خلف جمال - النجاح الإخباري - لفلسطين معادلاتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المختلفة عن كافة دول العالم، فوجودها تحت الاحتلال يجعل الأمور ضبابية ومن الصعب تقديم قراءات دقيقة حولها، فالاقتصاد مثلاً يرتبط كل الإرتباط بالتطورات السياسية على الأرض، فعندما يكون هناك هدوء واستقرار لفترة طويلة يتدفق الدعم الدولي على السلطة وتنتعش الاستثمارات، وعندما يغلق الاحتلال الابواب ويمنع حركة الأفراد والبضائع عبر الحدود والمعابر ينعكس ذلك سلبًا على معدلات الفقر والبطالة وغيرها من قضايا ذات صلة.

وفي السنوات الأخيرة بفعل تطورات إقليمية ودولية بدأت عجلة الدعم المالي للسلطة الفلسطينية تتراجع بوتيرة كبيرة، وعملت الحكومة الفلسطينية على إتباع إجراءات تقشف في سبيل تقليل نسب الانفاق وزيادة معدلات النمو، ونجحت إلى حد كبير في تحقيق العديد من الإنجازات على عدة مستويات في قطاع الصحة والتعليم والطاقة والاقتصاد، ورغم ذلك يحاول البعض مقارنة نسبة النمو الاقتصادي في الضفة الغربية الآن مع سنوات سابقة كانت نسبة النمو فيها تشهد طفرة نتيجة حالة سياسية عابرة.

طفرة عابرة

يقول الخبير الاقتصادي، الدكتور نصر عبد الكريم لـ"النجاح الإخباري"، إن النمو في فترات 2008- 2010 كان يشكل طفرة، ولكن لا يعود الفضل للحكومة الفلسطينية في تلك الفترة، بل ما حدث كان عبارة عن طفرة في المساعدات الدولية، وخاصة بعد انحسار المساعدات الدولية في ظل وجود حكومة حركة حماس في الحكم وتوقف هذه المساعدات، وبالتالي يقول إن النمو في تلك الفترة لم يكن ناجما عن حكمة اقتصادية، وانما ناتج عن واقع سياسي.

ويقول الخبير الاقتصادي نصر عبدالكريم المساعدات التي وصلت في عام 2008 تجاوزت 2.5 مليار دولار، لأن المساعدات كانت متوقفة بسبب محاصرة حماس، وبالتالي بمجرد خروج الحركة من الحكم وصل ما تراكم من اموال لدى الدول المانحة، وهو ما رفع نسبة النمو في تلك الفترة.

ويشدد على أن الدعم في آخر حكم الدكتور سلام فياض بدأ يتراجع وعليه بدأت دورة جديدة من النمو. وفي النهاية من يتحكم في الاقتصاد الفلسطيني هو الاحتلال، والهامش المتاح للفلسطينيين ضيق.

ويضيف: "نسبة النمو في فلسطين حاليا طبيعية، وهي نسبة قد لا تتواجد في الولايات المتحدة والدول الأوروبية ولا حتى في إسرائيل".

ويؤكد في الوقت ذاته أن نسبة النمو في فلسطين تتعلق بقدر كبير في المساعدات الدولية، وفي ظل تراجع الدعم الدولي للسلطة الفلسطينية في السنوات الأخيرة فان نسبة النمو جيدة.

ومع نهاية آب/أغسطس الجاري، سجّلت المساعدات الماليّة الدوليّة للحكومة الفلسطينيّة تراجعاً غير مسبوق وصل إلى 70 في المئة خلال 4 سنوات.

وكان المجتمع الدوليّ مع إنشاء السلطة الفلسطينيّة في عام 1994 بموجب إتّفاق أوسلو لعام 1993 قد تعهّد بتوفير الدعم الماليّ لها بمبلغ يتراوح بين 1.2-1.5 مليار دولار سنويّاً، وهو ما التزمت به الدول المانحة حتّى عام 2012 حسب ما كشفه رامي الحمد الله لدعم الموازنة، لكنّها تراجعت بعد ذلك لتصل في عام 2015 إلى 750 مليون دولار فقط حسب بيانات وزارة الماليّة الفلسطينيّة.

اولويات المانحين

وبدوره يقول الخبير الاقتصادي، د.هشام عورتاني، لـ"النجاح الإخباري" أن النمو الاقتصادي يعني مقدار الاموال التي تدخل جيوب المواطنيين. ويوضح بالتالي فان هذه الأموال قد لا تكون نتيجة عمل يقومون به. وانما نتيجة مساعدات تأتي من الخارج.

وعليه فان تراجع دعم المانحين للسلطة الفلسطينية في الوقت الراهن نتيجة اعتبارات سياسية وإقليمية انعكس بشكل كبير على النمو الاقتصادي.

ويتابع: "الدول المانحة الآن اولوياتها اختلفت بسبب تدهور الأوضاع في المنطقة العربية وظهور ما بات يعرف باسم داعش وغيرها من الحركات المتطرفة".

ويشير إلى أن الحكومات الفلسطينية لا تتحكم كثيرا في قضية النمو الاقتصادي وخاصة في ظل وجود الاحتلال المتحكم في الحدود والمعابر.

ويؤكد الدكتور هشام عوراتاني أن الفلسطينيين يجب أن يتصالحوا وينهوا الانقسام بين الضفة وغزة حتى يستطيعوا مخاطبة العالم بلسان واحد.

مشيرا إلى أن نسبة كبيرة من دول العالم فقدت ثقتها بقضيتنا بسبب خلافاتنا الداخلية.

وكان رئيس الوزراء الفلسطيني د.رامي الحمد الله أكد في وقت سابق أن بعض الدول المانحة تحاول ابتزاز القيادة الفلسطينية، من خلال مواصلة الدعم مقابل مواقف سياسية معينة. 

وشدد الحمد الله على أن القيادة الفلسطينية لن تفرط بالثوابت ولن تبيع المواقف السياسية.

ومؤخرًا صدر، كتاب "الاقتصاد الفلسطيني: حصار عوامل الانتاج" للدكتور محمد اشتية عن المجلس الاقتصادي الفلسطينية للتنمية والإعمار "بكدار"، والذي أكد أن الأزمات التي تعيشها الأراضي الاقتصادية ليست نتاج سياسات اقتصادية خاطئة. كما أوضح أن الأوضاع الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية صعبة ومتأرجحة حيث تلقي حالة عدم اليقين السياسي والأمني بظلالها على آفاق النمو. مع التأكيد على أن استمرار الاعتماد على المنح والمساعدات الخارجية لتسديد النفقات الجارية أحد أبرز المخاطر المحيطة باحتمالية عدم قدرة السلطة على تحمل ضغوط الإنفاق