غيداء نجار - النجاح الإخباري - ظاهرة التهريب على المعابر كغيرها من الظواهر السلبية الآخذة بالتفشي في مجتمعنا، فما هي المواد المهربة وما طرق تهريبها؟ وما هي الإجراءات؟ وما الدوافع؟ ومن هم المهربين؟ هي أمور سيتم مناقشتها بهذا التقرير.

يقول مدير العلاقات العامة والإعلام بالضابطة الجمركية الرائد لؤي بني عودة: "إنَّ أغلب السلع التي يتمّ تهريبها هي الدخان، التمباك، المعسل، المستحضرات الطبية، مواد التجميل، والمنشطات الجنسية، ويتم الإمساك بهم من خلال الملاحظة وتفتيش الحقائب والأمتعة، وهناك بعض التجّار ممن يمررون باستمرار من المعبر وتكون وجوههم مألوفة، أو من يُطلق عليهم تجّار الشنتة".

وبخصوص التاجر والبضاعة، يضيف عودة: "فور إمساكنا بالتّجار يتم التعامل مع البضاعة حسب نوعها ويتم التحفظ عليها ومصادرتها، ويتم تحويل التاجر للقضاء ولجهات الاختصاص".

نساء مهربات

لم تعد عمليات التهريب تقتصر على الرجال، بل تنفذها نساء أيضًا، فيقول عودة: "تمَّ تمرين النساء ليعتدن على تهريب بضائع بشكل يومي على تلك المعابر منذ سنوات، وفي الآونة الأخيرة لاحظنا أنَّ النسبة الأكبر من المهربين هن من فئة الإناث، فقد امتهنَّ هذه التجارة من خلال تهريب البضائع في حقائبهن مستغلات كون العادات والتقاليد في مجتمعنا الفلسطيني تمنح الإناث تعامل خاص ومراعاة في التفتيش".

طرق لا رقابة فلسطينية عليها

وفيما يتعلق بطرق التهريب التي يعتمدها التّجار، يضيف عودة: "دائما ما يطوّر التّجار طرق تهريبهم ويكتشفون طرق جديدة وغريبة في كلِّ مرّة، آخرها كان تهريب الدّخان في عازف البيانو "الجيتار"، البعض في أرغفة الخبز، منهم من يضعها داخل الحقائب أو الأحذية، أحيانًا يتمّ تفريغها في علب الالكسسوارات ومواد التجميل".

ويضيف عودة: "أحيانًا يتم التهريب من قبل تجّار معروفين "كتجّار الشنتة" عبر تكسي النجمة، والذي يعمل على الاستراحة الإسرائيلية فبعد اجتيازها الجانب الإسرائيلي من المفترض أن يكون التوجّه إلى استراحة أريحا ونقطة التفتيش الفلسطينية، لكنّها تتفادى ذلك من خلال الركوب بمركبات إسرائيلية وبذلك لا تمرّ على نقطة التفتيش الفلسطينية، وبالتالي تصبح عملية انكشاف البضائع صعبة، ويتم تهريب البضاعة عبر الخط (60) الإسرائيلي، أو الخط الإسرائيلي الإلتفافي فلا توجد للسلطة الفلسطينيّة رقابة أو سيطرة عليه كونه يقع في منطقة "C".

وعن الدور الرقابي الذي تلعبه الضابطة الجمركية، يقول:"هناك جولات مستمرة لدوريات المكافحة للدخان وغيرها من المواد المهربة، وهناك إلزام لكلّ المحالّ التجارية التي تبيع الدخان أن يحمل رخصة بيع من هيئة التبغ ودائرة الجمارك والمكوس في وزارة المالية".

وقد كشف بني عودة لـ "النجاح الإخباري" إحصائية تحوي الكمية التي تمّ ضبطها من البضاعة المهرَّبة بداية من الشهر الحالي وهي (4117) كروز دخان، و(645) كيلو معسل، و(115) كيلو تمباك.

توم وجيري

التاجر والمهرب "ع. ز" يقول لـ "النجاح الإخباري": بداية عملت بمفردي، فلم أكن أعرف أحداً، ومن ثمَّ تعرَّفت على بعض الأصدقاء التّجار، "تجار وليس مهربين" فالبعض يصفنا بالمهربين ولكننا كغيرنا نتاجر لكن لا نتاجر بالمخدرات والحشيش لا سمح الله، وبعد أن تعرَّفت على بعض الأصدقاء أصبحنا نراقب لبعضنا حركة الجمرك، بما في ذلك تغير طواقم العاملين، ومعرفة المتشدِّد والمتراخي من الموظفين، وكيف يكون التعامل مرنًا، ومتى يكون التشديد خلال اليوم، من أجل اختيار الوقت المناسب للعبور بالبضائع المهربة".

وعن الدافع يضيف: "نجني مبالغ ماليَّة ممتازة، لو جلسنا لنعمل خلف مكتب مدة تتراوح بين (3-10) أشهر نحصل بكل شهر على (2000) شيكل، بعملية تهريب واحدة نحصل على هذا المبلع وضعفه، إذ يتراوح ربح العملية الواحدة من (2000-10000)، ويمكن القيام بأكثر من عملية في اليوم، أنا أفضّل العمل بتهريب الدخان، المعسل، والتبغ، فهي تعود علي بربح وفير، وفي حال تمّ الإمساك بي على المعبر لا يتم اعتقالي فقط تصادر البضاعة، بعكس تهريب المخدرات والمنشطات الجنسية الممنوعة، فهي توجب المحاكمة".

