هبة أبو غضيب - النجاح الإخباري -  "كل الناس قادرين على التفكير إبداعيًّا إذا لم يتم منعهم من ذلك بالتربية والتعليم"، مقولة لم تذكر بكتاب الكاتب "أليكس أوزبورن" لتمر مرور الكرام، ولم يتطرق إلى تعريف العصف الذهني من فراغ، والتي تعدُّ أفضل طريقة عملية جماعية لإيجاد حل لمشكلة معينة.

وهنا حدث ما تكلم عنه "أوزبورن"، رؤية طفل واحد فقط من المصابين بطيف التوحد كانت كفيلة بأن تبدع طالبتين ومعلمة من نابلس بابتكار حل مساعد وبسيط لعلاج مثل هذه الحالات، وللمرَّة الأولى هذا الإبداع سيحصل على براءة اختراع.

4.png

وتروي معلمة الرياضيات في مدرسة "الشهيد ياسر عرفات" في نابلس رنا صوان لـ"النجاح الإخباري" تفاصيل بداية الإبداع، والذي بدأ عندما التفتت إلى  تذمر صديقتها من طفلها الذي يعاني من اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، حتى أصبحت والدته لا تستطيع السيطرة عليه.

وتؤكِّد صوَّان لـ"النجاح الإخباري" على أنَّها قررت وبمشاركة الطالبتين "هيفاء النابلسي" و"ليال الخليلي" في الصف العاشر إيجاد حل يساعد الأمهات ومعالجي أطفال التوحد.

حيث ابتكر ثلاثتهن ولأول مرَّة في العالم، سترة"تحفيز الحواس" والتي تخدم التواصل البصري والحسي لدى أطفال التوحد، لمحاولة دمجهم مع أطفال طبيعيين في المدارس ورياض الأطفال.

18280905_10211179950528117_434223563_n.jpg

وتحتوي السترة على أقمشة ذات ملمس ناعم وأخرى ذات ملمس خشن، لأن أطفال التوحد قد يكون لديهم رفض لملمس معين فتجبرهم السترة على التكيف مع هذا الملمس من خلال دمجه مع إضاءة باللون الذي يفضله أو موسيقى يحبها، وكذلك يتم تطبيق العكس على الموسيقى الصاخبة أو الهادئة والإضاءة.

كما أنَّ السترة تحتوي على جهاز اهتزاز بمنطقة الظهر يساعد على استرخاء الطفل أثناء الجلسة العلاجية، الأمر الذي يساعد أيضًا على إنجاز الجلسة للأخصائي بطريقة جيدة.

وتحتوي السترة أيضًا على أكياس رملية بناء على الوزن المناسب للطفل، لتصبح أكثر ثقلًا والسيطرة على الطفل خلال الجلسة العلاجية.

وفيها خاصيَّة تمكنك من  التحكم بالموسيقى والإضاءة ودرجة الإهتزاز في السترة من خلال تطبيق على الهاتف المحمول، ويعمل التطبيق من مسافة قصيرة عن طريق بلوتوث، الأمر الذي يساعد في الإهتمام بطفل التوحد بشكل أكبر سواء من الأم أو الأخصائية.

18280006_10211179947368038_1622096184_n.jpg

وتؤكد صوَّان على أنَّهم طبقوا السترة قبل مشاركتهم في معرض العلوم والتكنولوجيا الذي يخدم أطفال التوحد على مستوى فلسطين، على ثمانية أطفال، ومصابين بمختلف أطياف التوحد، وتابعت قائلة: "بناء على استشارة أطباء وأخصائيين أكَّدوا لنا بعد التجربة أنَّ النتيجة رائعة"، الأمر الذي يساعدهم في الحصول على براءة اختراع للتصميم.

وكانوا قد اقترحوا الفكرة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وبعد تجميع القطع اللازمة للسترة، والتي بلغت ما بين (2000 إلى 2500) قطعة من المجسات والأسلاك الآمنة، واستشارة الأطباء، والحصول على إذن البدء بعمل السترة من وزارة الصحة والتربية والتعليم، عملوا على تصميم سترة خلال شهر ونصف.

