مجد حسين - النجاح الإخباري - مجد حسين – جنين : يقع نظرها لعيناك على بساط عشبي أخضر اللون يكسو المكان، وأشجار الزيتون والتين بسطت عرشها في القمة، ومن قلب المشهد يسطع لون قرنفلي لشجرة لوز أزهرت في ربيعها، لتضفي لمسة جمالية لذاك البساط العتيق لتنشر عبيرها من بين القناطر المنتشرة على التل، فما بين أشجارها وحجارها، كهوف وقبور وأعمدة  لأزمنة عاشتها المنطقة تحت حكم البيزنطينين والرومانيين.

 تل تعنك الأثري أو المدينة الكنعانية القديمة، تلك القطعة الأثرية الواقعة في قرية تعنك شمال غرب مدينة جنين، مساحتها حوالي 4.5 هكتار من مساحة أراضي القرية 32000 دونم تقريبا.

شاهد على العصر ..

ويبين الحاج فياض حسين- أحد سكان القرية -  متكئأ سبب تسمية تعنك بهذا الاسم قائلا: "تعنك تعني أرض الطين أو الأرض الرملية الخصبة، وهي المدينة الكنعانية الأصلية، ومن أقدم القرى في فلسطين".

ويضيف الحاج: "العديد من الحضارات شهدها تل تعنك، فوجود التوابيت وبعض الآثار يدل أن الحضارة الفرعونية مرت من هنا، حيث أن اسم القرية منقوش على أحد الأهرامات في مصر حين وقع ملك تل تعنك صلحاً مع تحتموس الثالث فرعون مصر، أيضا لها تاريخ مع العهد العثماني  حيث تتربع آثار المملكة العثمانية في وسط التل، ويوجد (جحور) للجيش الأردني، فقد كان التل المنطقة الأنسب لمعسكرات الجيش الأردني عام 1967 لأنه يشرف على البؤر الإسرائيلية".

شرايين الدولة الأموية ...

بالآثار المنتشرة على التل، وبروز الأواني الزجاجية التي تعكس أشعة الشمس الساقطة عليها، والأواني البرونزية بشتى أشكالها، والمعالم التاريخية والقبور الإسلامية للجهة الجنوبية من التل برزت شرايين الدولة الأمويية، والملامح الرومانية التي تشجعك للغوص داخل الأرض؛ لرؤية التوابيت والقبور من داخل الكهوف المظلمة.

يقول ابن القرية كامل حسين: " تعد الآثار نقطة إلتقاء بين العصور القديمة  والوقت الحاضر، فوجود مثل هذه المعالم والآثار التاريخية، يجذب السياح وعلماء الآثار والمنقبون  لتل تعنك، وكثرت المؤسسات والجمعيات التي اهتمت بالتنقيب عن الآثار".

وتابع حسين: "قامت المدرسة الأمريكية للبحوث الشرقية في القدس بالتنقيب عن الآثار فيه بإشراف خبير الآثار العالمي البروفسور بول ويليم لاب ومن بعده إلبرت جلوك المحاضر في جامعة بيرزيت لمادة التاريخ في أواسط الستينيات والسبيعنيات من القرن الماضي، وقد سبقتهم في العهد التركي البعثة الألمانية بقيادة سلين حيث حفرت أخدوداً في وسط التل".

ويصف الحاج فياض حسين التل المشهد قائلا: "يمكن للناظر من تل تعنك أن يطل على مرج بن عامر، ويشاهد مدينة جنين وجبالها، وجبال الجليل من الشمال، وفي حافتها الجنوبية مدينة الناصرة، ومن جهة الغرب تظهر بعض أحياء مدينة أم الفحم وجبل اسكندر، والسيلة الحارثية، وعانين واليامون".

يقول الحاج حسين: "عمر هذا البيت حوالي 150 سنة تقريبا، فقد جمع أبناء عائلة آل حسين، وهم حسن وحسين وسليمان وأحمد، وكل واحد منهم له بيت من هذه البيوت الأربعة".

يردف قائلا: " بُنيَ من الحجر والطين وبسبب سمك الجدران الذي يصل حوالي 1 متر، لم نكن نشعر ببرودة الشتاء أو حتى قسوة حرارة الصيف".

"كان سقفه من القصّيب، ولكن تم ترميمه وتغيير سقفه ليصبح من الاسمنت عام 1970، ويوجد فيه ثلاث قناطر من الحجر، ومساحة البيت الواحد أي حوالي 72 مترمربع".تابع الحاج فياض.

القناطر ..

ويوضح الحاج فياض ما يقصد بالقناطر: "هي التي يرتكز عليها السقف وتكون بشكل أقواس،  وعلى جوانب القناطر يوجد (خابية) وهو مكان لتخزين القمح والحبوب".

ويشير فياض بإصبعه إلى الجزء المنخفض من البيت قائلا: "الجزء هذا من البيت يسمى "قاع البيت والذي يكون مستواه بمستوى الساحة الخارجية، وكان يستخدم لوضع المواشي فيه كالبقر أو الفرس".  ومن ثم صعد درجة إلى الساحة الأخرى التي ترتفع عن الجزء المنخفض حوالي 80سم فقط قائلا: "هنا يعيش أفراد العائلة".

أخذت ابتسامة ترتسم فوق شفتي الحاج فياض لتتحول فورا إلى ضحكة خفيفة، قائلا: "في يوم من الأيام ذهبت أنا وزوجتي لقطف الزيتون وتركنا الأولاد نائمين، وكنا قد وضعنا صحن من البطاطا،  وحين عودتنا صدمنا بما رأينا فقد صعدت البقرة الجزء العلوي وكانت قريبة من أطفالنا الذين لم يشعروا بوجودها،  وأكلت البطاطا أيضا، لقد كانت الأولى والأخيرة التي تصعد فيها للمنطقة الأخرى".

يزين المكان وجود العقاديّات وهي الرفوف المبنية من حجر على جوانب الجداران من الداخل، فقد كانو يضعون عليها جرار الزيت وأيضا (مرطبانات) المُونه كالجبن والمربى والعسل والزعتر.

خلف المنزل تتواجد مغارة واسعة، يحيطها الكثير من القش، يستذكر الحاج فياض قصة المغارة قائلا: " مع بداية حرب ال67، كان يختبيء أهل القرية جميعهم داخل المغارة".

وتعبر ابنة القرية هديل أحمد عن فخرها بقريتها وتلها، قائلة: "لا يشعر الإنسان في الأمن والأمان سوى في بيته وعلى أرضه، وحين نسترق النظر إلى بلادنا نجدها تعج بالبيوت القديمة، فالبيوت القديمة من الشواهد على أجدادنا وجذورنا وحقنا في ملكية هذا التراب ولتاريخٍ يشهدُ له العالم بأسره".

وتضيف: " فلو تأملنا في هذه البيوت لرأينا الكم الهائل من الإتقان والجمال، وطابعها الجمالي الخاص أكثر ما يميزها ويفتن الناظر إليها، فأسلافنا جاهدوا أنفسهم في بناء هذه البيوت وإظهارها بهذا الشكل، وكم من الجهد استنفذوا فيه تشييدها وتثبيتها، فتحملها لبرد الشتاء وحرارة الصيف من أصدق الأدلة على قوتها والإبداع في بنائها".