نسرين موسى - النجاح الإخباري - منذ سنتين والأربعينية وفاء تتردد إلى المحكمة كثيرًا في قطاع غزة، وتجلس تنتظر الساعات كل يوم، للحكم في حقها الشرعي بميراث والدها، بعدما حرمها شقيقيها من الميراث أصابها اليأس وقررت التوجه لحل قضيتها عشائريًّا، وتوصل رجال الإصلاح في أقل من عشرين يومًا إلى إثبات حقها وخرجت من شوطها الطويل تشعر بالرضا.

وتعبِّر السيدة وفاء لـ"النجاح الاخباري" باستياء قائلة: "حبال المحاكم طويلة، وليس لدي المقدرة الماليَّة الكافية، عدا عن أنَّ القضايا في المحاكم تتسم في المماطلة، وفي المقابل رجال الإصلاح أسرع وأقل تكلفة".

هل أصبحت الثقة في القضاء العرفي العشائري أكثر من القضاء الخاضع لسيطرة حركة حماس في غزة؟

بدورها قالت المحامية منيرة الفيومي لـ"النجاح الاخباري"، "أصبحت الناس تثق برجال الإصلاح لأنَّ القضاة يفتقدون للخبرة ومنهم من يتعامل مع القضايا بناء على حزبه السياسي، عدا عن أنَّهم يحيدون عن الحق وينحازون لمعارفهم".

وتضيف الفيومي: "تكاليف المحكمة باهظة ناهيك عن إطالة أمد القضية، فالقضية التي تحتاج إلى ستة شهور تمكث خمس سنوات وأكثر".

وتشير الفيومي إلى أنَّه في حال توصل أطراف المشكلة إلى الصلح عن طريق التحكيم العرفي، فلا داعي للتوجه إلى المحكمة، ولكن في حالة عدم رضا أحد الأطراف، فإنَّه يفسخ الحكم العرفي ويلجأ إلى المحكمة.

ويتفق مع المحامية الفيومي "سيف أبو رمضان" رئيس جمعية مخاتير فلسطين بالرأي ويقول لـ"النجاح الاخباري": "الثقة منزوعة من القضاء النظامي أما العرفي فهو السائد أكثر".

ويقول أبو رمضان: "القضاء العشائري ملزمًا للطرفين حيث لا يخرج أيُّ طرف مظلومًا من القضية ناهيك عن سرعته في التعامل ".

وعن أنواع القضايا التي يتداولونها يقول: "الدماء والعرض والشرف وقضايا الشجار والاعتداء والقضايا المادية، والحديثة مثل مواقع التواصل الاجتماعي وحوادث الطرق".

ولفت إلى أنَّ القانون لا يمكن أن يتجاهل ورقة الصلح الصادرة من طرف الإصلاح، ولا يتمُّ الإفراج عن أي سجين إلا بها.

ويضيف أنَّ القضاء العرفي ساعد على منع تفاقم الصراعات العائلية في ظلِّ الانقسام.

من جهته أضاف التاجر "حجازي نصر" أنَّه لا يثق بالقضاء النظامي في غزة، قائلا لـ"النجاح الإخباري": "العشائري تقليد موروث وأسرع في التعامل مع القضية من القضاء العادي".

ويعتبر الصحافي "فرج بربخ" أنَّ هنالك ثقة متفاوتة بالمحاكم والقضاء في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس لا سيما وأنَّهم لازالوا يعيشون مراحل الانقسام على الأصعدة كافَّة.

ويضيف: "لا أشكك في نزاهة القضاء، ولكن هناك أسباب للجوء بعض الناس إلى المحاكم والقضاء العشائري، فضلاً أننا نعيش في مجتمع تربطه العادات والتقاليد، والقضاء العشائري إرث يعتمد عليه كثير من الناس في بعض المشاكل العائلية المعقدة والتي غالبًا تحل عن طريقه.

ويتابع بربخ "إذا كانت القضية تتعلق بالميراث فتجد بعض الناس يهربون من القضاء العشائري لأنه مُلزم إلى المحاكم وإن كانت ضعيفة من خلال اثباتها بالأدلة والوثائق والمستندات، علمًا أنَّ الطرق الموجودة للحل في الحُكم العشائري هي أكثر من الطرق الموجودة في المحاكم".

المحامي كارم نشوان لا يعتبر أنَّ السبب هو عدم الثقة ويقول لـ"النجاح الاخباري": "عدد القضاة قليل لا يتجاوز الـ(42) قاضيًا، وفي المقابل هناك عشرات آلاف القضايا تنتظر في المحاكم لذلك يلجأون إلى العشائري".

ويضيف نشوان: "لست مع التحكيم العشائري بأيِّ حال من الأحوال، لوجود القانون والمحاكم، والقضاة الذين يتقاضون رواتبهم ويحكمون بالعدل ولو تعثر هذا لا يعني أنَّ التحكيم العرفي أفضل".

ويختم نشوان: "أطالب السلطة بزيادة أعداد القضاة والمحاكم وتسريع الإجراءات لأنَّ القضاء النظامي أكثر مقدرة على الإنصاف".

وينفي القاضي في المكتب الفني بمحكمة غزة "زياد ثابت"  لـ"النجاح الاخباري"، عدم وجود الثقة في القضاء النظامي، ويقول يذهب الناس إلى القضاء العرفي على الرغم من أنَّ القانون تحكيمي ويتسم بالمرونة، والمُحكِم يكون متفرغًا".

وفيما يتعلق بالأخذ بحكم القضاء العشائري أشار القاضي إلى أنَّه يجوز في بعض القضايا ولا يجوز التحكيم بقضايا القتل والدم ويبقى الأمر للمحاكم".

أما الطالبة أمل من جامعة الأقصى تقول لـ"النجاح الاخباري": "في حال تعرضت إحدى الفتيات لقضية أخلاقية، في ظلِّ الاستخدام السيء لمواقع التواصل الاجتماعي، فإنَّها ستلجأ للقضاء العشائري لأنَّه سيتكتم عليها ولا تتعرض للفضيحة مثل القضاء النظامي، عندما يتم تداول القضية داخل المحكمة وتحتاج إلى محامي وتأجيل وأمور أخرى تكون في غنى عنها، لذلك ثقتي أكثر بالقضاء العرفي".

ويقول رجل الإصلاح "أسامة أبو عيادة": "يحتاج القضاء إلى مهارة كبيرة في طريقة تقديم القضية، ويمكن أن تتعرض القضية للتزوير من المحامي ما يؤثر على ثقة أصحاب القضية".

يذكر أنَّ القضاء العشائري ظهر في نهاية عهد الدولة العثمانية، بدعم من الوالي التركي، والذي خصص بدوره بيوت ومقرات للإصلاح، كما أنَّ الانتداب البريطاني واصل دعم هذا النوع من القضاء، لما له من دور في وئد الصراعات المجتمعية ومنع تفاقمها.