وتمت المشاركة بسترة تناسب فصل الشتاء بمسابقة لأطفال التوحد في رام الله حصلوا من خلالها على المرتبة الأولى، الأمر الذي دفعهم لتصميم سترة ثانية تناسب فصل الصيف وبدعم من الجمعية الخيرية الإمارتية.

وشاركوا بتشجيع من التربية والتعليم في معرض العلوم والتكنولوجيا الثاني على مستوى فلسطين لأطفال التوحد من بين (91) مشروعًا، حصلوا خلاله على المرتبة الأولى على مستوى مديرية التربية والتعليم في نابلس، وكانوا من ضمن العشرة مشاريع الأولى في المعرض.

وتؤكد الطالبة النابلسي لـ"النجاح الاخباري" على أنَّ سترة تحفيز الحواس ما هي إلا سترة عادية جدًا "إلا أنَّنا  أضفنا عليها التمييز بما يخدم طفل التوحُّد".

2.png

 

لم تأت الفكرة بسهولة وواجهت الطالبتين "النابلسي والخليلي" عدَّة صعوبات كانت كفيلة بأن يصلوا إلى مرحلة اليأس، ولكن الهدف الإنساني دفعهم لإعادة المحاولة عدَّة مرات واستكمال مشروعهم، وتشير النابلسي إلى أنَّهم وبعد استشارة مهندسين توصلوا لفكرة السترة، ولكن أثناء عملية التصميم تعطلت قطعة أساسيَّة للسترة ولا يوجد بديل لها في فلسطين، فاستبدلتا ذلك بقطعة أخرى.

ولم تقف الأمور عند هذا الحد، فهناك خلل معين أدى إلى إفشال التصميم كامل، وما كان لديهم حل إلا إعادة تصميم سترة أخرى.

وواجهت الطالبتين صعوبات في محاولة السيطرة على أطفال التوحد الذين يعانون من اضطراب فرط الحركة، أثناء تجربة السترة عليهم.

وأضافت النابلسي لـ"النجاح الاخباري":  "أجرينا التجربة على أطفال التوحد في معهد النجاح للطفولة وجمعية رعاية الأطفال وذوي الإحتياجات الخاصة بموافقة أهالي الاطفال".

3.png

وتضيف: أنَّ أربعة ألوان مستخدمة في إضاءة السترة، وكل لون له تأثير على طفل التوحد، حيث إنَّ اللون الأحمر يستخدم لتنشيط الأطفال الهادئين، بينما الأزرق لأطفال الحركة الزائدة للتقليل من نشاطهم، وبالتالي توفير الراحة لأهل الطفل وجلسة علاج مناسبة مع الاخصائية.

وتوضح أنَّ الاهتزازات داخل السترة على ثلاث درجات، ولأنَّ طفل التوحد لا يحب أن يتأقلم مع أقمشة معينة، سواء كانت خشنة أو ناعمة، تمَّ استخدام ملمس ناعم أو خشن وإقرانه بلون إضاءة أو موسيقى يفضلها طفل التوحد، الأمر الذي شجعه على إعادة لمس هذا الملمس والتأقلم معه.

وكعادتها جامعة النجاح الوطنية في نابلس تحرص على دعم وتشجع مشاريع الطلبة للاستفادة منها في الحياة اليومية، حيث نظمت معرضًا تكنولوجيا في (11 من الشهر الجاري) لأعلى (30) مشروعًا رياديًّا من إنجاز طلبة مدارس المحافظة وكان من ضمن المعرض مشروع الطالبتين "سترة تحفيز الحواس" لأطفال التوحد.

ويهدف المعرض إلى تعريف المؤسسات والشركات على مشاريع الطلبة والتشبيك بينهم وبين الشركات والمؤسسات ذات الاهتمام بالاستفادة من مبادرات طلابية ذات بعد اجتماعي مميز.

ويذكر أنَّ مدرسة "الشهيد ياسرعرفات" حصلت على المرتبة الثانية كأفضل خطة نشاطات ثقافية علميَّة موسيقيَّة فنيَّة على مستوى مدارس مديرية التربية والتعليم نابلس والتي يفوق عددها (190) مدرسة ما ببن حكومية وخاصة.

 18279977_10211179947688046_48173280_n.jpg

18302421_10211179947328037_1383053909_n.jpg