ويشتري المهربون "كروز" الدخان من الأردن بما يعادل (50) شيكلًا، ويُباع في السوق الفلسطينية بمبلغ يتراوح بين (160- 200) شيكل، فيما يُباع كيلو "التمباك"، الذي يشترونه بنفس سعر "كروز" السجائر بنحو (300) شيكل (80 دولارًا).

ويضيف: "لحظة وصولي لنقطة التفتيش الفلسطينية، أشعر نفسي داخل المسلسل الكرتوني توم وجيري، وأنا الفأر توم والشرطي القط جيري، فمهما كانت طريقتي بالتهريب سيجدها جيري بالنهاية ولكنني لا أيأس بل ابتكر طريقة جديدة لتهريب البضائع، وفي اللحظات الصعبة حين أشعر  باحتمالية الإمساك، ألجأ إلى بعض النساء أو الرّجال كبار السنّ المسافرين، الّذين لا يحملون السجائر، وأطلب منهم مساعدتي بحمل بعضها، حيث يسمح لكل مواطن بحمل (20) علبة بشكل قانوني، كما أقوم بفكّ علب السجائر وتخبئتها".

وتشهد السوق الفلسطينيّة رواجاً للسجائر المهرّبة من الأردن، نظراً لازدياد الإقبال عليها لسعرها الرّخيص، مقارنة بأسعار السجائر المستوفية للإجراءات الجمركيّة، والّتي تعتبر غالية الثمن.

أسعار رخيصة وطلب كبير

فيقول المواطن مجاهد مسعود: "أنا من مدمني الدخان والأرجيلة، واستهلك العديد منهم لذلك لا أستطيع أن أشتري من المحلَّات الموجودة هنا كون أسعارها مرتفعة، بعكس الدُّخان والمعسل المهرب عن المعبر يكون سعره أقل".

ويتابع مسعود: "أعلم أنَّ ما يشجع التجار على التهريب هو الطلب المتزايد على السجائر المهرّبة من قبل المواطنين، نظراً لسعرها المنخفض، مقارنة بأسعار السجائر في السوق الفلسطينيّة، ولكن هذه هي الحياة، الكل يمشي حسب حاجته".

ويلحق تهريب السجائر خسائر بخزينة السلطة، الّتي تعتمد في شكل كبير على إيرادات التبغ وإنتاج شركة "سجائر القدس" المحليّة، وهو ما يجعل السلطة ووزارة الماليّة تصنّفان هذا النّوع من السجائر بغير القانونيّ كونه لا يخضع إلى الرسوم الجمركيّة.

وأظهرت دراسة متخصّصة لشركة "إلفا" للدراسات والأبحاث في (كانون الثاني/يناير) من عام (2014)، أنّ (39.4) في المئة من السجائر المتداولة في الأسواق الفلسطينيّة مهرّبة، وغير مطابقة للمواصفات القانونيّة، ولم تستكمل الإجراءات المطلوبة مثل الفحص الصحيّ وإدراج التّحاذير المفروضة على علب السجائر، ولا تخضع إلى التّعرفة الجمركيّة المفروضة على منتجات السجائر القانونيّة.

وقدّرت الدراسة عدد علب السجائر المباعة بشكل غير قانونيّ في أسواق الضفّة الغربيّة بـ(45) مليون علبة سجائر سنويّاً، يتراوح سعرها بين (100) و(105) مليون دولار من الإيرادات الضائعة على خزينة الدولة.

ومن الجدير ذكره أنَّ طريق رقم (60)، هي طريق سريعة قديمة تشطر الضفة الغربية من الشمال إلى الجنوب، وتعتبر الشريان الرئيس للطرق الالتفافية الجديدة التي تمرّ حول المدن  الفلسطينية الرئيسة، وتبدأ هذه الطرق من العفولة وهي بلدة إسرائيلية تقع إلى الشمال من الخط الأخضر مروراً بوسط مدن جنين، ونابلس، ورام الله، والقدس، وبيت لحم، والخليل، وهذه الطرق مفتوحة أمام جميع وسائط النقل. وتقع الطريق السريعة رقم (60) كلها تقريباً في المنطقة "ج"، وهذا يوفّر ممراً تتحكم إسرائيل فيه، ويخترق طول الضفة الغربية بكامله، حيث تمرّ الطريق وسط المدن الفلسطينية عبر منطقتي "أ و ب" فإنَّه يجري بناء طرق التفافية لليهود فقط.

والملاحظ أنَّ الجانب الإسرائيلي قد أصرَّ على بقاء هذه الطريق الهامّة في المنطقة "ج" الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة لأنَّها عصب طرق المواصلات في الضفة الغربية، حيث تتقاطع معها جميع الطرق الفرعيّة والعرضيّة، كما أنَّ الطرق الالتفافية التي تصل بين المستوطنات تصبح عديمة القيمة إذا لم تتصل بالطريق الرئيس رقم (60)، ومن ثمَّ الطرق العابرة التي توصل رقم (60) هو الذي جعل الجانب الإسرائيلي يهتم بأن يكون هذا الطريق في المنطقة ج.