهوية محمد شوبار أكَّد بدوره أنَّ الفيديوهات التي نشرت تمَّ تفنيدها من قبل مؤسسات إعلامية دولية وأن ما نشرته الـ "سي أن أن" تمَّ تصويره في العراق قبل سنوات..

واعتبر شوبار أنَّ مسألة الحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية هي مسالة تكاملية ما بين دول المصدر ودول العبور وعلى الجميع أن يتحمل مسؤولياته، وأنَّ ليبيا لا تستطيع وحدها تحمل كل هذا العبء"

"نحتاج إلى اتفاقية دولية تلتزم بها دول المصدر ودول العبور." دعا شوبار.

رافضًا في الوقت ذاته تحميل ليبيا المسؤولية وهو ما يعتبره محاولة للتدخل في الشأن الليبي عبر إجبار ليبيا بتوطين المهاجرين الأفارقة في البلاد.

كلش: تحذر ...

بدورها تؤكد رئيسة مركز تمكين لحماية وتعزيز حقوق الإنسان في الأردن ليندا الكلش أنَّ معظم الدول العربية لديها تشريع لجهة مكافحة الإتجار بالبشر ويختلف من دولة لأخرى وهل يتم تفعيل هذه التشريعات أم لا؟

وأكَّدت كلش لـ"النجاح الإخباري":  أنَّ هناك خيط رفيع بين تهريب المهاجرين والإتجار بالبشر في حين يشكّل تهريب المهاجرين  جريمة، فإنَّه لا يعتبر في كلّ الحالات "اتّجار بالبشر "لأنَّه يكون برغبة المهرب نفسه".

واستدركت كلش حديثها بالقول :" لكن العملية سرعان ما تتحول في كثير من الأحيان إلى إتّجار بالبشر كما حدث في ليبيا حيث تتم التجارة عبر بيع المهاجرين بين المهربين أنفسهم - بيع المهاجر من مهرب لآخر".

وتقول كلش: إنَّ "سعر" الضحية يعتمد بالدرجة الأولى على"الجنس ولون وقطاع العمل".

وأكَّدت كلش على أنَّ هذه التجارة غير المشروعة تعتبر الثالثة عالميًّا بعد الاتّجار بالمخدرات والسلاح محذرة من استمرارها خلال الفترة القادمة في الوقت الذي يعجز فيه المجتمع الدولي عن حلها، ناهيك عن إغلاق قنوات الهجرة الشرعية.
 

أرقام صعبة ..!

وتكشف الإحصائيات الصادرة عن منظمات حقوقية دولية أنَّ الذين يتم الإتجار بهم عبر الحدود الدولية (900) ألف فرد منهم (80%) من الضحايا نساء و(70%) منهم تتم المتاجرة بهم لأغراض جنسية وأنَّ ضحايا الاتجار بالبشر في العالم حوالي (3) مليون سنوياً بينهم مليون طفل.

الكاتب والمحلل السياسي الدكتور حسن أيوب : الاتجار في البشر الذي يحدث في القرن العشرين والواحد والعشرين لا يتم الحديث عنه بذات الدرجة من الانفتاح والمسؤولية الأخلاقية والقانونية حول هذه الجريمة التي ترتكب بحق لإنسانية."

وقال أيوب لـ"النجاح الإخباري": في السنوات الأخيرة وبالذات في مرحلة اقتصاد العولمة شهدت ما يمكن أن يوصف بأنَّه انفجار أو زيادة مطردة والأرقام فيها تكاد تكون فلكية، وأنَّ ما يعرف عنها هو جزء فقط كونها تحدث بشكل سري وتقدر بحسب المصادر فإنَّ أرباح هذه التجارة تقدر ببليون دولار سنويًّا.

وشدَّد أيوب أنَّ المسألة تأخذ بعدين: تجارة البشر بين الدول وتجارة البشر بين الدولة الواحدة لأغراض مختلفة.

وتقدّم شبكات المهربين خدمات تساعد المهاجرين في الوصول إلى مقصدهم في إحدى الدول الأوروبية بطريقة غير مشروعة مقابل سعر معين يطلبه المهربون ما يدفع المهاجرين في كثيرٍ من الأحيان إلى الاستدانة وتحمل عبء الديون، حيث يضطر عدد منهم غالباً للعمل بشكل غير قانوني على طول الطريق ريثما يصلون إلى وجهتهم.

مصر تدخل على الخط ..

بدورها رفضت مصر بشكل كامل الانتهاكات ضد المهاجرين واللاجئين خلال محاولة عبورهم الأراضي الليبية إلى أوروبا، أو المساس بحقوقهم وكرامتهم الإنسانية، مثمنة قرار المجلس الرئاسي الليبي بالتحقيق فى مثل هذه التقارير والاتهامات تمهيدًا لمحاسبة المسئولين عنها.

وقالت الخارجية المصرية: "إنَّ فشل السياسات التى تنتهجها بعض الدول فى التعامل مع قضية الهجرة يدفع المهاجرين قسرًا إلى دول لخيارات صعبة بما يعرضهم للوقوع فريسة لعصابات الاتجار فى البشر، مرحبة فى هذا السياق باعتماد مجلس الأمن بالإجماع للقرار رقم (2388) بشأن الاتّجار فى البشر خلال النزاعات.

وكان برنامج "سيناريوهات" على فضائية "النجاح" قد سلط الضوء بشكل موسع على الظاهرة التي باتت تؤرق الرأي العام العربي والغربي كما استضاف البرنامج اللاجىء الصحفي  الفلسطيني في النمسا رفاعي عنكوش والذي كشف بدوره عن تجربته المرّة .